ماذا عن الانتخابات والعنف ومستقبل الديمقراطية الأمريكية؟
مدار الساعة -أثار وقوع أعمال عنف خلال الانتخابات الأمريكية أو عقبها في مناسبات سابقة، مخاوف من أن يندلع العنف مجدداً خلال موسم انتخابات التجديد النصفي المقررة في 8 نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل.
ويقول جاكوب وير، الباحث المساعد في شؤون مكافحة الإرهاب في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن العنف خلال فترة الانتخابات يقوض الديمقراطية في الولايات المتحدة وعلاقاتها مع حلفائها، وقوتها أمام خصومها، مما يثير مخاوف من وقوع أعمال عنف تلقي بظلالها على الانتخابات المقبلة.
واستشهد وير في تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بالهجمات الإرهابية المحلية الأربعة التي هزت الولايات المتحدة خلال الأسبوعين اللذين سبقا انتخابات التجديد النصفي في عام 2018، وسعت كلها، بطرق مختلفة، إلى تكرار رسالة سياسية
وكان مؤيد متعصب للرئيس دونالد ترامب أرسل 16 طرداً بريدياً مفخخاً إلى شخصيات رئيسية من الحزب الديمقراطي، ومن اليسار على نطاق أوسع، بهدف "الترهيب والترويع"، وبعد أيام من العثور على أولى الطرود المفخخة، قتلت رصاصات عنصرية اثنين من المتسوقين السود بأحد فروع شركة كروجر لتجارة التجزئة، في جيفرسون تاون بولاية كنتاكي.
وفي 27 أكتوبر(تشرين الأول)، قتل مسلح 11 من المصلين داخل المعبد اليهودي "شجرة الحياة" في بيترسبرغ، بولاية بنسلفانيا، وكان الجاني مدفوعاً بتقارير إخبارية بأن قوافل من مهاجري أمريكا الوسطى في طريقها إلى الأراضي الأمريكية، وفي بداية نوفمبر(تشرن الثاني)، قتل مسلح، مدفوع بعقيدة "إنسيل" (العزوبية غير الإرادية) شخصين بأحد صالات ممارسة اليوغا في تالاهاسي بولاية فلوريدا، كما شابت انتخابات 2020 والفترة التي تلتها، أعمال عنف، كان أبرزها الهجوم على مبنى الكونغرس الأمريكي (الكابيتول)، في السادس من 6 يناير(كانون الثاني).
ويشير وير إلى أن الانتخابات الرئيسية الأمريكية في عام 2016، والتي فاز بها دونالد ترامب، أثارت موجة من هجمات الكراهية التي استهدفت الأقليات، حيث وثق مركز "ساذرن بوفرتي لو"، 900 بلاغ عن"مضايقات وترهيب" خلال الأيام العشرة التي أعقبت الانتخابات. كما أطلق انتخاب ترامب وتنصيبه أعمال شغب، امتدت إلى واشنطن نفسها، وكانت حملة الرئيس الأسبق باراك أوباما لانتخابات 2008 أدت إلى سيل من جرائم الكراهية، شملت تهديدات ضده هوه نفسه كمرشح رئاسي.
وأشار وير إلى تحذيرات متزايدة يصدرها خبراء وجهات حكومية، من وقوع أعمال عنف قبل انتخابات التجديد النصفي المقبلة، وبعدها، وقد يأتي معظمها من اليمين المتشدد، في ظل قضايا غالباً ما يتم تقديمها من خلال عبارات وجودية - مثل الإجهاض وعنف السلاح، ناهيك عن النظر إلى أن هذه الانتخابات تمثل استفتاء على الرئيس السابق ترامب، وهو يخضع حالياً لتحقيق اتحادي يتعلق بتعامله مع وثائق سرية.
ويؤكد وير أن العنف السياسي، قبل الانتخابات الأمريكية ويعدها، لن يثني الأمريكيين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع فحسب، ولكن قد يقوض الديمقراطية والاستقرار في الولايات المتحدة عبر سبل متعددة.
فبادىء ذي بدء، يقوض العنف الذي يأتي رداً على مردود مخيب للأمال إيمان الداخل بالديمقراطية الأمريكية وهو أمر بالغ الأهمية، ولقد كانت تداعيات الهجوم على الكابيتول عميقة، فقد أظهر استطلاع حديث أن 38% فقط من الأمريكيين يعتقدون أن الطرف الخاسر في الانتخابات الرئاسية مستقبلا سوف ينسحب بهدوء، وقال 54% من المشاركين إن الولايات المتحدة ستكون أقل ديمقراطية بالنسبة للأجيال المقبلة.
وعلاوة على ذلك، يؤدي العنف رداً على نتائج الانتخابات إلى تطبيع هذا العنف كشكل مشروع من النشاط السياسي عند الاخفاق عبر صناديق الاقتراع، وتشير الأبحاث إلى أن تاريخ عنف الانتخابات يمثل أحد عوامل خطورة وقوع عنف خلال فترة الانتخابات.
ومن ناحية أخرى، يحطم عنف الانتخابات ثقة حلفاء أمريكا في البلاد، ويدمر قدرة الولايات المتحدة على الترويج للديمقراطية الليبرالية في الخارج، وقد كان الهجوم على الكابيتول جزءاً من اتجاه ديمقراطي عالمي أوسع يبدو فيه عنف الانتخابات أكثر تكرارا، ويترك واشنطن أقل قدرة على قيادة الدعوات للتغيير، وفي الحقيقة، كانت الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية دولة مصدرة للتطرف، وإثارة التوجهات التي ابتلي بها حلفاء واشنطن الأوروبيون، وحلفاء آخرون.
وركز تحليل عالمي حديث على تخلي أمريكا عن دور "زعيم العالم الحر" ، محذراً من وجود فراغ أمام قوى أخرى ستسعى لملئه. وأعرب محلل عن أسفه قائلاً إن "أمريكا تظل لا غنى عنها، لأنها القوة العسكرية الأكبر في العالم - وليس لأن دولاً أخرى تتطلع إليها من أجل التوجيه".
كما يؤدي عنف الانتخابات إلى إضعاف صورة الولايات المتحدة "التي لا تقهر" في عيون خصومها، سواء كانوا دولا مثل روسيا والصين وغيرهما، أو كيانات ليست بدول، والدليل على ذلك، يجده المرء في بيانات وأفعال موسكو وبكين، كما أصدر تنظيم القاعدة منشوراً يتحدث فيه عن "حكمة الله" في تحطم الطائرة الرابعة في هجمات 11 سبتمبر(أيلول) قبل أن تصل إلى مبنى الكابيتول، فقد سعى مثيرو الشغب من الأمريكيين أنفسهم إلى "تدمير قلعة ديمقراطيتهم بأيديهم"، كما سخرت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية من أحداث الكابيتول، وقالت: "أتمنى أن يستطيع الأمريكيون الاستمتاع بالسلام، والاستقرار، والأمن في أقرب وقت ممكن".
ويشير جاكوب وير إلى أن مكافحة إمكانية اندلاع أعمال عنف خلال الشهر المقبل، والفترة الانتقالية التي تليه، يمثل أمراً بالغ الأهمية، ويتطلب مجموعة من الالتزامات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والأمر الأكثر أهمية هو تضافر جهود الجانبين من أجل تهدئة الخطاب السياسي الوجودي، وإخماد الحديث عن العنف.
ويرى وير أنه يتعين كذلك على الحزبين، وخاصة الجمهوري، الالتزام بقبول نتائج الانتخابات وأن يثقا في أمريكا، ومسؤولي الانتخابات الذين يتسمون بالشجاعة، وفي سيادة القانون، بغض النظر عن الفائز
وفي ختام التحليل، يقول وير إن أحداث التاريخ تشير إلى أن الأشهر القليلة المقبلة سوف تكون عصيبة فيما يتعلق بالتطرف والإرهاب في أمريكا، ويتطلب الأمر التزاماً صادقاً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأن يضعا "أمريكا أولاً" لضمان أن الانتخابات الأمريكية ستمثل من جديد معياراً للاعتزاز أمام حلفاء أمريكا وخصومها على حد سواء.