هل 'الحرب' بين تركيا واليونان.. باتت 'وشيكة'؟
ثمة مؤشرات مُتلاحقة تشي بأن تصاعد التوتر بين «جارين»/ وعضوين في حلف شمال الأطلسي.. مُرشح لمزيد من التدهور, خاصة في ظل غياب أي وساطة «جدية» بين انقرة واثينا, في حين تلقى الأخيرة دعماً مُعلناً من الاتحاد الأوروبي (وإلى حد كبير من الولايات المتحدة التي تبدي صمتاً نسبياً إزاء ما يحدث, وإن كان الانطباع بأنها غير معنية في الوقت الراهن بإغضاب تركيا لأسباب جيوسياسية مُتصلة بالحرب الأوكرانية، ناهيك عن عقدها المزيد من صفقات الأسلحة وبخاصة أسراب الطائرات المُقاتلة ومناورات جوية وبحرية مشتركة مع اليونان جوية).
تهديدات الرئيس التركي أردوغان المتواصلة منذ شهرين, والتي وصلت ذروتها مؤخراً في تصريحه الأخير في البوسنة, خلال جولة في بعض دول البلقان عندما هدَّد اليونان قائلاً: لا نعترف باحتلالكم لجزر بحر أيجة.. سنقوم - أضاف - بما يلزم عندما يحين الوقت.. مُستطرداً بوضوح «يُمكننا ان نأتي على حين غرة ذات ليلة».
تهديدات كهذه لا يُطلقها الرئيس التركي جزافاً، خاصة في وقت يعاني فيه هو شخصياً من تحديات داخلية خصوصاً اقتصادية وتراجُع شعبيته, مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي/حزيران2023, خاصة في ظل احتمال متزايد بتوافق أحزاب المعارضة الـ«6», على مرشح رئاسي واحد. استجدت في هذا الشأن «اشاعات» تتحدث عن احتمال توافقها على ترشيح الرئيس التركي السابق/عبدالله غل أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي لم تعد تربطه صلة بالحزب بعد أن أدار أردوغان ظهره له, مُتهماً إياه بالتنكّر للحزب الذي شارك في تأسيسه.. زد على ذلك تدهور علاقات أنقرة بالاتحاد الأوروبي إثر موافقة الاتحاد على ترشيح أوكرانيا لعضويته, فيما تقف أنقرة منذ عقود أمام باب الاتحاد طالبة عضويته لكنه لا يستجيب أو أقلّه يواصل المماطلة وشراء الوقت، ناهيك عن أن حكومة أردوغان لم تُرسل «بعد» موافقتها على انضمام فنلندا والسويد لعضوية شمال الأطلسي, كي يُصادق عليها البرلمان التركي وهو ما تراقبه واشنطن باهتمام وحذر شديديْن.
من السذاجة تجاهل تهديدات أردوغان القيام بعمل عسكري في جزر بحر أيجة, خاصة أن أردوغان أطلقها لأول مرة بعد سلسلة من التصريحات النارية، فيما كانت تهديداته بعمل عسكري تتواصل تجاه العراق وخصوصاً سوريا, بزعم اقامة منطقة أمنية بعمق 30كم على طول الحدود المشتركة مع سوريا.
وإذ اعتبر الاتحاد الأوروبي الذي يبدي حماسة غير مسبوقة في عسكرة علاقاته مع روسيا, حدود المشاركة الفعلية في توفير الدعم المالي/والعسكري المكثف والسخيّ لأوكرانيا, بل يرشح أن مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد/الإسباني جوزيب بوريل, وصف روسيا بالدولة «الفاشية» وهو وصف خطير وغير مسبوق, قد تترتب عليه أكلاف دبلوماسية وسياسية باهظة. نقول: اعتبر الاتحاد الأوروبي تصريحات أردوغان الأخيرة بأنها «تصريحات عِدائية تثير مخاوف كبيرة, وتتناقض بوجود التهدئة التي تشتد الحاجة إليها في شرق البحر المتوسط", على ما قال متحدث الاتحاد/بيترسانو، فإن ذلك إنما يعكس حالاً غير مسبوقة من الاحتقان, المحمول على مخاوف باندلاع مواجهة عسكرية محدودة ومحسوبة, في ظل اعتبار أردوغان أن جزر بحر أيجة هي «مُحتلة» من قبل اليونان, وصف مراقبون بأنه تشكيك تركي بسيادة اليونان على تلك الجزر. كانت منحتها للأخيرة معاهدة لوزان قبل مائة عام/1923, بعد الحرب اليونانية - التركية رغم بُعد بعضها مئات الكيلومترات عن السواحل اليونانية, بل هي قريبة جداً من السواحل التركية.
غضب تركيا الذي غدا مُتدحرجاً بدأ عندما اشتكت أنقرة بأن اليونان «تُعسكر» تلك الجزر, التي يفترض أن تكون منزوعة السلاح, وان طائرات يونانية تتحرّش بالطائرات الحربية التركية, وأن الجيش اليوناني فتح رادارات S-300 باتجاه طائراتها الحربية, إضافة إلى انتقادها صفقات الأسلحة الأميركية إلى اليونان ومنها طائرات مقاتلة.
تدرك أنقرة أهمية وحيوية الأوراق التي تتوافر عليها إزاء أكثر من ملف دولي/وإقليمي, وهو ما يزيد من ثقة أردوغان بقدرته على اللعب في هوامش كبيرة من المناورة, قد تساعده في تحقيق بعض المكاسب التي يمكن بالتالي أن ترفع من اسهمه في الداخل التركي، وسط مصاعب متراكمة اقتصادية وتوترات اجتماعية (بعضها له صلة بالعِداء الشعبي التركي المتصاعد للاجئين السوريين) ناهيك عن عدم وضوح «الوُجهة» التي سيختارها «حزب الشعوب الديمقراطي»/(الكردي التركي, وهل سينضم إلى تحالف المعارضة (الاحزاب الستة) وضمن أي شروط؟.
لهذا فان المشهد التركي/اليوناني يبدو أكثر تعقيداً وخطورة مما يظن البعض, وليس من الحِكمة إسقاط إمكانية حدوث مواجهة عسكرية, تسبِق أو يُفضي إليها قيام تركيا باحتلال الجزر اليونانية القريبة من سواحلها في بحر أيجة. kharroub@jpf.com.jo