التوازن النفسي

د. عبدالكريم محمد شطناوي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/10 الساعة 11:58

أطرد اليأس بالأمل، التشاؤم بالتفاؤل، الكسل بالعمل، الفشل بالنجاح، القنوط بالقنوت، التواكل بالتوكل، التردد بالإقدام، الخوف بالشجاعة، الإساءة بالإحسان، العداوة بالمحبة،الغلظةبالمرونة، الإكراه بالإقناع،الباطل بالحق، الغي بالرشد،الغيبة بالمواجهة، الصرعة بتمالك النفس عند الغضب.

وبذلك فإنك تحقق (التكيف)، ويقصد به طريقة تفاعل الفرد مع العالم الخارجي فينتج عنه (التوازن النفسي)الذي يتمثل في سلوك سليم لدى الفرد حتى ينسجم مع غيره،ويصل به أيضا إلى درجة تقبل النفس وتقبل الآخرين لك.

ويتحقق التكيف حسب رأي بياجيه عالم النفس السويسري بعمليتي التمثل (التمثيل) والمواءمة.

ويعني التمثيل:الحفاظ على الوضع الحالي للبنية العقلية لدى الفرد وذلك عن طريق تفسير المواقف الجديدة غير المألوفة في ضوء المعارف القديمة الموجودة التي في البنية العقلية سابقا، فعملية التمثيل تقتصر على استيعاب الخبرات التي مرت بالفرد من قبل، أي إنها تحدث كلما استجاب الفرد في موقف جديد كما فعل في مواقف مشابهة في الماضي.

ولكن هناك خبرات جديدة لم يمر بها الفرد من قبل، وهذا يتطلب من البنية العقلية الحالية لديه أن تغير من نفسها حتى تتقبل هذه الخبرات الجديدة،

وتدعى هذه العملية بعملية المواءمة أو الملاءمة ما بين الخبرات الجديدة مع ما في البنية العقلية.

فالمواءمة: تعني عملية إجراء تعديلات في بنية العقل ومعارفه القديمة بحيث تتواءم، تستوعب وتتفهم المعارف والخبرات الجديدة في العالم.

وبعمليتي التمثيل والمواءمة يتحقق التوازن النفسي لدى الفرد وبه يصل إلى حالة يشعر بها بالسعادة والرضا،ويعتمد وصول الإنسان للتوازن النفسي على تقدير ذاته، أي تقدير قدراته ومواهبه وملكاته.

وكمثال بسيط فإن الطفل منذ طفولته يتلقى معلومات عما يحيطه من أشياء تكون في بدايتها معلومات مبسطة تشكل نواة معلومات في بنيته العقلية وكلما امتد به العمر يتلقى عنها معلومات جديدة فيوائم الجديد منها مع ما في بنيته العقلية ليحصل التوازن وهكذا،فمثلا يتلقى معلومات عن خالد بن الوليد يوما بعد يوم فتحدث عمليات التمثيل والمواءمة، وكذلك الحال حتى في حل المشكلات.

ومن عوامل وصول الإنسان لتحقيق التوازن النفسي:

الصحة الجسمية، الاستقرار المهني،الاستقرار الأسري، تجنب الضغوط، مهارات حل المشاكل، التخلص من الطاقة السلبية، الاستعداد للطوارئ،التمسك بالعلاقات الإنسانية،الإستقرار الروحي،التعلم من التجارب، وغيرها من العوامل البيئية المحيطة بنا.

ولنا في ديننا الحنيف الأسوة والقدوة الحسنة فهو دستورنا في الحياة فبهديه نسعد، ببعدنا عنه نشقى.

ونقتبس من قرآننا الكريم بعضا من آياته:

(وإنك لعلى خلق عظيم)، (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)،(وعبادالرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)،(ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

كما نسترشد برسولنا الكريم بأحاديثه،وما ينطق عن هوى إن هو إلا وحي يوحى:

(بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأبالسلام)، (إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه)،(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا،(من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا،نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة،والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه،ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة).

وهكذا فإن سعادتنا في الدنيا وفوزنا بالآخرة يتوقف على مقدار تحقيقنا لحياة متكيفة مع ما يحيط بنا لتحقق توازنا لنا ننعم به في هذا الوجود.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/10 الساعة 11:58