لماذا التقى الوزير هؤلاء في نيويورك؟
لقاءان لافتان للانتباه حدثا في نيويورك، ولا يمكن اعتبارهما مجرد لقاءين دبلوماسيين، خصوصا، أن الأردن فيهما يبرق ببرقية تحمل مضمونا مختلفا بشأن سياساته الخارجية.
يلتقي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، ووزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان، والوزير يلتقي وزراء آخرين، لكن لهذين اللقاءين قراءة مختلفة، في سياقات الاقليم.
اللقاء مع وزير الخارجية السوري، ربما يعد أعلى لقاء مباشر منذ بدء الفوضى في سورية، ولم يسبقها سوى زيارة وزير الدفاع السوري إلى الأردن، الذي التقى رئيس هيئة الاركان في شهر أيلول من العام الماضي، إضافة الى المكالمة الهاتفية بين الملك والرئيس السوري، وإذا عدنا إلى مضامين الاخبار الرسمية في زيارة وزير الدفاع السوري، ثم اللقاء لاحقا مع وزير الخارجية السوري، لوجدنا انها تركز على ملفات مثل الإرهاب، المخدرات ، والتركيز على الحل السياسي للازمة السورية، وصون وحدة الأراضي السورية، وتهيئة الظروف للعودة الطوعية للاشقاء السوريين.
هذه هي مضامين الصياغات الرسمية، لكن ما يتوجب الوقوف عنده هو الانفتاح الحذر من جانب الأردن على السوريين، إذ على الرغم من احتمال كون اللقاء، مجرد لقاء بروتوكولي، الا انه يعبر عن اقتراب سياسي متدرج من السوريين، لكن دون تحويل هذا الاقتراب إلى خطوات أعلى درجة، من حيث الزيارات الرسمية المتبادلة على مستوى عال، أو تفعيل التمثيل الدبلوماسي، وكأن الأردن هنا، يريد الاقتراب من دمشق، لكن في سياقات تحمل في أغلبها متطلبات أردنية، أكثر من كونها علاقة فاعلة على الصعيدين، كما أن هذا الاقتراب الحذر يعبر عن اقرار سياسي حول العلاقة الأردنية السورية، عنوانه يقول إن النظام باق، وعبر كل حقول الألغام، ولا يمكن تغييره، ويتوجب التعامل معه، ولو بالحد الأدنى، وهذا موقف لا يمكن للأردن أن يتخذه لولا وجود توافقات عربية وإقليمية ودولية بشأنه، دون أن نتناسى هنا القنوات التنسيقية بين البلدين، خصوصا، على الصعيد الأمني، وبعيدا عن أعين المراقبين والمحللين.
في السياق ذاته، يأتي لقاء وزير الخارجية مع وزير الخارجية الإيراني، وسبق ذلك إطلاق رئيس الحكومة الحالية د. بشر الخصاونة تصريحات ملطفة وغير معتادة بشأن الإيرانيين، حيث قال الرئيس في شهر تموز من هذا العام ان المملكة لم تتعامل يوما مع طهران على أنها تهديد للأمن الإقليمي الأردني، وأن الأردن يسعى إلى علاقات جيدة مع إيران على الرغم من أن لديه ملاحظات جذرية حول كيفية تعامل طهران مع بعض الملفات الإقليمية.
لا يمكن فصل لقاء وزير الخارجية السوري، عن لقاء وزير الخارجية الإيراني، فهما ينتميان الى معسكر واحد، بما يثير التساؤلات حول الموقف الأردني، وإذا ما كنا أمام إعادة هندسة العلاقات الخارجية مع هذا المعسكر، أو مخاوف تتعلق بتسويات في المنطقة، تؤدي إلى الندم من حالة الاستعداء فيتم استباق ذلك باتصالات تلطيفية، وبالحد الأدنى مع هذه العواصم، وربما هناك احتمال ثالث يرتبط بتوجه الأردن الجديد نحو جرعة من التوازن مع كل الأطراف في المنطقة، وهنا لا يمكن ان يتم تجرع هذه الجرعة بدون توافق أردني مع أطراف عربية واقليمية ودولية.
نقرأ ذات الإشارات بشكل آخر في علاقات الأردن مع العراق، ورموزه السياسية المحسوبة على إيران، والدعم الأردني المفتوح بلا حدود لمصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراق في كل المراحل.
هذا تغير جذري في المواقف الأردنية، لاننا كنا نشهد سابقا، لونا واحدا في العلاقات، لكن القراءة العميقة لملفات مثل العلاقات مع العراق، سورية، إيران، نكتشف تحولات جزئية، ربما لان السياسات الخارجية تستهدف المصالح الوطنية أولا، إضافة إلى الحسابات المحتملة حول التغيرات في الخرائط، خصوصا، مع وصول العالم والمنطقة إلى تواقيت حاسمة بشأن أزمات متعددة ستترك أثرها على دول المنطقة، بما فيها الأردن الذي سيتأثر مثل غيره، أيضا.
قد تكون هذه علاقات قيد الاختبار، وليس أدل على ذلك من انها لم ترتق إلى الانفتاح الكامل، فيأتي السؤال حول كلفة ذلك من جهة، ومدى قبول هذه الأطراف اقتراب الأردن بشروطه هو، دون التفاته لشروط هؤلاء أيضا، وبشكل حذر ومتقلب يؤكده النمو البطيء لهذه العلاقات.