تضاعف حالات الانتحار والاكتئاب في مصر
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/17 الساعة 17:32
مدار الساعة - لم يتمكن باحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر (حكومي)، من الوصول إلى المعلومات التي تمكنه من إنجاز بحثه للتعرف على الأمراض النفسية التي تقود لارتكاب الجرائم المجتمعية وإحصاءات عن حالات الاكتئاب في مصر، لكنه اصطدم برفض مراكز الصحة النفسية إمداده بأعداد المصابين بالاكتئاب والصرع والاضطرابات النفسية.
وفي الوقت ذاته، فإن وزارة الصحة ممثلة في الأمانة العامة للصحة النفسية لم تقم بأي أبحاث منذ عام 2018، وهو ما وضعه أمام معلومات قديمة لا يمكن الارتكان إليها للخروج بنتائج سليمة.
يشير الباحث إلى أن المركز لا يجد صعوبة في توثيق الجرائم المجتمعية والتعرف على الأبعاد التي تقود لارتكابها، بعكس أبحاث الأمراض النفسية التي يشرف عليها في الأغلب أطباء نفسيون دون تداخل مباشر من الباحثين المتخصصين، ويؤكد في الوقت ذاته أن الأطباء النفسيين يضعون دوائر مغلقة حول الحالات التي تصل إليهم، وليس لديهم الرغبة في الإفصاح عن مجرد الأرقام، بعيداً عن الدخول في تفاصيل الحالات التي تصل إليهم، باعتبار أن ذلك يعد ضمن الأسرار التي يجب عدم إفشائها بحسب المواثيق الطبية.
تشريعات وقوانين مقيدة
لم يصدر عن الحكومة المصرية دراسات تتعلق بتفاصيل الأمراض النفسية التي يعانيها المواطنون منذ "المسح القومي للصحة النفسية" قبل أكثر من 4 سنوات، وأشار في ذلك الحين إلى أن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية، بمعنى أن 1 من كل 4 أشخاص لديه عرض أو اضطراب نفسي، وأن 04% منهم فقط يتلقون العلاج، و43.7% من المصابين يعانون من مرض الاكتئاب، وتعد المنيا (جنوب) أكثر المحافظات انتشاراً للاضطرابات النفسية.
وتغيب بشكل كامل الدراسات التي تغوص في تفاصيل كل مرض، وليس هناك دراسات موثقة بأعداد المصريين المصابين بالصرع أو الاضطرابات الدماغية، وتنحصر غالبية الدراسات التي تسلط الضوء على المرض الشائع، وهو "الاكتئاب"، من خلال مراكز بحثية خاصة، أو هيئات دولية تقوم بإعداد تقارير سنوية، وتستجيب لها الحكومة والقطاع الخاص جراء الاتفاقات التي توقعها مع منظمة الصحة العالمية.
وتعود آخر أرقام معلنة عن مرضى الصرع للعام 2015، حينما عقدت الجمعية المصرية للأمراض النفسية جراحة الأعصاب، شعبة الصرع، مؤتمراً صحفياً لمناقشة الجديد في علاج مرض الصرع، خاصة لدى الأطفال، وكيفية الوقاية منه، وتطرق لإصابة 50 شخصاً بالمرض من بين كل 1000 مواطن مصري، وهي أرقام أعلنها عدد من الأطباء المشاركين في المؤتمر، ولم تصدر عن هيئات أو مراكز بحثية حكومية.
يشير طبيب نفسي إلى أن مرض الاكتئاب ينقسم إلى 3 أنواع، أشهرها وأكثرها انتشاراً ما يطلق عليه "الاكتئاب الموقفي"، الذي يتعرض له الشخص جراء نتيجة أوضاع طارئة حوله تسببت في تعكير صفو حياته بوجه عام، والتي تصيب نسبة لا تقل عن 70% من المصريين في الوقت الحالي، ولا تقل عن 50% بأي حال من الأحوال، وفي الأغلب لا يذهب هؤلاء إلى الأطباء النفسيين، ويتلقون العلاج على يد الأقارب والأصدقاء من خلال جلسات الفضفضة.
ويؤكد أن الاكتئاب المزمن يصيب 10% من المصريين وفقاً لدراسات أجرتها جمعية الطب النفسي، وأن 1% من المصريين مصابون بالاكتئاب العقلي والذي يقود في الأغلب إلى الانتحار، والنسبة ذاتها للمصابين بالفصام، مشيراً إلى أن تلك الأرقام توصل إليها أطباء جراء أبحاث قاموا بها، لكنها لا تحظى باعتراف جهات حكومية.
وتؤكد خبيرة في علم النفس أن مصر لا تتوفر لديها قاعدة معلوماتية بشأن أعداد المرضى النفسيين، ويرجع ذلك لأن قطاعاً كبيراً منهم ليس لديهم إدراك بالأساس لإصابتهم بالمرض، ويرفضون فكرة التسليم به، ويساعدهم المحيطون بهم في ذلك، إما لأسباب ترتبط بالخوض من مواجهة المجتمع بالمرض، أو لقلة الوعي واعتباره أمراً طبيعياً يتعرض له الجميع دون الحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي.
وتؤكد أن ذهاب المرضى إلى الأطباء النفسيين من المفترض أن يكون عاملاً مهماً نحو بناء قاعدة يمكن القياس عليها بشأن أعدادهم وطبيعة الأمراض التي يواجهونها، كما الحال في غالبية دول العالم، لكن الوضع يختلف في الحالة المصرية، لأن تعامل الأطباء مع المعلومات الخاصة بمرضاهم ورفضهم الإفصاح عن مجرد أرقام الحالات، يجعل المصابين عرضة للاستغلال، في ظل شكاوى عديدة من ارتفاع أسعار تكاليف علاج الأمراض النفسية.
ما يجعل هناك صعوبات أخرى في رصد الحالات المرضية النفسية أن الأطباء النفسيين لا يلتزمون بالتعليمات الطبية التي تحتم عليهم الخضوع للكشف النفسي خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر، ذلك حتى لا يتأثر سلباً بالحالات التي يعالجها، لكن لا يلتزم بذلك إلا قلة منهم – بحسب ما تؤكده خبيرة علم النفس.
وتشير أيضاً إلى أن الأطباء كلما تقدموا في المراكز العلمية، وأضحوا أكثر شهرة وجذباً للمرضى تتراجع معدلات إقدامهم على الكشف النفسي، وقد يكونون أحد أسباب عدم فاعلية العلاج، ومن ثم يجري التكتم على كثير من الأبحاث التي يجب أن تفسر طبيعة الأمراض النفسية التي تصيب المصريين.
تتوقع الخبيرة النفسية ارتكاب مزيد من الجرائم المجتمعية بأشكال وأساليب مختلفة ومتطورة خلال المرحلة المقبلة، وذلك لأن أجواء البيئة الاجتماعية ومعطياتها الدينية والاقتصادية والعائلية تساعد على ذلك، وفي المقابل فإنه لا توجد إحصاءات علمية موثقة من الممكن أن تساعد الحكومة على معرفة أسباب ودوافع تلك الجرائم من الناحية النفسية والسلوكية، وأن غياب تلك الإحصاءات لا يرتبط فقط بالأمراض النفسية، لكنها تتعلق بكافة الأمراض الأخرى التي تؤدي في النهاية لتأزم الأوضاع الاجتماعية.
ويتركز الجزء الأكبر من عمل المراكز البحثية في مصر على الأبحاث الاجتماعية وليست النفسية، التي تجري بواسطة لجان تشكلها كليات الطب أو جمعيات الصحة النفسية أو وزارة الصحة بواسطة مجموعة من الأطباء، ما يجعل هناك قناعة لدى العاملين في مجالات الأبحاث الاجتماعية بأن الإحصاءات القليلة بالأساس قد تكون موجهة لصالح بعض الأطباء في بعض الأحيان حال لم يكن هناك رقابة عليها.
وتكمن الأزمة الأكبر في أن عقود التأمين الصحي "الحكومية والخاصة كذلك" المرتبطة بالأمراض النفسية لا تتم تغطيتها من جانب الحكومة المصرية، وبالتالي فإن الفئات الفقيرة ليس لديها رفاهية الذهاب إلى مستشفيات خاصة لاكتشاف تلك المرض منذ بدايته، وكيفية التعامل معه، وبالتالي فإن معدلات الإصابة تتزايد بصورة كبيرة في غياب تام لأدوار الحكومة التي تغفل التعامل مع الإصابة بالداء النفسي كجزء لا يتجزأ من استقرار المجتمع.
ويقول أستاذ علم الاجتماع بإحدى الجامعات المصرية، إن مشكلة الإحصاءات الحقيقية تتمثل في عدم انضباط الأرقام المذكورة بشأن المرضى النفسيين، سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وكذلك قدرة المراكز البحثية على التواصل مع كل الجهات العاملة في هذا الحقل، في حين تنتشر في مصر المصحات النفسية غير المرخصة، والتي تعمل في إطار غير قانوني وترفض التعامل مع أي جهات بحثية.
ويضيف لـ"عربي بوست" أن بعض المصحات والأطباء النفسيين يرفضون الإفصاح عن الأعداد الحقيقية للمرضى النفسيين لديهم لقناعتهم بأن ذلك ستكون نتائجه زيادة نسبة الضرائب المفروضة عليهم، ويسعون للعمل بعيداً عن أضواء مراكز الأبحاث والجهات الإعلامية، ودائماً ما يكون الحفاظ على سرية معلومات المريض حجة لرفض الكشف عن الإحصاءات الخاصة بهم.
ويذهب المصدر ذاته لتأكيد أن جودة الأبحاث الاجتماعية والنفسية في مصر تتوقف على إمكانات الباحث، في ظل افتقار الدعم الذي تقدمه المراكز الحكومية أو الخاصة للوصول إلى معلومات دقيقة، وبالتالي فإن الجزء الأكبر من الأرقام المعلنة لا تكون دقيقة، وهناك قاعدة تقول إن "صدق النتائج البحثية لابد أن يرتبط بصدق المعلومات"، وهي غير متوفرة بالأساس، كما أن الباحثين يحصلون عليها من أشخاص قد لا يتوفر لديهم الصدق المطلوب.
ويمكن قياس ذلك أيضاً على المراكز العلمية وكليات الطب وأبحاث الماجستير والدكتوراه المرتبطة بالمرضى النفسيين، والتي تتوقف مدى دقتها على إمكانات الباحث وقدرته على اختراق الحصون التي تضعها المصحات النفسية والأطباء حول المرضى، مع فشل الحكومة في إقرار التحول الرقمي الذي يساعد على الحصول على معلومات دقيقة ويفرض على الجميع تسجيل البيانات على دفاتر وسجلات رقمية؛ لتبقى الأبحاث القليلة بمثابة قياس يقرب من الحقيقة، لكنه لا يصيبها.
طرق بحثية بديلة للوصول للمعلومات
ويلجأ الباحثون إلى طرق بديلة تعوّضهم الحصول على معدلات الأرقام الخاصة بالدراسات الخاصة بهم، مثلما الحال الاكتفاء بالتعرض للمراكز النفسية التابعة لجامعات حكومية أو القياس على عدد المرضى في مركز واحد على باقي المصحات والمراكز الطبية، إلا أنها لا تُغني عن الأرقام الحقيقية التي تعطي صورة أكثر وضوحاً للواقع.
وتتزايد حالات الانتحار التي تتكرر يومياً في المجتمع المصري، وتغيب الدراسات الخاصة بالأسباب التي تؤدي إليها، كما أن الإحصاءات الخاصة بأرقام الانتحار السنوية تتفاوت بصورة كبيرة بين جهات مختلفة تتولى مهمة رصدها، وهو ما يؤشر إلى أزمة انعدام دقة الأرقام التي يكون الإفصاح عنها، على الأغلب، خاضعاً لتوجهات حكومية ترفض الاعتراف بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تدفع المواطنين لإنهاء حياتهم.
وفي حين أن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) تشير إلى أن أعداد المنتحرين خلال أعوام (2018 – 2019- 2020) تتراوح ما بين 66 حالة في العام الواحد إلى 101 حالة على أقصى تقدير، فإن أرقام النائب العام المصري تبين أن العام الماضي شهد 2584 حالة انتحار، كما أن إحصاءات الأمم المتحدة، التي تضع مصر على رأس الدول العربية التي يُقدِم مواطنوها على الانتحار، تشير إلى انتحار 3799 حالة خلال العام 2016.
وتخشى الحكومة المصرية الاعتراف بأرقام الانتحار التي تعبر عن وضعية سياسية واقتصادية متردية، ما يجعل هناك عوائق عديدة أمام الباحثين الذين يعملون في مراكز تابعة للحكومة، أو يملكها أفراد محسوبون على الحكومة، ما يجعل كثيراً من الأبحاث لا ترى النور، أو لا يتم الإفصاح عنها – بحسب أحد الباحثين الذين تواصلت معهم "عربي بوست" أثناء إعداد التقرير.
تحذير سياسي من الاكتئاب
ومؤخراً أفصح وزير الخارجية المصري الأسبق، والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، عن أن هناك حالة "قلق عام وحالة تشاؤم في مصر، وأن حالة الاكتئاب السائدة في الجو، علينا أن نعالجها فورًا".
وفي الوقت ذاته، فإن وزارة الصحة ممثلة في الأمانة العامة للصحة النفسية لم تقم بأي أبحاث منذ عام 2018، وهو ما وضعه أمام معلومات قديمة لا يمكن الارتكان إليها للخروج بنتائج سليمة.
يشير الباحث إلى أن المركز لا يجد صعوبة في توثيق الجرائم المجتمعية والتعرف على الأبعاد التي تقود لارتكابها، بعكس أبحاث الأمراض النفسية التي يشرف عليها في الأغلب أطباء نفسيون دون تداخل مباشر من الباحثين المتخصصين، ويؤكد في الوقت ذاته أن الأطباء النفسيين يضعون دوائر مغلقة حول الحالات التي تصل إليهم، وليس لديهم الرغبة في الإفصاح عن مجرد الأرقام، بعيداً عن الدخول في تفاصيل الحالات التي تصل إليهم، باعتبار أن ذلك يعد ضمن الأسرار التي يجب عدم إفشائها بحسب المواثيق الطبية.
تشريعات وقوانين مقيدة
لم يصدر عن الحكومة المصرية دراسات تتعلق بتفاصيل الأمراض النفسية التي يعانيها المواطنون منذ "المسح القومي للصحة النفسية" قبل أكثر من 4 سنوات، وأشار في ذلك الحين إلى أن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية، بمعنى أن 1 من كل 4 أشخاص لديه عرض أو اضطراب نفسي، وأن 04% منهم فقط يتلقون العلاج، و43.7% من المصابين يعانون من مرض الاكتئاب، وتعد المنيا (جنوب) أكثر المحافظات انتشاراً للاضطرابات النفسية.
وتغيب بشكل كامل الدراسات التي تغوص في تفاصيل كل مرض، وليس هناك دراسات موثقة بأعداد المصريين المصابين بالصرع أو الاضطرابات الدماغية، وتنحصر غالبية الدراسات التي تسلط الضوء على المرض الشائع، وهو "الاكتئاب"، من خلال مراكز بحثية خاصة، أو هيئات دولية تقوم بإعداد تقارير سنوية، وتستجيب لها الحكومة والقطاع الخاص جراء الاتفاقات التي توقعها مع منظمة الصحة العالمية.
وتعود آخر أرقام معلنة عن مرضى الصرع للعام 2015، حينما عقدت الجمعية المصرية للأمراض النفسية جراحة الأعصاب، شعبة الصرع، مؤتمراً صحفياً لمناقشة الجديد في علاج مرض الصرع، خاصة لدى الأطفال، وكيفية الوقاية منه، وتطرق لإصابة 50 شخصاً بالمرض من بين كل 1000 مواطن مصري، وهي أرقام أعلنها عدد من الأطباء المشاركين في المؤتمر، ولم تصدر عن هيئات أو مراكز بحثية حكومية.
يشير طبيب نفسي إلى أن مرض الاكتئاب ينقسم إلى 3 أنواع، أشهرها وأكثرها انتشاراً ما يطلق عليه "الاكتئاب الموقفي"، الذي يتعرض له الشخص جراء نتيجة أوضاع طارئة حوله تسببت في تعكير صفو حياته بوجه عام، والتي تصيب نسبة لا تقل عن 70% من المصريين في الوقت الحالي، ولا تقل عن 50% بأي حال من الأحوال، وفي الأغلب لا يذهب هؤلاء إلى الأطباء النفسيين، ويتلقون العلاج على يد الأقارب والأصدقاء من خلال جلسات الفضفضة.
ويؤكد أن الاكتئاب المزمن يصيب 10% من المصريين وفقاً لدراسات أجرتها جمعية الطب النفسي، وأن 1% من المصريين مصابون بالاكتئاب العقلي والذي يقود في الأغلب إلى الانتحار، والنسبة ذاتها للمصابين بالفصام، مشيراً إلى أن تلك الأرقام توصل إليها أطباء جراء أبحاث قاموا بها، لكنها لا تحظى باعتراف جهات حكومية.
وتؤكد خبيرة في علم النفس أن مصر لا تتوفر لديها قاعدة معلوماتية بشأن أعداد المرضى النفسيين، ويرجع ذلك لأن قطاعاً كبيراً منهم ليس لديهم إدراك بالأساس لإصابتهم بالمرض، ويرفضون فكرة التسليم به، ويساعدهم المحيطون بهم في ذلك، إما لأسباب ترتبط بالخوض من مواجهة المجتمع بالمرض، أو لقلة الوعي واعتباره أمراً طبيعياً يتعرض له الجميع دون الحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي.
وتؤكد أن ذهاب المرضى إلى الأطباء النفسيين من المفترض أن يكون عاملاً مهماً نحو بناء قاعدة يمكن القياس عليها بشأن أعدادهم وطبيعة الأمراض التي يواجهونها، كما الحال في غالبية دول العالم، لكن الوضع يختلف في الحالة المصرية، لأن تعامل الأطباء مع المعلومات الخاصة بمرضاهم ورفضهم الإفصاح عن مجرد أرقام الحالات، يجعل المصابين عرضة للاستغلال، في ظل شكاوى عديدة من ارتفاع أسعار تكاليف علاج الأمراض النفسية.
ما يجعل هناك صعوبات أخرى في رصد الحالات المرضية النفسية أن الأطباء النفسيين لا يلتزمون بالتعليمات الطبية التي تحتم عليهم الخضوع للكشف النفسي خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر، ذلك حتى لا يتأثر سلباً بالحالات التي يعالجها، لكن لا يلتزم بذلك إلا قلة منهم – بحسب ما تؤكده خبيرة علم النفس.
وتشير أيضاً إلى أن الأطباء كلما تقدموا في المراكز العلمية، وأضحوا أكثر شهرة وجذباً للمرضى تتراجع معدلات إقدامهم على الكشف النفسي، وقد يكونون أحد أسباب عدم فاعلية العلاج، ومن ثم يجري التكتم على كثير من الأبحاث التي يجب أن تفسر طبيعة الأمراض النفسية التي تصيب المصريين.
تتوقع الخبيرة النفسية ارتكاب مزيد من الجرائم المجتمعية بأشكال وأساليب مختلفة ومتطورة خلال المرحلة المقبلة، وذلك لأن أجواء البيئة الاجتماعية ومعطياتها الدينية والاقتصادية والعائلية تساعد على ذلك، وفي المقابل فإنه لا توجد إحصاءات علمية موثقة من الممكن أن تساعد الحكومة على معرفة أسباب ودوافع تلك الجرائم من الناحية النفسية والسلوكية، وأن غياب تلك الإحصاءات لا يرتبط فقط بالأمراض النفسية، لكنها تتعلق بكافة الأمراض الأخرى التي تؤدي في النهاية لتأزم الأوضاع الاجتماعية.
ويتركز الجزء الأكبر من عمل المراكز البحثية في مصر على الأبحاث الاجتماعية وليست النفسية، التي تجري بواسطة لجان تشكلها كليات الطب أو جمعيات الصحة النفسية أو وزارة الصحة بواسطة مجموعة من الأطباء، ما يجعل هناك قناعة لدى العاملين في مجالات الأبحاث الاجتماعية بأن الإحصاءات القليلة بالأساس قد تكون موجهة لصالح بعض الأطباء في بعض الأحيان حال لم يكن هناك رقابة عليها.
وتكمن الأزمة الأكبر في أن عقود التأمين الصحي "الحكومية والخاصة كذلك" المرتبطة بالأمراض النفسية لا تتم تغطيتها من جانب الحكومة المصرية، وبالتالي فإن الفئات الفقيرة ليس لديها رفاهية الذهاب إلى مستشفيات خاصة لاكتشاف تلك المرض منذ بدايته، وكيفية التعامل معه، وبالتالي فإن معدلات الإصابة تتزايد بصورة كبيرة في غياب تام لأدوار الحكومة التي تغفل التعامل مع الإصابة بالداء النفسي كجزء لا يتجزأ من استقرار المجتمع.
ويقول أستاذ علم الاجتماع بإحدى الجامعات المصرية، إن مشكلة الإحصاءات الحقيقية تتمثل في عدم انضباط الأرقام المذكورة بشأن المرضى النفسيين، سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وكذلك قدرة المراكز البحثية على التواصل مع كل الجهات العاملة في هذا الحقل، في حين تنتشر في مصر المصحات النفسية غير المرخصة، والتي تعمل في إطار غير قانوني وترفض التعامل مع أي جهات بحثية.
ويضيف لـ"عربي بوست" أن بعض المصحات والأطباء النفسيين يرفضون الإفصاح عن الأعداد الحقيقية للمرضى النفسيين لديهم لقناعتهم بأن ذلك ستكون نتائجه زيادة نسبة الضرائب المفروضة عليهم، ويسعون للعمل بعيداً عن أضواء مراكز الأبحاث والجهات الإعلامية، ودائماً ما يكون الحفاظ على سرية معلومات المريض حجة لرفض الكشف عن الإحصاءات الخاصة بهم.
ويذهب المصدر ذاته لتأكيد أن جودة الأبحاث الاجتماعية والنفسية في مصر تتوقف على إمكانات الباحث، في ظل افتقار الدعم الذي تقدمه المراكز الحكومية أو الخاصة للوصول إلى معلومات دقيقة، وبالتالي فإن الجزء الأكبر من الأرقام المعلنة لا تكون دقيقة، وهناك قاعدة تقول إن "صدق النتائج البحثية لابد أن يرتبط بصدق المعلومات"، وهي غير متوفرة بالأساس، كما أن الباحثين يحصلون عليها من أشخاص قد لا يتوفر لديهم الصدق المطلوب.
ويمكن قياس ذلك أيضاً على المراكز العلمية وكليات الطب وأبحاث الماجستير والدكتوراه المرتبطة بالمرضى النفسيين، والتي تتوقف مدى دقتها على إمكانات الباحث وقدرته على اختراق الحصون التي تضعها المصحات النفسية والأطباء حول المرضى، مع فشل الحكومة في إقرار التحول الرقمي الذي يساعد على الحصول على معلومات دقيقة ويفرض على الجميع تسجيل البيانات على دفاتر وسجلات رقمية؛ لتبقى الأبحاث القليلة بمثابة قياس يقرب من الحقيقة، لكنه لا يصيبها.
طرق بحثية بديلة للوصول للمعلومات
ويلجأ الباحثون إلى طرق بديلة تعوّضهم الحصول على معدلات الأرقام الخاصة بالدراسات الخاصة بهم، مثلما الحال الاكتفاء بالتعرض للمراكز النفسية التابعة لجامعات حكومية أو القياس على عدد المرضى في مركز واحد على باقي المصحات والمراكز الطبية، إلا أنها لا تُغني عن الأرقام الحقيقية التي تعطي صورة أكثر وضوحاً للواقع.
وتتزايد حالات الانتحار التي تتكرر يومياً في المجتمع المصري، وتغيب الدراسات الخاصة بالأسباب التي تؤدي إليها، كما أن الإحصاءات الخاصة بأرقام الانتحار السنوية تتفاوت بصورة كبيرة بين جهات مختلفة تتولى مهمة رصدها، وهو ما يؤشر إلى أزمة انعدام دقة الأرقام التي يكون الإفصاح عنها، على الأغلب، خاضعاً لتوجهات حكومية ترفض الاعتراف بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تدفع المواطنين لإنهاء حياتهم.
وفي حين أن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) تشير إلى أن أعداد المنتحرين خلال أعوام (2018 – 2019- 2020) تتراوح ما بين 66 حالة في العام الواحد إلى 101 حالة على أقصى تقدير، فإن أرقام النائب العام المصري تبين أن العام الماضي شهد 2584 حالة انتحار، كما أن إحصاءات الأمم المتحدة، التي تضع مصر على رأس الدول العربية التي يُقدِم مواطنوها على الانتحار، تشير إلى انتحار 3799 حالة خلال العام 2016.
وتخشى الحكومة المصرية الاعتراف بأرقام الانتحار التي تعبر عن وضعية سياسية واقتصادية متردية، ما يجعل هناك عوائق عديدة أمام الباحثين الذين يعملون في مراكز تابعة للحكومة، أو يملكها أفراد محسوبون على الحكومة، ما يجعل كثيراً من الأبحاث لا ترى النور، أو لا يتم الإفصاح عنها – بحسب أحد الباحثين الذين تواصلت معهم "عربي بوست" أثناء إعداد التقرير.
تحذير سياسي من الاكتئاب
ومؤخراً أفصح وزير الخارجية المصري الأسبق، والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، عن أن هناك حالة "قلق عام وحالة تشاؤم في مصر، وأن حالة الاكتئاب السائدة في الجو، علينا أن نعالجها فورًا".
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/17 الساعة 17:32