الضفة الغربية

سميح المعايطة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/26 الساعة 07:52
انسحبت إسرائيل من غزة لأنها عبء ثقيل على الاحتلال أمنيا وسكانيا، وتركت للفلسطينيين هناك إدارة شؤونهم لكنها أبقت مفاتيح غزة وشرايين الحياة في يدها، وتحولت غزة بعد عدة محطات فلسطينية إلى جغرافيا فلسطينية تحت قيادة حماس كما هي الضفة جغرافيا أخرى تحت إدارة حركة فتح.
وتجذر استقلال غزة عن الضفة وليس عن الاحتلال جعل الضفة الغربية وحدة سياسية يمكن التفكير بها بشكل مختلف في أي مسار حل قادم، فالضفة التي دخلت تحت حكم الأردن نتيجة وحدة الضفتين التي لم تجد اعترافا عربيا ولا دوليا إلا من ثلاث دول في حينه خرجت عمليا قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967 عندما أنشأت القمة العربية عام 1964 منظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت فكرتها إنشاء كيان فلسطيني يمثل الجغرافيا والسكان الفلسطينيين، وبعد احتلال الضفة كان ظهور الفصائل الفلسطينية والتي أراد بعضها إسقاط النظام الملكي في الأردن وإنشاء دولة فلسطينية في الأردن في بداية السبعينيات، وكانت تلك المحاولة أول محاولة عملية وبالسلاح لإنشاء الوطن البديل.
لكن الضفة الغربية بقيت نقطة صراع بين الأردن ومنظمة التحرير، وكان موقف الحسين رحمه الله حينها أن الأردن هو القادر على التفاوض لإعادة الضفة لسببين أن المنظمة لم يكن معترف بها دوليا، والثاني أن الضفة حين سقطت كانت تحت حكم الأردن.
لكن الصراع على الضفة مر بمحطات مهمة مثل مؤتمر قمة الرباط عام 1974 الذي اعترف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، أي أن الأردن لا علاقة خاصة له بالقضية الفلسطينية، لكن هذا لم يوقف الصراع السياسي حتى عام 1985 حين كان اتفاق عمان بين الأردن والمنظمة الذي يحافظ للأردن على دور في التفاوض حول الضفة الغربية، لكن الاتفاق تلاشى سريعا جدا.
وجاء قرار فك الارتباط عام 1988 الذي ربما اعتبره البعض ردة فعل أردنية على عمل أطراف عربية مع المنظمة لإضعاف دور الأردن في الملف الفلسطيني، لكن المشكلة أن من فرحوا بالابتعاد عن الأردن تناسوا أنه لا توجد حالة فلسطينية على الأرض تملأ فراغ رحيل الأردن، وما زال القرار حتى اليوم قرارا إداريا رغم مطالبات البعض بإعطائه مساحة دستورية.
وبعد أوسلو دخلت منظمة التحرير إلى الضفة ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم لم تتحول الضفة إلى دولة بل تراجع وضعها السياسي لأن إسرائيل ما تزال وفق اتفاق أوسلو صاحبة الصلاحية الكبرى في إدارة شؤون الضفة.
والتطور المهم أردنيا كان في عهد الملك عبدالله الذي كان واضحا في حسم خيارات الأردن تجاه الضفة والتعبير المباشر “دعم الأشقاء الفلسطينيين لإقامة دولتهم على أرضهم”، وأن الدولة الفلسطينية مصلحة أردنية عليا، وأن الأردن ليس معنيا بأي تنافس أو توسيع الجغرافيا نحو الضفة، وأولويته إقامة دولة فلسطينية.
الأردن يريد ويعمل لأن تكون الضفة الغربية الجزء الأهم من الدولة الفلسطينية الحقيقية، ومؤكد أن الفلسطينيين يريدون ذلك أيضا، وإسرائيل يتحدث بعض قادتها عن فكرة الدولة الفلسطينية لكن لها مفهوم لا يختلف كثيرا عما هو قائم اليوم في السلطة، لكن البعض في إسرائيل يريدون الضفة الغربية هادئة جدا ويتحدث بعضهم عن أمنية بأن يتم ضم ما تبقى من أرض الضفة وما عليها من سكان إلى الأردن، فالدولة القوية هي القادرة على ضبط ما يسمى أمن إسرائيل، وهم بهذا التصور يتخلصون من فكرة الدولة الفلسطينية وأيضا يضعون على عاتق الأردن مهمة ضبط الضفة أمنيا لأنها ستصبح جزءا من الأردن، وثالث الأهداف أن مجموع الفلسطينيين في الدولة الأردنية الجديدة يحقق للفلسطينيين ممارسة حقوقهم السياسية والوطنية في دولة بعض أرضها وغالبية سكانها كانت “فلسطينية”.
الجديد ليس موقف الأردن الصلب الرافض لهذا الطرح لأنه قتل للهوية الوطنية الأردنية والفلسطينية، لكن الجديد أن هذا الطرح كان جزءا من مشروع ترامب كما نشرت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية مؤخرا أن ترامب عرض على الملك ضم الضفة الغربية عام 2018.
واثقون من موقف الأردن، لكن المشكلة في مواقف أخرى، وتأكيد الأردن الدائم على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية جزء من رفض أن تكون الضفة الغربية إلا جزءا من الدولة الفلسطينية الحقيقيه وليست جزءا من أي دولة أخرى.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/26 الساعة 07:52