أميركا 'تُسلَّح' والصين 'تَتوعّد'.. أخطر من لُعبة 'عضّ الأصابِع'
منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي (نانسي بيلوسي) جزيرة تايوان/ذاتية الحكم في الثاني من آب الماضي, أخذت العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن وبيجين منحى أكثر توتراً وخطورة, على نحو يمكن اعتبار الزيارة فاصلاً بين مرحلتين, ما قبل الزيارة وخصوصاً ما بعدها, في ظل مُوصلة إدارة بايدن استفزاز الصين ليس فقط في ضخ المزيد من التصريحات المُتناقضة (ولكن المدروسة بعمق والمقصودة بذاتها ولذاتها), بين إعلان التزامها مبدأ «صين واحدة» خاصة بعد المناورات الضخمة التي أجرتها الصين في مضيق تايوان وكل ما يحيط بالجزيرة, والقول عل? المقلب الآخر بأن دعمها لتايوان سيتواصل على مختلف الصُعد (التزاماً بقرارات الكونغرس كما تزعم, حيث الكونغرس اتخذ قرارات سابقة بالتزام واشنطن توفير دعم عسكري لتايبيه للدفاع عن نفسها)، إضافة إلى أن صفقة التسلح الضخمة الأخيرة (1,1 مليار دولار) تحوي صواريخ مُتطورة ضد السفن وأخرى جوّ/جوّ وطائرات مُسيّرة وتطوير نظام الرادارات, مُعتبرة أن ذلك يخدم المصالح الاقتصادية والأمن القومي الأميركي.
وإذ واصلت الصين إرسال المزيد من أسراب الطائرات المقاتلة التي «تخترق» خط الوسط في مضيق تايوان, فضلاً عن استمرار سفنها الحربية في الاقتراب من سواحل الجزيرة «المتمرّدة»، فإن واشنطن من جانبها لم تتوقف عن «تحدّي» بيجين, والذي وصل ذروته عندما قامت بارجتان أميركيتان بالإبحار في مضيق تايوان مؤخراً, والإعلان انها ستواصل استخدام كل الممرات البحرية وفق القانون الدولي, وغيرها من المصطلحات والذرائع التي تستبطِن مخططها لـِ"احتواء الصين» وإشغالها وربما استدراجها الى معركة أو مُواجهة محسوبة (وليس حرباً مفتوحة), تروم من ور?ئها تغيير قواعد اللعبة التي دارت منذ عقود, فيما واصلت/واشنطن تعزيز تحالفاتها ذات الطابع العسكري الموجه بالدرجة ضد الصين على النحو الذي رأيناه في تحالف «ايكوس» الثلاثي (بريطانيا, استراليا والولايات المتحدة) وتحالف «كواد» الرباعي (الولايات المتحدة، الهند، اليابان واستراليا) رغم أن التحالف الأخير يُعرّف أميركياً بأنه حوار «أمني» استراتيجي/غير رسمي, بدأ قبل/15 عاماً، لكن «تفعيله» مؤخّراً لم يكن صدفة, خاصّة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية ورفض الصين الانضمام إلى العقوبات الأميركية/الأوروبية ضد روسيا، بل ان العلاقات?بين بيجين وموسكو اتخذت طابعاً استراتيجياً, لم يُخفِ الرئيسان شي/وبوتين رغبتهما في تعزيزه على أكثر من صعيد، زد على ذلك ما باتت تشكله الصين بالنسبة لروسيا (وبالعكس) في شأن استيراد المزيد من النفط والغاز الروسيِّين. كما يندرج في إطار محاولات واشنطن إحتواء الصين وتحجيم نفوذها, قرار بايدن «استضافة» زعماء المحيط الهادئ (12 دولة بما فيها جزر سولومون/سليمان, التي وقّعت اتفاقاً أمنياً مع الصين/ نيسان الماضي, ورفضت مؤخراً توقف مدمرتين أميركيتين في أحد موانئها). ناهيك قرار إدارة بايدن «الإبقاء» على التعريفات الجمركية?على واردات صينية, بقيمة مئات المليارات كانت فرضتها إدارة ترمب.
عودة إلى تايوان..
توعّدت الصين إتخاذ «إجراءات مُضادّة» إذ لم تتخلّ الولايات المتحدة عن صفقة الأسلحة المتطورة ومرتفعة القيمة الأخيرة لتايوان، بل إن واشنطن وعلى لسان متحدث خارجيتها قالت: إن مبيعات الأسلحة هذه ضرورية لأمن تايوان, وسنواصل – أي واشنطن – العمل مع صناعة الدفاع لدفع هذا الهدف. مضيفة: ندعو بكين إلى إنهاء الضغوط العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية على تايوان, والدخول في (حوار) بدلاً من ذلك مُختتماً القول: الولايات المتحدة تواصل دعم الحل السِلمي للقضية، بما يتفق مع رغبات الشعب التايواني ومصلحته.
المُدقق جيّداً في المصطلحات والتسميات وما تستنبطه السطور/الأميركية يكتشف أن ما قيل أميركياً قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا, هو ذاته الذي يرومه متحدث الخارجية الأميركية «حوار» (بين نِديْن وشعبين) فيما مبدأ «صين واحدة» يعترف بأن التايوانيين هم صينيون أصليّون, وأن هروب تشان كايتشيك كان من البرّ الصيني, إلى جزيرة صينية وليس إلى دولة أخرى بل ان حزبه الكومينتانغ واصلَ اعتبارها كذلك, رغم عدم «اعترافه» بالنظام الشيوعي الجديد الذي أعلن ماوتسي تونغ قيامه في مثل هذه الأيام 1/10/1949.
إعلان تايوان اسقاط طائرات مُسيّرة (مدنية) دون تحديد جنسيتها، وتجاهل الصين لحدث كهذا, فضلاً عن التصريحات العنترية الذي يدلي بها قادة تايوان, وتلويحهم بهجوم مضاد إذا ما حاولت الصين «غزو» الجزيرة, وقيام الأخيرة بمناورات عسكرية وغيرها من الاستعدادات التعبوية، لا يمكن اعتبارها مجرد حماسة من قبل قادة الحزب/الديمقراطي التقدمي الحاكم في تلك الجزيرة, بقدر ما يؤشر من بين أمور أخرى، إلى حجم التأثير/والتحريض الأميركي للطبقة الحاكمة, التي تُواصل القول: ان زيارة بيلوسي كما نواب وشيوخ أميركيين من الحزبين, إنما يرفع من معنوياتهم ويُقوّي من عزيمتهم لمواصلة «نهجهم الديمقراطي». لكن ثمة السؤال مُلح: هل يبقى التوتر الصيني/الأميركي في حدوده الراهنة؟ أم أن التصعيد سيكون سِمة الأسابيع المقبلة؟
kharroub@jpf.com.jo