حكومة الخصاونة وفرسان طروادة

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/04 الساعة 01:05
في تاريخنا البعيد قليلا شاهدنا كيف كان رئيسان بعينهما يتداولان الحكومة عبر عقدي السبعينيات والثمانينيات، وعبرا العقدين الثامن وبداية التاسع، ومع عراقتهما في الرئاسة الحكومية لم ينتج عن كل خططهما ما يمّكن الأردن أن يقفز الى مصاف الدول المكتفية، أما تاريخ العهد القريب فقد تداول رؤساء جدد تعدادهم ثلاثة عشر رئيسا آخرهم الرئيس بشر الخصاونة، وجاءوا بعشرات الوزراء الجدد والمكرّرين، ومع ذلك لم نصل الى مرحلة الإشباع، والسبب في إعاقة أي رئيس للوزراء هي أن أي وزير يأتي يرى في نفسه أحد أمرين، إما أن يحسب نفسه أهم من في الحكومة ورئيسها أو ساكن لا تحركه ريح، وأي حكومة قادمة لن تفعل أكثر مما تجاهد هذه الحكومة أو من قبلها للوصول الى الإشباع.
لنذهب بعيدا عن الأردن الذي وقع كحجر النرد على طاولة العرب، ونعود بالذاكرة الى العراق وصدام حسين، فمنذ انطلاقته رئيسا بدأ بحرب طاحنة مع إيران لثماني سنوات، ثم اجتاح الكويت وجلب للعراق لعنة الشياطين، ووقع تحت حرب شرسة ضد بنيته الأهلية ودمار كبير لموارده، ولم ُيقتل من رجال نظامه أحد، وتمت معاقبته بحظر أعاد العراق الى زمن الإفقار، وبقي صدام على اعتداده، وغالبية الشعب يهتفون باسمه ومن العرب من لا يزال يخلده بصور على مركباتهم، وفجأة سقط العراق تحت الاحتلال الأميركي، ليرى قائد العراق كيف تخلى عنه أغلبية الشعب ليموت مشنوقاً.
القصة أحيانا لا تتعلق بالقائد بل بالرعية، فكم رأينا من اللاهثين لسماع خبر عن تغيير حكومي كامل أو تعديل، وكيف ينهض الكثيرون من فراشهم للبحث عمن يقدمهم لدولة الرئيس المفترض، وكم سمعنا من روايات لأشخاص كيف رفضوا الدخول في الحكومة لأنهم لا يتفقون مع شخص الرئيس أو وزن الوزارة، وكل ذلك في أحلامهم، وحتى من يدخل الحكومة بتعديل أو تشكيل لا يلبثون أن تبان عوراتهم، فتجدهم في الجلسات الخاصة يغمزون من قناة رئيسهم، ويسارع الحضور في «مناكب» الرئيس، ويسمع الوزير الحاضر النقد الشرس من أصدقاء السهرة وجُلهم من السابقين أو المتسابقين للوزارة ثم لا يدافع عن حكومته.
سيظن البعض أنني أدافع عن الرئيس الخصاونة، ولكن للحقيقة فلم أر الخصاونة يوما قبل الرئاسة أو بعدها ينتظر أحدا ليدافع عن حكومته، وهو الأعلم بما يخبئ له القرار، والقرار أولا وأخيرا بيد الملك، وأي خيارات أمام الملك لا يتركها للأهواء أو جدال الناس وتقييمهم الشخصي، فأي رئيس للحكومة يدرك أنه ليس بمخلد على كرسي الحكومة، ولكن المشهد الهزليّ واستباق القرارات التي يُخرجها الطامحون أو المهتمون بالشأن الحكومي بغية شحن الأجواء، أو تحفيز من ذاقوا يوما حلاوة المنصب الوزاري، قد بات ممجوجاً، وأي قلب لصفحة الحكومة ستعود ماكينة النقد والتشاؤم للحكومات ما بعد القادمة.
اليوم ينهي الرئيس الخصاونة سنته الثانية في رئاسة الحكومة، ورغم اشتداد وطأة الهبوط الحاد في الاقتصاد والمالية العامة بعد جائحة كورونا والإغلاقات التي شلّت القطاعات زمن الحكومة السابقة، فقد تعاملت الحكومة بميزان كالشعرة للحفاظ على استقرار واستمرار الأعمال والوظائف وقدمت ملايين الدنانير لدعم المتعطلين عن أعمالهم، وكبحت جماح الشركات والمؤسسات التي تشحذ أسنانها لإنهاء عقود الموظفين، ومنعت سجن المدّين بناءً على قانون الدفاع، وإلا لكانت السجون تفيض بالمتعثرين، وهذا ما أنقذ شرائح كبيرة، وأي حكومة وأي رئيس يحكم في هذه الفترة ليس بيده أن يفعل أكثر مما كان، وفي المقابل رأينا في زمن الرخاء رؤساء أطبقوا على الحكومة لأربع سنوات ومنهم ثلاث سنوات ونصف، وأطعمونا وعودا لم نر منها شيئا.
مشكلة الحكومة اليوم وأي حكومة غابرة أو قادمة هي في جنود طروادة، فالداخلون في جسد الحصان لقلعة الحكومة هم الذين ينتهزون الفرصة للإطاحة بها حينما يستنكفون عن واجبهم في الدفاع عن حكومتهم بغض النظر عن طبيعة العلاقة مع الرئيس أو الزملاء،ومن المعيب أن يسرب البعض أقاويل وأكاذيب وسيناريوهات «طاش ما طاش» كي يرموا عن أنفسهم المسؤولية المفترضة، فالبطل هو من يقف ليتكلم بلسان فصيح لا أن يتأتئ أو يختبئ خلف الرئيس، ومن لا يرى أن مكانه ليس في الحكومة فليستقل وسنصفق له، وفي النهاية ليس المهم الرحيل أو البقاء، بل الأهم هو حُسن اختيار الكفاءات المتخصّصة والتناغم لنشل البلد من هذه المخاضة بأي ثمن.
Royal430@hotmail.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/04 الساعة 01:05