عندما طرد الأتراك آخر جندي يوناني
مدار الساعة -مرت 99 عاماً على خروج القوات اليونانية كلياً من مدينة إزمير الساحلية، بعد هجوم ضخم شنته القوات التركية ضد القوات اليونانية، وتحديداً معركة دوملوبينار. هذا الانتصار الحاسم تحتفل به تركيا كل عام في 30 أغسطس/آب تحت عنوان "يوم الظفر أو يوم النصر".
ومن الفترة الممتدة بين 26 إلى 30 أغسطس/آب 1922، شن الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك هجوماً ضخماً انتهى بتحرير إقليم إزمير في الـ9 من سبتمبر/أيلول 1922، وإنهاء حقبة الاحتلال اليوناني لأراضي الأناضول بشكل رسمي.
وبعد مضي عام واحد فقط على هذه المعركة، أعلنت تركيا المنتصرة تأسيس الجمهورية التركية.
فكيف تمكَّن الجيش التركي من هزيمة قوات التحالف المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى؟
في العام 1919، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء وهزيمة الدولة العثمانية، احتل الحلفاء المناطق التي كانت خاضعة تحت سيطرتها بعدما أجبروا حكومة السلطان الضعيف محمد الخامس على توقيع معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب عام 1920، والتي كانت شروطها مذلة للغاية.
احتلت فرنسا "أضنة"، وبريطانيا "أورفة ومرعش وصامسون ومرزيفون"، كما احتلت إيطاليا "أنطاليا والجنوب الغربي للأناضول".
طالبت اليونان أيضاً بجزءٍ من "الكعكة" بعدما وعدها حلفاؤها الغربيون بمساحاتٍ من الدولة العثمانية إذا ما ساهمت في الحرب.
ومن هنا تركتها بريطانيا- بل دعمتها- في السيطرة على مساحاتٍ من الأناضول، فاحتلّت مدينة إزمير في مايو/أيار عام 1919، وبدأت توسِّع عملياتها فاحتلت في صيف 1920 مساحات أخرى حول إزمير مثل وادي نهر بويوك مينديرس وكارشياكا وألاشيهير، وبهذا فقد تم توسيع الاحتلال اليوناني ليشمل كامل غرب وشمال غرب الأناضول.
وعقب افتتاح الجمعية الوطنية التركية (البرلمان) عام 1920، ركزت قوات الاحتلال كل سياساتها على قمع الحركة الوطنية. في تلك الأثناء برزت شخصيات وطنيّة عديدة أكثرها شهرةً وتأثيراً الضابط مصطفى كمال أتاتورك.
شهدت تلك المرحلة أيضاً تحرك قوات الحركة الوطنية التركية عام 1921 ضد القوات اليونانية التي احتلت جميع المناطق الممتدة من إزمير (غرب) حتى قضاء "بولاتلي" الذي يبعد عن أنقرة (مقر قيادة قوات الحركة الوطنية) حوالي 76 كيلومتراً فقط.
أسند البرلمان قيادة المعارك لمصطفى كمال أتاتورك، الذي هزم اليونانيين في معركة سكاريا، فطلبت اليونان دعماً عسكرياً من بريطانيا وفرنسا دون جدوى.
عرضت بريطانيا على أتاتورك التفاوض، لكنه رفض حتّى يخرج اليونانيون من الأناضول، وبدأ "الزحف المقدّس" لطردهم بقيادة مصطفى كمال باشا.
تكللت تلك الجهود بالانتصار في معركة "الهجوم الكبير" الذي سيحقق لتركيا استقلالها.
تفاصيل معركة دوملوبينار
26 أغسطس/آب: من أعلى تلة "قوجه تبه" بولاية أفيون قره حصار، أدار القائد العام للقوات المسلحة مصطفى كمال باشا ورئيس أركان القوات فوزي باشا (جقمق)، وقائد الجبهة الغربية عصمت باشا (إينونو) وحدات الجيش التركي التي بلغ عدد جنودها على الجبهة الغربية أكثر من 200 ألف جندي.
بدأت المعركة عند الفجر عقب إطلاق نيران المدفعية، تلاها هجوم عسكري استعاد مواقع استراتيجية على التلال المجاورة واستعاد قلعة جك سوريسي.
وبينما كان الجيش الثاني التابع للحركة الوطنية ينفذ مهمات استطلاعية في الجبهة، نجحت الكتيبة الخامسة بشن غارات على طوابير النقل خلف خطوط العدو.
نتيجة اليوم الأول: الاستيلاء على مواقع الخط الأول للقوات اليونانية في منطقة طولها 15 كيلومتراً.
27 أغسطس/آب: في صبيحة اليوم التالي، جدد الجيش التركي هجومه على أكثر من جبهة، ليحرر أخيراً مدينة "أفيون قره حصار".
28 و29 أغسطس/آب: عند هذه المرحلة، أثبت الجيش التركي تفوقه، وتمكن من دحر القوات اليونانية خارج مناطق وسط الأناضول.
30 أغسطس/آب يوم الانتصار: أمر مصطفى كمال باشا القوات التركية، بالهجوم على مواقع العدو في تلة "ظفر تبه"، حيث دارت معارك طاحنة قرب بلدة "دوملوبينار".
انتصر الأتراك على اليونانيين، وتمكن الجنرالان اليونانيان "تريكوبس" و"دينيس" وقادة آخرون من الفرار باتجاه إزمير.
31 أغسطس/آب: لم يكتفِ القادة الميدانيون بالنصر، وأصروا على ضرورة مواصلة التقدم لتحرير إزمير وإجبار اليونانيين على الخروج كلياً من الأناضول.
وفي اليوم التالي، أصدر مصطفى كمال باشا، بياناً تم توزيعه على الضباط والعسكريين لتشجيعهم وحثهم على استكمال الانتصارات وقال:
"أراقب عن كثب نجاحاتكم وتضحياتكم وأطلب منكم أن تكونوا على أهبة الاستعداد للمضي قدماً نحو المعارك الأخرى التي ستحرر كامل تراب الأناضول، متسلحين بقوة العقل والإرادة الوطنية. أيتها الجيوش، هدفك الأول هو الوصول إلى البحر المتوسط.. إلى الأمام!".
وفي الأيام التالية، استكمل الجيش تحرير مدن إزمير الواحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى 9 سبتمبر/أيلول، عندما غادر آخر جندي يوناني عبر البحر.
أول انتصار على اليونان
كان الهجوم الكبير ومعركة دوملوبينار بمثابة أوّل حرب هجومية تنتهي بانتصار الأتراك منذ أكثر من 200 عام، وتمكّن الجيش التركي من تدمير جيش العدو بالكامل وتحرير مساحة تقارب 150 ألف كيلومتر مربع في 14 يوماً.
ومع حلول نهاية عام 1922 انتهت حقبة الاستعمار الغربي للأراضي التركية بشكل فعلي، وبدأت الاستعدادات الدبلوماسية من أجل مفاوضات لوزان والتي أفضت إلى اعتراف دولي بالجمهورية التركية المستقلة على أراضي الإمبراطورية العثمانية في الأناضول وتراقيا الشرقية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1923.
وعلى الرغم من أن تحرير إزمير كاملةً تم في 9 سبتمبر/أيلول 1922، إلا أنّ يوم 30 أغسطس/آب من كل عام بات عيداً للنصر وعطلة وطنية رسمية تخليداً لذكرى بداية معارك التحرير.