واشنطن إذ 'تُرحِّب' برواية تل أبيب.. عن 'شيرين'؟
مُفاجئ ولافت جاء تعقيب ناطق الخارجية الأميركية (نيد برايس) على رواية جيش العدو الصهيوني في ما خص إغتيال الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة, حاملة الجنسية الاميركية فضلا عن جنسيتها الفلسطينية. عندما قال (برايس): «نُرحِّب» بالتحقيق الإسرائيلي في هذا الحادث المأساوي, ونُشدد مُجددأ ـ أضاف ـ على أهمية تحديد المسؤولين في هذه الحالة, وحتى لا يُغضِب إسرائيل فإنه أَوضح قصده «تحديد المسؤوليات» يعني «وجوب ان يشمل على سبيل المثال (والقول له) السياسات والإجراءات, وذلك لمنع وقوع حوادث مُماثلة في المستقبل».
الموقف الأميركي هذا يعني قبولاً من واشنطن للرواية الصهيونية, التي وإن قالت إنها «تُرجِّح أن يكون أحد جنودها هو الذي قتل أبو عاقلة ولكن عن طريق الخطأ»، فإنها حسمت أمورها على نحو نهائي, عندما قال جيش الإحتلال في بيانه: إنه «لن يُحقق مع ذلك الجندي».
وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، فإن واشنطن نفسها كانت «توصّلت» إلى قناعة مُماثلة عندما رجَّحت هي الأخرى أن قتل أبو عاقلة «لم يكن مقصوداً» بعد أن كانت ضغطت على السلطة بتسليمها الرصاصة التي استُخرجت من «دماغ» الشهيدة, واعدة/واشنطن أنها «لن تُشرك أحداً في تحقيقها ولن تسلمها لأي كان», ثم ما لبثت أن نقضت وعودها وسلّمتها لجيش الاحتلال الذي «شكّك» أن تكون من عتاده نظراً لأن «تشوهاً» كبيراً أصاب ما تبقى من الرصاصة، ثم خرجت واشنطن في 4 تموز الماضي بروايتها عن (عدم توفر «نية القتل» لدى الجندي الصهيوني), وهو ما أعادت تل أبيب ضخّه أمس في بيانها. وذلك بهدف حماية جيش العدو من اجراء أي «تحقيق جنائي».
وإذ تدرك واشنطن كما تل ابيب ان رواية «مُشتركة» كهذه, رغم ان الرواية الاميركية في 4 تموز الماضي سبقت الرواية الصهيونية الأخيرة, التي تغسل فيها يديها الملطختين بدماء شيرين وكوكبة أخرى من الصحافيين الفلسطينيين والأجانب (وبينهم أميركيون) إضافة إلى «حفلات» الإعدام الميداني لشباب وفتيان وفتيات ونساء، وشيوخ فلسطين في الداخل الفلسطيني كما في قطاع غزَّة والضفة الغربية المحتلة، فإن ردود الفعل الأولية والمباشرة التي اعقبت صدور بيان جيش الاحتلال والرافضة للرواية الصهيونية؛ تكشف بوضوح أن حساب اغتيال شيرين أبو عاقلة لم يُقفَل, وأن الدعوات إلى تحقيق جنائي مُحايد وموضوعي هو مطلب لن يسقط بالتقادم. وما المواقف التي عبّرت عنها مؤسسات حقوقية دولية ومنها إسرائيلية سوى إشارات على أن إهالة التراب على قضية أبو عاقلة, والدفع نحو اسقاطها عن جدول منظمات حقوق الإنسان لن تنجح, مهما «أبدعوا» في اختلاق الأكاذيب وتزوير الحقائق واستخدموا المزيد من مصطلحات التضليل لطمس الحقيقة والإفلات من العقاب.
ما يستلزم الآن نقل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية كما دعت إلى ذلك عائلة شيرين, كون فقيدتهم تحمل الجنسية الأميركية، ولن يُقال في هذه الحالة إن السلطة الفلسطينية «ليست دولة» حتى يُطعَن في «أهلّيتِها» نقل الملف إلى المحكمة، ناهيك عن ادعائهم بأنها أيضاً ليست عضواً في هذه المحكمة.
الترحيب الأميركي بالرواية الإسرائيلية يطمس أيضاً على التحقيقات الاستقصائية المُوسّعة والموثقة التي قامت بها شبكات تلفزيونية وأخرى إعلامية... وكالات أنباء وصحف أميركية وعربية مثل CNN ووكالة اسوشيتد برس ونيويورك تايمز وقناة الجزيرة ومؤسسة الحق الفلسطينية كذلك منظمة بتسيلم الإسرائيلية كما الأُمم المتحدة وغيرها..
ليس صدفة أو عبثاً أن تُسارع منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية, إلى وصف تحقيق جيش الاحتلال بأنه ليس تحقيقاً بل طمس للحقائق.. مضيفة أنه «ليس قتلاً عن طريق الخطأ، بل انها سياسة» لافتة في شكل يثير الانطباع ويؤكد المؤكد والموثق, بأن «مَقتل شيرين أبو عاقلة هو نتيجة معروفة سلفاً, لسياسة إطلاق النار المنفلتة التي تطبقها إسرائيل في الأراضي المحتلة.. ستستمر - تُضيف بتسيلم - هذه السياسة في حصد المزيد من الضحايا طالما استمرت منظومة طمس الحقائق بالعمل دون عائق..
فهل تتدارك واشنطن الأمور دفاعاً عن «مواطنتها» التي أُغتيلت؟ أم تكتفي بالترحيب الذي أعلنه ناطق خارجيتها في تحقيق إسرائيلي لم يكن له هدف سوى الطمس على الحقيقة, التي توصّلت إليها أطراف وجهات ومنظمات عديدة وخصوصاً أميركية, بأن شيرين أبو عاقلة أُغتيلت عن عمد وسابق إصرار وتصميم؟
kharroub@jpf.com.jo