لا يجوز هدم المنازل القديمة أو البنايات التاريخية في عمان.. ما حدث في اللويبدة إنذار متأخر

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/15 الساعة 00:22

بناية اللويبدة المنهارة ليست سوى جبل الجليد الذي يخفي في أعماق بحره الكثير من الأخطاء والتهميش والإهمال الذي يرتكبه بعض الموظفين الذين لا يفهمون سوى لغة إدفع.

ورغم الفاجعة التي أصابتنا جميعا، فإن عيوننا جميعا تنتظر انتهاء مأساة البناية على أيدي أبطال الدفاع المدني الذين لم يبرحوا مكانهم، معرضين أنفسهم للخطر كي ينقذوا من تبقى تحت ركام البناية، وما حدث من كارثة قضّت مضاجعنا واختطفت فلذات الأكباد والأمهات والأبرياء في اللويبدة، فإن أحدا لم يلتفت للمشهد الحقيقي من التقاعس والإهمال.

ويبدو أن التهالك ابتلع بعض المؤسسات ليصل الى بيوت المواطنين الأبرياء، فرغم أنه ليس للعائلات الثكلى والقتلى أي ذنب سوى أنهم يقعون تحت رحمة ملّاك العمارات والشقق التي تطاول بنيانها ومنها من أوغل في القِدم وعدم الصيانة، فإن المعنيين في إدارة شؤون البناء الخاص يتحملون جزءاً من المسؤولية عما جرى في بناية اللويبدة، ليس المالك وحده يحاسب بل النظام السكني القديم كله يجب أن يتم مراجعته، بعد سنوات طويلة من الإهمال والتقصير في رصد البنايات القديمة والممتشقة على سفوح الجبال.

نظام الأبنية الذي تعتمده أمانة عمان منذ العصر البائد والبلديات الأخرى في المملكة، لا يأخذ بعض الاحيان أي أبعاد أو ضرورات للبناء طويل الأمد، فقد نمر على قطعة أرض فارغة في أحد الشوارع ثم نعود بعد اسبوعين أو شهر فنجد أن البنايات قد اقتربت من انتهاء أعمالها، وغير بعيد عن تاريخ بنائها تكون البناية قد تم بيع شقق منها أو تأجيرها لسكان جدد، وللأسف فإن الساكن تغريه الديكورات أو الموقع، دون فهم أو دراية لقواعد البناء التي تحتاج فعليا الى أشهر طويلة كي تستتب الأعمدة والجدران وتأخذ وقتها الكافي لغايات الحماية، ومع هذا فليس للبلديات سوى إخضاع المالك لرسوم المسقفات والنفايات والصرف الصحي.

الأصل في تخطيط المدن والبناء أن تراعي كافة متطلبات السلامة العامة، وأن تخصص مواقع البناء المتعدد، فلا يعقل أن تكون منطقة فلل ومنازل مستقلة ثم يأتي تاجر إسكانات ليرفع بناية من ستة طوابق أو أكثر في حالة وجود منسوب منخفض، في فترة قياسية، وبعد بيعها لا يتحمل أي مسؤولية في حال بانت عيوب البناية، وهذا يحصل دائما في كل مكان، ورغم شروط البناء التي تتطلب مخططات هندسية فإن الكثير منهم يلتفون على التعليمات، ويستخدمون مواد بناء رديئة وأهمها الحديد الذي لا يتجاوز «شد منخفض»، وهذا ما يؤدي الى انهيار متوقع بعد قليل من السنوات.

بناية اللويبدة لم تكن الأولى، فقد سبق وأن انهارت بنايات في ما مضى من سنين، ولكن لو تجول المسؤولون عبر جبال عمان وتفحصوا الطبوغرافيا لعرفوا أن الكثير من البنايات تنتصب على حواف جرف هار، ولو أخذوا جولة على أحياء عمان الشرقية لرأوا تلك البنايات التي تقبع على القمم الشاهقة وتحتها حفريات قديمة لكسارات لا يحميها سوى القطع الصخري، ولو ضربت هزة أرضية لا قدر الله لأزاحت حياً بأكمله، ومن هنا يجب تغيير آلية منح رخص البناء وتخصيص مشرفين عليها.

أما عن البنايات القديمة في عمان، فإن القانون المتبع هو عدم هدم أي بناية عمرها أكثر من أربعين عاماً، ولا يجوز هدم المنازل القديمة أو البنايات التاريخية وأي إجراء عليها يعرضهم للعقوبة المالية، فبقي المالكون خاضعين للواقع وتتكدس العائلات المستأجرة فيها، أو تركها والرحيل عنها الى مناطق أخرى، ولذلك باتت عمان كتلة اسمنتية صلدة، فأنت تمر على جبالها وأحيائها وحاراتها فلا تجد للسكان متنفساً، لا قطع مخصصة للحدائق العامة ولا ملاعب داخلية للأطفال والشباب، ولا خدمات عامة سوى المدارس وملاعبها.

ما حدث في اللويبدة هو إنذار متأخر، ويجب ان تكون مصلحة الناس وحمايتهم وتوفير الأمن لهم في سلم اولويات اي موظف، وأن يعاقب المتسبب في انهيار البناية ومحاكمته، فالقتل ليس بالرصاص والسكين وحسب، بل بالأخطاء الفادحة التي يعمد لها أي جشع يبحث عن عشرة دنانير كي يزيد ثروته، ويجب على قضائنا الوطني أن يوقع أشد العقوبات على كل من يهدد حياة الأبرياء الذين قضوا في تلك البناية، وفي أي بناية قد تقع فيها مثل هذه الجريمة غير المقصودة، والله نسأل أن يتغمد شهداءنا المردّمين بواسع رحمته وأن يحفظ أفراد الدفاع المدني الأشاوس الذين ما زالوا يكابدون لرفع الأنقاض والوصول الى المحاصرين.

Royal430@hotmail.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/15 الساعة 00:22