إنها حرب دينية

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/23 الساعة 00:50
في مطلع الألفية الثانية كتبت عن الحرب القادمة «حرب المياه» في اليوم العالمي للمياه 22 آذار، حيث إسرائيل تتآمر من كل مكان، ومشروع القرن الأمريكي قد بلغ ثلاث سنوات، والرئيس صدام حسين «العلماني» ما زال هدفا أمريكيا بديلا عن إيران، والقاعدة تلعب في أفغانستان مع طالبان، فيما الحكومة التركية تلعب بورقة خفض نسبة التدفق في نهري دجلة والفرات، وإسرائيل تعبث كثيرا في مياه حوض نهر الأردن، وخشية مصر من الإلتفاف على اتفاقيات حوض النيل من قبل أثيوبيا التي اخترقتها إسرائيل، ولكن فجأة ضُربت الولايات المتحدة في قلبها 11 ايلول ونادى المنادي الأمريكي: حي على الجهاد، ومن هناك نهض من قبره عصر الحرب الدينية. اليوم بعد ما يقرب من عشرين عاما، لم نعد نخشى من العطش، بل نخشى أن لا تبقى بلاد للعرب تمطر عليها السماء، جراء الدماء التي سالت بأيديهم، والدمار الشامل الكامل الممنهج الذي رُسمت خطته بإحكام من قبل أشباح خبثاء، لينفذه عرب أغبياء، أهدروا ثروات الأمة في ثورات عشواء وحروب الخواء والهُراء واستنهاض الأئمة والأولياء من قبورهم لتدمير بلادهم بأيديهم وتصفية كل قبيل لهم في مذهب آخر، ودين آخر وبلدة أخرى، فمات الحكم العلماني وأصبح القتل على الهوية الدينية، واليوم لا أحد يجهل النهاية السوداء، ولكن من المستفيد الوحيد، إنها دولة إسرائيل التي تحولت من علمانية بن غوريون الى كهنوت نتنياهو التي تشرب الدماء لا الماء. كان الصراع بين العرب والكيان الإسرائيلي المولود في بطن الأرض الفلسطينية، صراعا سياسيا وصراع وجود، وحقوق أصيلة لأهل الأرض وسكان البلاد منذ مطلع شمس التاريخ، ولكن مع مرور الأيام والسنين الطوال، تحول الصراع من عربي إسرائيلي، الى صراع فلسطيني وحيد ضد دولة إسرائيلية متطرفة مدججة بأقوى الأسلحة، وتحولت الدولة الإسرائيلية السياسية الى «دولة اليهود» ويحكمها حاخام يحلق لحيته وشاربيه كل يوم، إنه نتنياهو منذ عشرين عاما وهو يراوغ ويمكّر، ويريد أن يأخذ بثأر أخيه « يوناتان نتنياهو» الذي قتلته مجموعة من المقاومة الفلسطينية أثناء عملية «عنتيبي» في أوغندا 1976. الحل على أرض فلسطين لم يعد ممكنا بأي طريقة في ظل حكم بنيامين نتنياهو، فهو يجبر أي ضيف دولة يزور تل أبيب على ارتداء القلنسوة وزيارة متحف المحرقة «ياد فاشيم» ووضع إكليل الزهور، وإلقاء نظرة على قبر ثيودر هرتسل، بصفته ملكا على الأمة اليهودية، إنه لا يتعامل بالقواعد السياسية بقدر ما يتعامل بالتصنيف الديني، لهذا فهو وطاقمه لا يتورعون عن دعم إستخدام القوة ضد العرب الفلسطينيين وقتلهم بدم بارد، ويحاصرونهم كما تحاصر النار حقلا للخيول البرية، ومع هذا ينافق العالم المتمدن العلماني منهم واليميني لإسرائيل وحكامها. إن إغلاق المسجد الأقصى وتسييجه بالبوابات الإلكترونية دليل على العقلية العرفية الإستعمارية التي تحكم دوائر الحكم في تل أبيب، وقتل المدنيين وهدم بيوت أسر المهاجمين هو جريمة تقع تحت مظلة جرائم الحرب التي تعاقب عليها المحكمة الجنائية الدولية التي لا تعترف بها تل أبيب ولم توقع على معاهدة روما، ومع هذا يريدون من الفلسطينيين أن يكونوا كائنات داجنة تمر في طوابير وعبر بوابات إجبارية، وهذا إثبات على أن العقلية في تل أبيب لا تريد سلاما، بل تريد فرض سيطرة تامة لن تتحقق أبدا. إن ما يحدث في الشرق الأوسط هو حرب دينية مقيتة، تذكرنا بالتاريخ، بالملايين التي قتلت على يد الغزو الصليبي والمغولي والفارسي، ثم الإستعمار الحديث، والحروب التي استهدفت هذه البلاد منذ عام 1990 وقتل وشرد فيها ملايين الأبرياء، واليوم من العراق حتى سوريا واليمن لا يزال القتال باسم المذهب والهوية الدينية، وقد أضاعوا فرصة الإنتقال بعالمنا الى المستقبل الجديد، بل أعادونا الى القرون المظلمة جرّاء العقلية المتخلفة المتشددة، وهذا ما تفعله إسرائيل أيضا على أرض فلسطين التي استفردت بالعرب لأنهم ليسوا من أتباع ياهوه. إذا بقي الحال كما هو عليه لن يستطيع الأردن الإستمرار بدعمه وصبره على هذا التعنت الإسرائيلي، والذي يدعمه الخلاف المتخلف في الشارع السياسي الفلسطيني، فالفلسطينيون يعيشون أيضا حربا دينية باردة، ما بين حماس وفتح، وما بين الولاء لتركيا والولاء للخليج أو مصر، والجميع يعلم أن الأردن هو الجسر الوحيد الذي يمكنهم العبور فوقه، أفلا يتفقون على الأقل! الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/23 الساعة 00:50