خَدَعَت به الجيش الألماني.. “جيش الأشباح الوهمي” الذي أنشأته أمريكا في الحرب العالمية
مدار الساعة -لطالما كانت الخطط الحربية في المعارك، تُبنى على قدرٍ من المكر والخديعة، لكن أن يتمّ تأسيس جيشٍ كاملٍ مهمته الأساسية هي الخداع، فهذا أمرٌ يدعو إلى التساؤل والفضول. لكن هذا ما حدث قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أسست الولايات المتحدة الأمريكية "جيش الأشباح"، الذي كانت مهمته الأساسية هي التضليل وصناعة الأوهام.
"جيش الأشباح".. من مدارس الفن إلى ساحات المعارك
أعاد دخول الجيش الأمريكي إلى الحرب العالمية الثانية التوازن بين دول التحالف ودول المحور، وكان لابد من انتهاج سياسة جديدة في الحرب لحسم المعركة ضد ألمانيا النازية.
ولتحقيق هذا الحسم، التجأت أمريكا إلى الخداع، وذلك عبر إنشاء أول وحدة خداع تكتيكية ومتعددة الوسائط ومتحركة في تاريخ الجيش الأمريكي،عُرفت هذه الوحدة رسمياً باسم القوات الخاصة للقوات 23، ولقبت بـ"جيش الأشباح".
كان هذا الجيش يتكون من 82 ضابطًا و1023 جندياً، تم اختيارهم بناءً على مؤشر الذكاء، فقد كان أعضاء هذه الوحدة الأعلى ذكاءً في الجيش الأمريكي.
أسندت قيادة جيش الأشباح إلى العقيد الأمريكي هاري إل ريدر، بمساعدة العقيد بيلي هاريس والصحفي رالف انجرسول، وهما من كانا صاحبي الفكرة.
لكن في الحقيقة، كانت بريطانيا أوّل من جسدت فكرة "جيش الأشباح"، وذلك في موقعة العلمين بمصر خريف عام 1942، تحت مسمى "عملية برترامحيث"، حين قامت القوات البريطانية ببناء دبابات مزيفة باستخدام الخشب الرقائقي، وجعلت سيارات الجيب تبدو وكأنها دبابات.
أكثر ما يثير الفضول في جيش الأشباح الأمريكي، هو أن أغلب عناصر هذه الوحدة، كانوا في الأصل فنانين ومصممين وممثلين ومهندسين وفنيين للصوت، تمّ اختيارهم من مدارس الفن ووكالات الإعلان والمسارح في نيويورك وفيلادلفيا، بناءً على ذكائهم العالي.
تم تفعيل مهام الوحدة رسمياً من قبل وزارة الحرب الأمريكية، في 20 يناير/كانون الثاني 1944. حيث تمّ تجميع الوحدات وتدريب الأعضاء بسرعة في ولاية تينيسي الأمريكية، قبل أن يرسلوا إلى أوروبا للخدمة مع الجيوش الأمريكية في فرنسا وبلجيكا وإنجلترا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا.
وبما يتناسب مع اسمه، عمل جيش الأشباح تحت عباءة الظلام، فقد استخدم خبراء التمويه في جيش الأشباح، ضواغط الهواء التي تعمل بالبنزين لتضخيم الخزانات المطاطية وسيارات الجيب والشاحنات والمدفعية والطائرات التي رسمها الفنانون بتفاصيل أصلية، بما يكفي لخداع طائرات الاستطلاع الجوية النازية.
استخدم مهندسو الصوت، أصواتاً مسجلة مسبقاً للتدريبات والحركات العسكرية، على مكبرات صوت ضخمة يمكن سماعها على بُعد 15 ميلاً.
خُدِعَ الألمان في عملية عبور الحلفاء لنهر الراين
في صيف عام 1944، انخرط جيش الأشباح في أولى عمليات الخداع واسعة النطاق، إذ ساهم في إنقاذ الجيش الثالث الأمريكي في معركة بريتاني، وذلك بعد نشر جيش الأشباح، 50 دبابة وهمية ووضع شاحنات سليمة على بعد نحو أمتار من خط المواجهة بين الحلفاء والجيش الألماني.
كان هدف جيش الأشباح التمويه على موقع الجيش الثالث، الذي كان تحت قيادة الجنرال جورج باتون، الذي أفلت من الألمان، بحسب ما نقله موقع History.
وفي مارس/آذار 1945، نفذ جيش الأشباح أكبر عملياته الخداعية، كانت تلك الخدعة جزءاً من عملية لجنود الحلفاء تحت مسمى عملية فيرسن.
فبينما كان الجيش التاسع الأمريكي يستعد للعبور الخطير لنهر الراين، تمركز جيش الأشباح على بُعد 10 أميال جنوب الموقع الحقيقي الذي أراد الجيش الأمريكي العبور منه، وذلك من أجل خداع الألمان وتشتيت اهتمامهم.
في تلك العملية، قام جيش الأشباح بتضخيم عددهم إلى 40 ألف جندي، وذلك بصناعة دمى بشرية، و600 دبابة قابلة للنفخ.
ولحبك المكيدة جيداً، أطلقت الشاحنات الصوتية، موسيقى تصويرية لبناء الجسور العائمة.
كما قام أفراد وحدة جيش الأشباح بطباعة أرقام وشارات ملفقة على مركباتهم، وأقاموا مقار زائفة ومراكز قيادة يديرها قادة وجنرالات وهميون.
لم يكتفِ جنود جيش الأشباح بتلك التفاصيل من أجل إنجاح الخدعة، فراح أفرادها يسردون تفاصيل العملية الوهمية في الحانات والمقاهي المحلية، للتأكد من أن معلوماتهم المضللة سوف يسمعها الجواسيس الألمان.
وبالفعل انطلت حيلة جيش الأشباح على الألمان، فبينما هاجم النازيون جيش الأشباح، عبر الجيش التاسع نهر الراين بمقاومةٍ ضعيفة.
أنقذ آلاف الجنود ولم يُقتل منه سوى 3 أفراد فقط
والغريب في جيش الأشباح، أنه بالرغم من كون أفراده كانوا فنانين ومصممين ومهندسي صوت، فإنّ عدد قتلى الجيش لم يتجاوز 3 أفراد، بينما أصيب نحو 30 آخرين بجروح.
وبحسب تقديرات عسكرية، أنقذ جيش الأشباح حياة ما بين 15 ألفاً و30 ألف جندي أمريكي، خلال أكثر من 20 عملية خداعية قامت بها الوحدة.
كل هذه العملية التي قام بها جيش الأشباح كانت سرية للغاية، لدرجة أن الحلفاء أنفسهم لم يعرفوا بهذا الجيش وعملياته سوى بعد 40 سنة من نهاية الحرب، بحسب ما ورد في تقرير لموقع wellnessalbertamag.
في شباط عام 2022، منح الرئيس الأمريكي جو بايدن، جيش الأشباح، الميدالية الذهبية للكونغرس "لخدمتهم الفريدة والمميزة للغاية في إجراء عمليات الخداع".