مأزق واشنطن.. هل توقف أمريكا دعم أوكرانيا لإنقاذ اقتصادها؟
مدار الساعة -يتخوف كثيرون من أن تؤدي المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا إلى متاعب جديدة للاقتصاد الأمريكي.
وخفض صندوق النقد الدولي، توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي، بسبب زيادات جريئة في أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي.
وتقدم الولايات المتحدة مساعداتٍ عسكرية ودعما ماليا بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا، الأمرُ الذي أصبح محل تساؤلات في وقتٍ يخيم فيه شبحُ الركود على الاقتصاد.
ورغم عدم تورط الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع روسيا على الأراضي الأوكرانية، فإن تداعيات الأزمة الأوكرانية تضرب أرجاء أكبر اقتصاد في العالم.
وفي 19 مايو/أيار، رحب الرئيس الأمريكي جو بايدن بقرار الكونجرس الموافقة على مشروع قانون لمنح مساعدات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار.
ووافق الكونجرس الأمريكي، على رزمة مساعدة ضخمة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار.
ورزمة المساعدات تشمل جانبا اقتصاديا وإنسانيا إضافة الى أسلحة وذخائر وافق عليها عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ.
كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن الإدارة الأمريكية عرضت قرضا سياديا بقيمة مليار دولار لأوكرانيا من أجل دعم اقتصادها وضمان مواصلة انخراطها تحت مظلة صندوق النقد الدولي.
تأتي تلك الحزم من المساعدات في وقت يكافح فيه الاقتصاد الأمريكي الركود ويتخذ الفيدرالي قرارات متتالية للسيطرة على التضخم مثل رفع سعر الفائدة
وكان المركزي الأمريكي وافق يوم الأربعاء المقبل على الزيادة الثالثة على التوالي في سعر الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية.
ورغم الدور الكبير الذي تلعبه الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، بمساعدات مالية ضخمة، هل ستواصل واشنطن دعم أوكرانيا من أجل الاقتصاد العالمي، أم تتخلى عن هدفها لصالح اقتصادها الداخلي؟
رصدت الولايات المتّحدة مساعدات مالية ضخمة لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وكشفت في أغسطس/آب الماضي، عن مساعدات عسكرية بقيمة ثلاث مليارات دولار لأوكرانيا عشية احتفالها بذكرى استقلالها، وذلك في أكبر حزمة دعم أمني لكييف منذ بدء الحرب، بعد أيام من تقديمها 775 مليون دولار مساعدات عسكرية أمريكية إضافية إلى أوكرانيا، و89 مليون دولار مساعدات إنسانية أمريكية لنزع الألغام في أوكرانيا.
وفي ظل المساعدات الكبيرة التي تقدمها الولايات المتحدة، فإن حرب أوكرانيا تمثل ضربة قوية للاقتصاد العالمي ستضر بالنمو وترفع الأسعار.
فالأمر أصبح أبعد من المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب، فالاقتصاد العالمي بأكمله سيشعر بآثار تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم.
مليار طن كربون وأسعار مشتعلة.. ماذا لو حُرم العالم من حبوب أوكرانيا؟
وآثار هذه الحرب يمكن حصرها من خلال ثلاث أمور، أولها، ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة، والذي سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، الذي يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب.
والأمر الثاني، أن الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة سوف تصارع الانقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج، كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين.
والأمر الثالث والهام جدا، هو تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين، وبالتالي إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة.
أضف إلى ذلك، أن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية، وأدى انقطاعات سلاسل الإمداد، إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي. وشهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية، وفقا لصندوق النقد الدولي imf.org/ar/Blogs.
رئيس أرامكو: نهاية الصراع في أوكرانيا لا تعني انفراج أزمة الطاقة
ركود أمريكي
في المقابل ، قال رافائيل بوستيك رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في أتلانتا اليوم الأحد إنه لا يزال يعتقد بأن بإمكان البنك ترويض التضخم دون خسائر كبيرة في الوظائف نظرا لاستمرار "القوة الدافعة" للاقتصاد.
وأضاف بوستيك لشبكة (سي.بي.إس) "إذا نظرت إلى التاريخ... فهناك فرصة جيدة حقا لأن فقدان الوظائف إذا حدث سيكون (بمعدل) أقل" مما كان يحدث في حالات التباطؤ السابقة.
وفيما يتعلق بخطط البنك المركزي لمواصلة الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة، والتي تهدف إلى إبطاء الاقتصاد وزيادة الطلب على السلع والخدمات بما يتماشى مع العرض وخفض التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى له في أربعة عقود، قال بوستيك "التضخم مرتفع. إنه مرتفع جدا. وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لخفضه".
ومشيرا إلى النمو القوي المستمر في الوظائف وفقا لجداول الأجور، قال بوستيك إن هناك "قوة دافعة كبيرة... لدى الاقتصاد بعض القدرة على استيعاب إجراءاتنا والتباطؤ بطريقة منظمة نسبيا".ويزيد المخاوف الأمريكية انخفاض المقياس الشامل لصحة الاقتصاد الأمريكي في أغسطس/آب للشهر السادس على التوالي، الأمر الذي يعزز المخاوف بشأن الركود المحتمل.
وبحسب تقرير سابق لموقع "ذا هيل"، يمكن لارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء واضطرابات سلاسل التوريد أن تسبب ضغطا إضافيا على التضخم في الولايات المتحدة، وتجبر الاحتياطي الفدرالي على تسريع تنفيذ مخططاته لرفع نسب الفائدة.
وخفض صندوق النقد الدولي، توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي، بسبب زيادات جريئة في أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي.
وتوقع الصندوق في الوقت نفسه أن تتجنب الولايات المتحدة "بالكاد" ركودا اقتصاديا.
وقال الصندوق في تقييم سنوي للسياسات الاقتصادية الأمريكية إنه يتوقع الآن نمو إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 2.9 في المئة في 2022 مقابل أقرب توقع له ونسبته 3.7 في المئة في أبريل/نيسان.
وبالنسبة لعام 2023 خفض صندوق النقد الدولي توقعه لنمو الاقتصاد الأمريكي إلى 1.7 في المئة من 2.3 في المئة، ويتوقع الآن معدل نمو ضئيلا نسبته 0.8 في المئة لعام 2024.
كما توقع العديد من الخبراء الاقتصاديين حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي الأمريكي خلال العام المقبل، على الرغم من أن التوقعات تتقلب بشكل أسبوعي.
وتوقع دويتشه بنك حدوث ركود الاقتصاد الأمريكي خلال 2023، بينما توقع كبير الاقتصاديين بالبنك حدوث انكماش في الاقتصاد الأمريكي بنحو 0.5% خلال العام المقبل، في حين توقع وصول معدل البطالة إلى ذروته في قرب 5.5% بحلول 2024.
وذكر خبراء اقتصاد في دويتشه بنك من خلال مذكرة بحثية نشرت هذا الشهر، أن التوقعات الحالية تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي يقترب من الركود في النصف الأول من العام المقبل، وبالتالي من الممكن أن تؤدي سياسة التشديد النقدية إلى تسريع حدوث مخاطر الركود بحلول نهاية العام الجاري.
في الوقت نفسه، رفع بنك جولدمان ساكس توقعاته لحدوث ركود اقتصادي خلال العام المقبل من 15% إلى 30%.
وفي ظل هذه الأرقام الجديدة، هل تواصل الولايات المتحدة دعم أوكرانيا من أجل إنقاذ الاقتصادات العالمية، أم تبحث عن دعم اقتصادها الداخلي أولا.
يشار هنا إلى أن موقع ”إكسيوس“ الأمريكي، ذكر في تقرير سابق، أن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا تهدد بوقف تعافي الاقتصاد الأمريكي.
وأشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة مرت في الفترة الماضية باضطراب اقتصادي هائل، وأن الانتعاش لا يزال هشا؛ نظرا لأن سلاسل التوريد لم تتعاف تماما، والتضخم بلغ مستويات قياسية.