الصهيونية العالمية إذ تحتفل بـ'الذكرى 125 للمؤتمر 'الصهيوني الأول'!

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/06 الساعة 00:29
لم تُولِ معظم الدوائر السياسية والإعلامية العربية وخصوصاً الفلسطينية اهتماماً يُذكر بالاحتفال «الضخم» الذي اقامته الحركة الصهيونية مؤخراً (29 آب الماضي) في مدينة بازل السويسرية, في مناسبة مرور «125» عاماً على انعقاد المؤتمر الصهيوني/"الأول» والذي روَّج له ودعا إليه الأب الروحي للصهيونية (ثيودور هيرتزل) في 29 آب 1897, على نحو يدعو بالفعل للتساؤل أولاً.. لماذا لم تُحيي الحركة الصهيونية تلك المناسبة في «إسرائيل» التي كانت «حلماً» للصهاينة وعُتاة اليهود العنصريين ثم أُوجِدت منذ العام/1948 بعد إعلان قيامها على أنقاض الشعب الفلسطيني وطنه؟ وهل ثمة أسباب فعلية حالت دون ذلك؟ أم أن الهدف الدائم الذي لم يتغيّر, منذ أخذت الحركة الصهيونية العالمية على عاتقها مهمة «تجميع» يهود العالم في أرض الميعاد المزعومة، وهو ابتزاز أوروبا وإشهار سيف العداء للسامية في وجه كل من يعادي اليهود أو يرى فيهم عنصر تحريض وعدم استقرار ومبعث فِتن واستغلال, على النحو الذي ساد فيه أوروبا طوال القرنين التاسع عشر والعشرين, وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية وحدوث «الهولوكوست» الذي استثمرت فيه الصهيونية العالمية كثيراً وطويلاً وحتى الآن؟
ثمَّة مؤشرات تشي بأن إقامة الاحتفال في «بازل» السويسرية وفي ذكرى انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول, لم يكن صدفة أو مجرد اقتراح وجدَ قبولاً, بقدر ما رام رُعاته مواصلة «الإتّجار» في احداث القرن الماضي, وخصوصاً بعد انخراط معظم الدول الأوروبية وبخاصة ألمانيا في تكريس الدولة الصهيونية (الأولى) ودعم عدوانها واحتلالها للأراضي الفلسطينية وهو ما ركَّز عليه الاحتفال الذي انتهى للتو في بازل/السويسرية.
شارك في المؤتمر المذكور 1400 مُشارك من نساء ورجال أعمال واقتصاد ونشطاء (كلهم يهود) على مدى 3 أيام وسط إجراءات أمنية مُشدَّدة عبر أجهزة أمنية سويسرية وأخرى إسرائيلية, أقفلت خلالها أجواء مدينة بازل أمام حركة الطيران الدولية من وإلى المدينة وصلت كلفته–وفق وكالات الأنباء إلى ستة ملايين دولار–دفعتها الحركة الصهيونية العالمية والرابطة السويسرية للجالية اليهودية (...). والأكثر أهمية هنا أن نجوم الحفل كانوا من داخل الدولة العنصرية الصهيونية تقدَّمهم رئيس الكيان/اسحق هيرتزوغ، الذي طالب بـ"استرجاع» مصطلح الصهيونية، فيما كان رئيس جهاز الموساد الصهيوني السابق/يوسي كوهين (الأقرب إلى نتنياهو) يقول: إن الموساد «جزء» من الصهيونية المُتحقِّقة في إسرائيل، والذي (أي الموساد) ساهمِ في توجيه ضربات لأعدائها.. زد على ذلك كله أن حاخام أوكرانيا الأكبر/ موشيه رؤوفين أزمان.. كان أحد المشاركين, حرِص في كلمته على «تشجيع اليهود رجالاً ونساء على الهجرة إلى أرض الميعاد».
بين يدي ترجمة لمقالة بعنوان «جوهر الصهيونية» للمفكر والباحث الروسي الشهير/الكسندر دوغين (نُشرت حزيران الماضي وعرَّبها د. زياد الزبيدي) ».. لفتني عرضه التاريخي المُفصّل حول نشوء الصهيونية, التي غدت ايديولوجية لدولة العدو الصهيوني وتساؤله لماذا يعتقد اليهود انهم شعب الله المختار؟ ما معنى تشتت اليهود كتقليد يهودي؟، لماذا تُعتبر الصهيونية من ناحية استمراراً لليهودية ومن ناحية أخرى نقيضاً لها؟ (كل تلك الأسئلة اجاب عليها لاحقاً وبالتفصيل). لكن ما أروم الإضاءة عليه هي المعلومة التي أوردها هو رأي بعض الجماعات اليهودية في أن (قيام إسرائيل يتعارض مع «مشيئة الله» الذي أمر اليهودي بتحمُّل مصاعب السَبي وتدمير الهيكل، لذلك يجب أن ننتظر النهاية ونُكفِّر عن الخطايا وعندما يأتي «المشيح» يمكننا العودة إلى أرض الميعاد).
بعد أن يستعرض دوغين سلسلة من الإشارات والوقائع التاريخية يصل إلى نتيجة يقول عنها: «هكذا نشأت البنية الفكرية الحاضنة للصهيونية... الصهيونية – يُضيف هي عبادة الشيطان اليهودية والتي قلبت كل أسس الديانة اليهودية، وإذا كان من الضروري في اليهودية انتظار مجيء المشيح، فإن اليهودي في الصهيونية هو بالفعل «إله»، عدا عن انتهاكات الوصايا التلمودية».. من هنا – يُواصل دوغين - تأتي العلاقة الخاصة بين الصهيونية واليهودية، من ناحية، الصهيونية استمرار لليهودية ومن ناحية أخرى هي نقيضها.. يقول الصهاينة–يستطرد دوغين–انه لا يوجد شيء يستدعي أن نتوب عنه.. لقد عانوا بما فيه الكفاية وهم الله».
هذا - يختتم - ما يفسر خصوصية الدولة الصهيونية الحديثة، التي لا تعتمد على «إسرائيل» ولكن أيضاً على اليهود العلمانيين والليبراليين اليهود والشيوعيين اليهود والرأسماليين اليهود والمسيحيين اليهود، واليهود المسلمين واليهود الهندوس...الخ».. كل أولئك الذين يمثلون شبكة الفرانكو - يمكن لكل منهم القيام بخيانة مقدسة بأمان، وبناء دولة، وتأكيد الهيمنة على العالم، وفرض حظر على انتقاد الصهيونية (في بعض الولايات الأميركية، فإن انتقاد دولة إسرائيل يتساوى مع معاداة السامية).
ثم ــ والقول ما يزال لدوغين ــ لم يتبق لهم سوى خطوة واحدة–تفجير المسجد الأقصى والبدء في بناء الهيكل الثالث.
فـ«تأمّلوا».
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/06 الساعة 00:29