الصوفية في الأردن.. ما حجمها وما علاقتها بالتشيع.. هايل داود: تصريحات مغرضة
مدار الساعة - محمد العرسان - أثارت تحذيرات سفير الأردن الأسبق لدى إيران، بسام العموش، مما أسماه خطر تمدد "التصوف" في المساجد الأردنية باعتباره "طريقا يمهد للتشيع"، تساؤلات حول حقيقة ظاهرة التصوف في الأردن؛ ما حجمها وأبرز طرقها ومشايخها؟ وعلاقتها بالسلطات الأردنية.
قد تكون الدراسات التي تتناول الصوفية في الأردن محدودة إلا أن كتابا للوزير الأسبق، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان بعنوان "أسرار الطريق الصوفي" استطاع دخول البيت الصوفي في الأردن ورصد خلاله التحولات التي طرأت على تاريخ الطرق الصوفية في المملكة.
يقول أبو رمان: "كان الأردن يستورد الطرق الصوفية خلال الخمسينيات والستينيات، ثم أصبح الأردن يصدر الطرق الصوفية، أي أن العديد من الطرق الصوفية مركزها تحول إلى الأردن وأصبحت هي التي تقوم بعملية الإرشاد".
حسب ما يوثق أبو رمان، كانت المملكة في حقبة الخمسينيات والستينيات تستلهم الطرق الصوفية من دول الجوار مثل فلسطين وسوريا والعراق ومصر وغيرها، وبعد ذلك أصبح الأردن نقطة إشعاع لانطلاق للطرق الصوفية التي تقوم بعملية الإرشاد خاصة الشاذلية، والدرقاوية، والباعلاوية، والخلوتية الجامعة الرحمانية، واليشرطية. وأصبح عدد من شيوخ التصوف في المملكة يحظون بمكانة دينية إقليمية ودولية، ولديهم عشرات الآلاف من الأتباع في العالم.
ما علاقة الصوفية بالتشيع؟
المشرف العام على معهد المعارج للدراسات الشرعية، الشيخ عون القدومي، وهو صوفي أشعري على الطريقة الباعلوية، يستغرب ربط الصوفية بالتشيع، ويقول لـ"عربي21": "التصوف عبارة عن صيغة تشرح الركن الثالث في الدين وهو الإحسان والذي يعني أن تعبد الله كأنك تراه وإن لم يكن، فهو يراك بمعني ينطوي على علم المعاملة والمكاشفة بمعنى أن كل مسلم بهذا السياق مطالب أن يكون لديه إحسان وتكون صلاته صلاة حضور وصومه ليس الكف عن الطعام والشراب إنما الكف عن الأذية والانعكاسات الأخلاقية وذا يقودنا الى أن الإحسان والتصوف وهو نفس الإتقان الذي نتحدث عنه في قواعد السلوك الوظيفي ونزيد عليها غير البعد مادي بعد قيمي".
يتابع: "إذا أردنا الحديث عن الواقع العملي للمدارس والكتل والنشاط الصوفي، في الأردن ومن خلال معرفتي بالطرق كعمل مؤسسي وكسالك بهذا الطريق لم أرَ منذ عشرين سنة من العقبة الى إربد أي تماس مع مذاهب غير سنية".
ويشدد القدومي على أن الطرق الصوفية ليس لها أي نشاط سياسي، الخوف في المملكة ليس من التشيع المذهبي كون الأردن نسيج سني شافعي، الخوف من تشيع سياسي، الصوفية تنشط كذكر ونشاط مجتمعي ليس لهم أي نشاط سياسي سواء في نقابات أو الأحزاب".
إلا أن الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ، مروان شحادة، يرى العكس وأن هنالك ربطاً بين الصوفية والتشيع، يقول لـ"عربي21": "الصوفية والتشيع يلتقيان في كثير من مسائل الاعتقاد، على سبيل المثال يلتقيان في مسألة الإمام الولي أو ولاية الفقيه كذلك مسألة الأقطاب الصوفية عند بعض الفرق، هناك نقاط التقاء في كثير من المسائل وتقديس الأولياء ويصل أحيانا لدى بعض الفرق بالشرك بالله".
يضيف: "ناهيك عن زيارة القبور والأولياء والمزارات".
ويرى أن "هنالك تسهيلات رسمية ودعم للصوفية في الأردن على حساب مدارس أخرى، فهنالك اتهام رسمي للسلفية أنها تقف وراء الإرهاب وبالتالي يرون أن الصوفية والعقائد الأشعرية منافس للسلفية كونها تحث على آداب الطاعة، ولم نرى أي صوفي يدعو للخروج عن الحاكم كما تدعو السلفية (...) لكن الخطة لم تنجح في ظل انتشار المذهب الشافعي والحنبلي والمالكي، مازال هناك انحسار للطرق الصوفية ولا تحظى بشعبية كبيرة".
الصوفية والعلاقة مع السلطات الأردنية
بدوره يوضح أبو رمان في كتابه عوامل حولت السياسات الرسمية من حالة الحياد الديني إلى تبني صيغة دينية وفقهية وفكرية معينة الفترة الأخيرة، تمثلت وبشكل غير مباشر باحتضان التصوف بمنظومته الأشعرية المذهبية، وذلك لأن العائلة الهاشمية تاريخيا وحاضرا أقرب للمدرسة الصوفية الأشعرية، ورافق ذلك إبعاد للتيار السلفي التقليدي الذي حظي بمنزلة مريحة لدى الدولة خلال مراحل سابقة.
وحول المد الصوفي، والعلاقة مع السلطات الأردنية، وهل هناك دعم رسمي للصوفية، يرى الشيخ عون القدومي بأنه في "السنوات العشر الأخيرة هناك تحول في أنماط التدين لدى الشباب في الأردن وهذا راجع للحالة العالمية من سيولة المعلومات، أيضا الناس جربت مشاريع المدنية واليسارية والقومية والليبرالية وجربت مشاريع التدين التقليدية ولم تحل مشاكلنا من تطرف وبطالة وعلل اجتماعية، أشعر أن هناك حاجة داخلية لدى الناس للخطاب الروحي (...) والطرق الصوفية التي تحافظ على سندها الشرعي والروحي والمرتبط بإسناد معتبر مازالت تخاطب روح الإنسان مما يعطيه فضاء أوسع وأملا وتخفف حدة التوتر".
ويتابع: "صعود التصوف ليس مرتبطاً بالحالة الرسمية فقط، هناك إقبال من شرائح مختلفة، يوجد توجهات رسمية في بعض الدول تجاه الصوفية لكنها حالة أوسع مربوطة بتوقيت معين، وهي حالة عابرة للجغرافيا، الطرق الصوفية لا تملك خطابا سياسيا قد يكون هنالك بعض السياسيين مرتبطين بطرق صوفية وهذا لا يعني أن الصوفية لديها مشروع سياسي".
ولفت إلى أن خريجي المؤسسة الدينية الرسمية الأردنية هم من مدرسة الشيخ نوح القضاة وهو رجل وسطي قام ببناء تجربة دعوة عبر الجيش ودائرة قاضي القضاة وخرج جملة من العلماء الوسطيين، بمذهب صوفي سني وسطي".
وتناول الوزير السابق محمد أبو رمان في كتابه الذي نشره بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت دور الشيخ الراحل نوح القضاة في نقل التصوف للمؤسسات الرسمية الأردنية يقول: "مدرسة الشيخ نوح القضاة أصبح تأثيرها على جيل الشباب أكثر ً عمقا منذ تعيينه ً مفتيا ً عاما للمملكة بعد استقلال دائرة الإفتاء عن وزارة الأوقاف، والشيخ نوح من مدرسة الشام التي تتحدث عن تصوف المشايخ وليس الطرق، بمعنى الانتقال التصوف العابر للطرق، وانفتاح أبناء الصوفية على بعضهم البعض".
الأوقاف الأردنية ترد
من جانبها، ردت وزارة الأوقاف الأردنية في بيان صحفي على تصريحات العموش حول الصوفية وسيطرتها على المساجد، ونفت ما يشاع عن دعمها ورعايتها لتيارات وجماعات إسلامية محددة، مشيرة إلى أن: "بيوت الله هي للمسلمين كافة ويقوم عليها كوكبة من الأئمة والوعاظ والخطباء المؤهلين الذين يلتزمون بالتشريعات الناظمة، ويقومون على أداء رسالة المسجد على أكمل وجه".
وأكدت الوزارة وقوفها على مسافة واحدة من جميع الجماعات والتيارات الدينية، وعدم سماحها لأي تيار أو جماعة من التدخل في شؤون المساجد.
ويصف وزير الأوقاف السابق هايل الداود، في حديث لـ"عربي21"، التصريحات حول سيطرة الصوفية على المساجد في الأردن بـ"التصريحات المغرضة وغير الصحيحة لا يوجد أي تيار يسيطر على المساجد التي تأتي تحت رعاية وولاية وزارة الأوقاف الأردنية، جميع الأئمة خاضعين لرقابة وسياسة وزارة الأوقاف توجههم بما يتفق مع أحكام ديننا الحنيف ووسطية هذا الدين وبما يتفق مع مصالح الدولة الأردنية وعدم إثارة النعرات وخلافات داخل المساجد".
ويقول: "ما يثار جزء من الحملة الظالمة على وزارة الأوقاف وعلى سياسة الدولة الأردنية بشكل عام، أنا لا أرى أن هنالك أي علاقة بين التصوف والتشيع إنما لأغراض معينة يحاول بعض الناس الربط بين الحركتين، التصوف طريقة وسلوك في التربية والأخلاق، واذا كانت الصوفية لديها تقدير لآل البيت هذا شيء يقدر لهم، مكانة آل البيت هي عند كل المسلمين ليس عند الشيعة فقط".
يلاحظ أبو رمان وغيره من الخبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أنه في العقدين الأخيرين ظهر اهتمام رسمي بدرجة كبيرة بدعم الصوفية لأسباب مختلفة أبرزها أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وصعود سياسات الحرب على الإرهاب، الى جانب المخاوف من التشيع السياسي والديني في المنطقة.