أي المعركتين أخطر؟
عندما بدأت تتصاعد الحرب على المخدرات على المستويين؛ الحدودي والداخلي، أدركت الجهات الأمنية المعنية أن حربها هذه لن تحقق أهدافها الكاملة دون دعم شعبي واسع ومطلق. ليس من الصعب خلق هذه الأجواء ما دامت المعركة تخوضها قواتنا المسلحة من أجل حماية أمننا الداخلي، لكن التضامن الشعبي في أي ملف ستكون له أهمية خاصة، إذ سيشعر المجتمع حينها أنها حربه الخاصة بالفعل.
ماكينة الإعلام الأمني نجحت، وفي زمن قياسي، بوضع الناس في صورة ما يجري، ومدى الخطورة التي يتعرض لها البلد بجميع مكوناته، وذلك باستخدام الأداة الأكثر فاعلية، وهي المؤسسات الإعلامية، وبخطاب واقعي لم تتدخل فيه الخطب الرنانة، ولا اشتمل على وعود فضفاضة.
بداية كان ذلك عبر تنظيم زيارة ميدانية للصحفيين إلى الحدود، ليشهدوا بأعينهم التجهيزات الأمنية المشدد التي تحشد هناك، فيما لم تنقطع أخبار الحرب على المخدرات عن الرأي العام عبر التدفق اليومي للمعلومات والمعطيات عما يدور في داخل البلد.
باختصار، نجح القائمون على هذه الحرب في كسب رهان الشارع، ليس فقط لأنها معركة أمنية ومن الطبيعي أن يتكاتف الجميع في سبيل الفوز فيها، وإنما بترسيخ مفهوم التشاركية مع المواطنين واحترامهم عبر إيصال المعلومة الدقيقة لهم، ممزوجة بالتوعية، فكانت العلاقة مثالية عكستها نتائج جميع استطلاعات الرأي العام التي أجريت على مدار الأعوام السابقة بخصوص ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية.
في المقابل، لم تتوان المؤسسات الإعلامية عن القيام بدورها، وذلك أيضا لسببين؛ الأول لأن من الواجب التواجد برفقة قواتنا في هذه المعركة، ونقل تفاصيل ما يجري، ثانيا احتراما للعلاقة التشاركية التي نجحت المؤسسة الأمنية ببنائها مع الصحفيين عبر تقدير دورهم ووضعهم بتفاصيل مهمة عما تتعرض له المملكة من غزو لهذه الآفة.
في معركة أخرى تقودها الحكومة، وقد خاضتها قبلها حكومات وخسرتها، لم تنجح لغاية الآن في سبر أغوارها لأنها تسعى إلى اتباع سياسة التعتيم والانطواء، إذا ما استثنينا بكل أمانة وزراء معدودين جدا على رأسهم وزير الإعلام الزميل فيصل الشبول. وزير عامل في حكومة الدكتور بشر الخصاونة، حاول أن يشرح لي سبب إحجام الوزراء عن التواصل مع الإعلام بالقول: “ببساطة، الأمر أن وزراء ومسؤولين مرعوبون من فكرة التواصل مع الإعلام، حتى لا يفهموا خطأ أو تفتح عليهم نيران الانتقاد على مواقع التواصل الاجتماعي”.
لا نفرض على أعضاء الحكومة الانفتاح إذا ما أرادوا العلاقة التشاركية مع الصحفيين، والتي من شأنها مساعدتهم في عملهم، سواء بتسليط الضوء على المنجز، أو ترويجه، أو من خلال انتقاد أداء وزاراتهم بطريقة موضوعية وبناءة. لن يضير المؤسسات الإعلامية غياب الحكومة، فأوجه العمل الإعلامي متعددة ويمكن لأي مؤسسة أن تؤدي دورها بطريقة مهنية حتى لو غاب رأي المسؤول أو معلومته، لكن من سيكون الخاسر في هذه الحالة؟ بالتأكيد ليست الحكومة، أو الشعب، ولا حتى المؤسسات الإعلامية. الخاسر هو الدولة!
مؤخرا، أكثرنا الحديث عن دور الإعلام، دون أن يصغي أحد أو يدرك خطورة ذلك، لكن وجب أن نؤكد بصورة مهنية بعيدة عن المجاملة أن ما يقوم به إعلام الأجهزة الأمنية في الحرب على المخدرات يجب أن تستفيد منه باقي المؤسسات التي تخفي رؤوسها في الرمال وكأن الإعلام عدو مبين!