حواتمة يكتب: الحويطات والدرك والمملكة المُوحدة
لا الظروف المحلية ولا الاقليمية ملائمة للتطورات التي تشهدها المملكة هذه الايام والمتعلقة بحيثيات الحكم على الرقيب معارك الحويطات على اثر حادثة اطلاق النار التي تمت في قاعدة الجفر. وبالرغم من ذلك فالمستجدات مهمة ومقدمة لأوضاع مُعقدة وخطيرة إذا تم اعتماد النماذج الجاهزة وغير المُحدّثة لدى المعنيين في الحل وعدم مراعاة خصوصية القضية واختلافها شكلاً ومضموناً عن كثير من سابقاتها.
لقد تعامل الرأي العام الاردني مع هذه القضية على وجه الخصوص بلون واحد وبفريق واحد؛ باعتبار أن المحاكمة سياسية وليست قضائية، وان الرقيب معارك طبق قواعد الاشتباك وبالتالي فلقد نفذ التعليمات الصادرة له ولزملائه، لذلك فهم يرون انه لا يستحق الحكم الذي صدر بحقه، وهنا بالمنتصف لا بد من ايجاد صيغة توافقية للخروج من القضية بطريقة مُقنعة للطرف الامريكي دون أن تكون على حساب معارك.
يعكس حجم الحضور وتنوعه في المؤتمر المعقود تضامناً مع قضية معارك مدى التعاطف مع القبيلة من جهة ، وكشف خطورة نقص متلازمة التمثيل السياسي التي يعاني منها البعض والمنتظرين لمثل هذه الاحداث ليكشفوا عن نواياهم الحقيقية تجاه الدولة الاردنية من جهة اخرى. كما اظهرت وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف ادواتها ردة فعل المرتادين المتسقة؛ فلم يتم التعامل مع القضية باعتبارها قضية جدلية او خلافية بل عُوملت كونها قضية وطنية تتصل بصميم كل اردني .
لا شك ان هناك حقائق و ثوابت يجب أن تبقى حاضرة بأذهان الجميع ؛ منها أن الانسان ابن بيئته؛ فالبيئة الصحراوية بيئة قاسية وتُشكل أبناءها اجتماعياً وحياتياً وفقاً لذلك اذا ما اضفنا غياباً حقيقياً للتنمية في مناطق الجنوب عامة وأطراف معان خاصة، كما أن عدم ارتباط الرقيب معارك بأي جهة ارهابية شكّل عاملاً حاسماً في حشد الدعم والمؤازرة دون تردد؛ والذي يجب ان يتم وفق خطوات سلمية تكفّل الدستور بضمانها.
وفي المقابل من المهم ايضاً ان نُسلّم بحداثة الدولة الاردنية وانتقالها لدولة مؤسسات و أن الحديث عن أن نوع من الاحتجاج لا بد من اتخاذه بالتوازي مع متعلقات ومظاهر هذا الانتقال السياسي و التكويني للدولة، وتفويت الفرصة على المتربصين، فقبول الطعن في الحكم هو الخطوة الاولى باتجاه المخرج المأمول للقضية بما يتضمنه من اجراءات عديدة من شأنها تغيير مسار اعادة المحاكمة فالكفاءات الاردنية سواءً القضائية أو الدبلوماسية يجب عليها اظهار مدى قدرتها على المساهمة الفاعلة في ايجاد انفراج خلاّق للقضية.
وهنا اسجل عظيم اعجابي بالأسلوب الراقي لقبيلة الحويطات في ايصال رسالة احتجاجهم على الحكم الصادر على ابنهم بطريقة سلمية تظهر حرصهم على بلدهم، والذين دوماً كانت بنادقهم إلى جانب الهاشميين موجهة ضد المُحتل التركي والانجليزي، ولا يقل هذا الاعجاب عن الطريقة ذاتها التي تعاملت بها قوات الدرك بتوجيهات مُتبصرة من قائدها باعتبار المُحتج أو المُتظاهر السلمي شريكاً وليس نداً ، وهذا يبين المستوى المهاري والمهنية العالية التي وصلت اليها قوات الدرك مؤخراً في التعامل مع المواطنين ، فليس في صالح احد تسويد النظرة تجاه قوات الدرك أو أي من اخواتها من الاجهزة الامنية.
لقد اذهلنا استقبال قبيلة الحويطات لجلالة الملك في زيارته الاخيرة لمضارب القبيلة، والتي كشفت مدى ارتباط الحويطات غير المشكوك فيه بالأردن، وانتمائهم للعرش الهاشمي الذي دائماً ما يشكل الملجأ الاخير والناجع في ايجاد حلول للمعضلات التي تنشأ بفعل عوامل داخلية أو خارجية مهما كبر حجمها او صغر، ولعل هذا الظرف الدقيق يفرض على المؤسسات المعنية مضاعفة العمل، و التفكير بطريقة مختلفة، والتنويع في خلق الحلول، وتقدير الموقف كما ينبغي؛ لحصر الموقف في هذا المربع وإعادته إلى طبيعته وعدم تمدده الى مستويات مُقلقة.
adel.hawatmeh@gju.edu.jo