رمضان الرواشدة يكتب: المعارضة الأردنيّة في مئة عام!
تعتبر المعارضة الوازنة، العقلانيّة الموضوعيّة، التي تطرح البدائل والحلول، للمشكلات السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، وتسعى للوصول إلى مواقع القرار، في مجلس النوّاب، والحكومة، بطرق سلمية، وضمن الثوابت الدستوريّة، ضرورة، موضوعيّة، للدولة الأردنيّة. وعلى رأي أحد الأصدقاء السياسيّين، الذي قال، لو لم تكن المعارضة موجودة، لوجب علينا اختراعها، حتّى لا تتغوّل المؤسّسات، والحكومات علينا.
يسجّل، في تاريخ الأردنّ، عدم وجود معارضة خارجيّة بالمفهوم الموجود عربيّاً، وخاصّة ردّاً على أنظمة الحزب الحاكم، في الجمهوريّات العربيّة، باستثناء بعض الشخصيّات المعارضة، والضبّاط الذين شاركوا بمحاولات انقلابيّة، وهربوا إلى سوريا والعراق ومصر في فترة الخمسينيّات والستينيّات.
يضاف إلى ذلك وجود، بعض المنظّمات، والاتّحادات الطلابيّة خارج الأردنّ التابعة إلى أحزاب قوميّة عربيّة حاكمة أو الفصائل اليساريّة الفلسطينيّة وجميعهم عادوا إلى الأردنّ بعد الانفراج السياسيّ إثر هبة نيسان العام 1989، وساهموا وشاركوا بتأسيس أحزاب أردنيّة بعد إقرار قانون الأحزاب لعام 1992.
في المقابل، فإنّ الدولة الأردنيّة، ورغم كلّ الملاحقات، والاعتقالات في صفوف الأحزاب المعارضة يسجّل لها، عدم إراقة دماء المعارضين أو إعدامهم، مثل أنظمة الحكم الشموليّ العربيّ.
ورغم أنّها كانت تسجن كثيراً من المعارضين، وتمنعهم من العمل والسفر، إلّا أنّها ،في نفس الوقت، فتحت خطوط حوار مع بعضهم ونجحت باستمالة ،عدد كبير منهم،من اليسار والقوميين والاسلاميين، ممّن التحقوا بالمؤسّسات الرسميّة، لاحقاً.
يوثّق، ويؤرّخ، الأكاديميّ، والمؤرّخ الدكتور علي محافظة للحراك والأحزاب السياسيّة المعارضة في كتابه "المعارضة السياسيّة الأردنيّة في مئة عام 1921-2021"، الصادر عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، في بيروت.
ويشير الدكتور المحافظة، إلى أنّ بدايات المعارضة الأردنيّة، كانت عبر حراكات، وانتفاضات مناطقيّة، ذات طابع عشائريّ، مثل أحداث الكورة / الشريدة العام 1921 وتمرّد سلطان العدوان / البلقاء، العام 1923، وتمرّد عشائر وادي موسى 1926 إلى أن تشكّل أوّل حزب سياسيّ معارض وهو "حزب الشعب الأردنيّ" برئاسة هاشم خير.
ويؤكّد الدكتور محافظة أنّ هذه الحراكات، المناطقيّة، كان من بين أسبابها؛ رفضهم الحكومة المركزيّة، وفرض الضرائب، وفقدان القيادات لبعض امتيازاتها، وتحريض بعض المثقّفين، الذين رفعوا شعار "الأردنّ للأردنيّين"، لهذه الحراكات، نظراً لرفضهم شخصيّات الإدارة العامّة الّتي تكوّنت من "حزب الاستقلال السوريّ" واستبعدت العناصر الأردنيّة.
يشير الدكتور محافظة، إلى مرحلتين أساسيّتين، في البنية الاجتماعيّة للمعارضة السياسيّة الأردنيّة: الأولى استمرّت من تأسيس الإمارة، إلى عام 1950، حيث كانت قيادات الأحزاب، من زعامات العشائر وأعيان المدن. والثانية: بعد وحدة الضفّتين العام 1950، ودخول المثقّفين، والسياسيّين الفلسطينيّين، إضافة إلى عودة مئات المتعلّمين الأردنيّين، من أطبّاء ومهندسين ومحامين وصيادلة ومعلّمين، على خطّ الأحزاب المعارضة وقيادتها، مثل حزب البعث، وحركة القوميّين العرب، والحزب الشيوعيّ الأردنيّ، والحزب الوطنيّ الاشتراكيّ .
الكتاب، الواقع في (368) صفحة، يؤرّخ، لكافّة الأحزاب السياسيّة المعارضة، في مئة عام، وأهم مطالبها، وشعاراتها، وبرامجها، والظروف المحليّة، والإقليميّة، التي لعبت دوراً، في دعم، بعض، هذه الأحزاب، إضافة إلى توثيق للهبات الشعبيّة، التي حدثت، والتي كان لها ظروف ومطالب اقتصاديّة تحوّلت إلى مطالب سياسيّة.
الكتاب مفيد، ومهمّ، لمن يريد الاطّلاع، ودراسة واقع، ونشأة الحراكات، والأحزاب السياسيّة، والتغييرات البنيويّة، الاجتماعيّة، والاقتصاديّة التي جرت عليها، منذ تأسيس الإمارة حتّى العام 2021.