هل تتشابه أزمات الأردن مع غيره؟

ماهر ابو طير
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/04 الساعة 23:37
كنا نشعر بالسخط على كثير من الأزمات الداخلية، ومنسوب السخط لم ينخفض، لكنه تغير من حيث طريقة التقييم، خصوصا، بعد أن عمت الأزمات العالم، وباتت بعض أزماتنا مثل أزمات كل دول الدنيا.
هذا الكلام ليس تسطيحا للمشكلات والأزمات، أو محاولة للتذاكي والقول إن حالنا مثل حال بقية دول العالم، لكن هذا هو الواقع، الذي نجد أنفسنا فيه اليوم، دون أن نعطي تبريرا للكسل وقلة التخطيط، أو استباق الأزمات بحلول، فنحن لا نبحث عن مشروعية للأزمات الداخلية، عبر تغطيتها بأزمات خارجية، لمجرد أن أعراض الأزمات لدينا وفي الخارج، تتشابه من حيث الشكل، لكنها تختلف من حيث الأسباب.
خذوا ملف المياه مثلا، نسبة التخزين في السدود تنخفض إلى 15 بالمائة، ولدينا أزمة استراتيجية في مياه الزراعة والشرب، ولا يحلها سوى مشروع الناقل الوطني، والتغير المناخي والجفاف، يضربان كل دول العالم، حتى أن دولا مثل العراق وسورية ومصر والسودان، مثلا، تم خفض المياه المتدفقة اليها من دول الجوار، فتضررت، ومعها دول غربية والصين وغيرها، تعاني من الجفاف الشديد، وانخفاض منسوب الأنهار، وقلة المياه، وتضرر الزراعة، والإجراءات التي تتخذ تبدأ من خفض حصة الفرد في مياه الشرب والاستحمام وصولا إلى إجراءات تتعلق بتوليد الطاقة من المفاعلات النووية التي تحتاج للمياه أيضا.
هذا لا يعني أننا نموذج مميز، سبقنا العالم بوجود أزماتنا قبلهم، لكن ما يقال هنا إن علينا أن نفرق بين الأزمات المفروضة علينا جميعا في العالم، والأزمات التي صنعناها نحن بسبب سوء الإدارة هنا أو هناك.
أزمات الطاقة لدينا قصة مختلفة، فالوقود لدينا مرتفع، والكهرباء، والناس يصرون أنه مرتفع مقارنة بالدخول والحكومات تقول إن الوقود غير مرتفع، فيما دول العالم تنهار تحت وطأة ملف الطاقة، وبريطانيا العظمى ترفع أسعار الطاقة ثمانين بالمائة اعتبارا من الشهر المقبل، وقبل بدء الشتاء، وهذه كارثة على دخول البريطانيين بسبب غلاء الغذاء وغير ذلك، وألمانيا تخطط لرفع أسعار الغاز، قبل الشتاء، وأسعار الغاز ذاته تضرب اقتصادات أوروبا، ورفع الأسعار لا شك فيه، وإذا كانت دخول الغربيين أعلى، إلا أن مشاكلهم تتناسب مع دخولهم، لأن ارتداد رفع أسعار الطاقة، يتناسب مع دخولهم.
الذي يحدث اليوم بكل وضوح، أن أزماتنا التي نعاني منها في الأردن، باتت نموذجا مصغرا من أزمات العالم، سواء سبقناهم، أو جئنا بعدهم، والأردني الذي يتفرج على ماذا يجري في العالم، انخفض سخطه بشكل واضح، وإن كان لا يشعر بالرضا على حياته، بسبب دخله والتزاماته، إلا أنه بات يتفرج على دول عظمى تترنح تحت وطأة الأزمات التي تعاني منها، وهو هنا لا يدخل في مقارنات مع دول أقوى من بلاده، لكنه يستبصر المشهد، ويرى بنفسه كيف أن الأزمات والعواصف تهب على شعوب هذه الدنيا.
الذي يحصل اليوم، أن الأزمات في العالم باتت مشتركة ومتشابهة، من البطالة إلى الفقر، وكلف العلاج والتعليم، مرورا بأسعار السلع والغذاء، وصولا إلى ملفات المياه والطاقة والكهرباء والوقود، وربما للمفارقة هذه الأزمات تضرب دولا عظمى بطريقة أسوأ من منطقتنا، لأن العالم العربي أقل تقدما، وأبسط في تركيبته، ولا تؤذيه الأزمات مثل العالم المتقدم، الذي يتأثر بسرعة بكل شيء.
الذي يراد قوله هنا أمران، أولهما أن سخط الأردنيين تجاه كل شيء، اختلف جذريا وهذا يفسر هدوء الداخل الأردني في تعبيراته إلى حد ما، فقد بات أقل حدة، وإن كان لا يشعر بالرضا، لكنه أقل سخطا، خصوصا، حين يرى أن دولا أقوى منه، تنهار تحت وطأة أزماتها، وتتأثر بكل شيء يمس استقرارها.
ثانيهما أن ما يجري في العالم لا يعطي عمان الرسمية مبررا للقول إن حالنا حال العالم، وأن معاناتنا مثل معاناة من هو أقوى منا، فهذا مهرب لا يجوز الدخول إليه، وعلينا بصراحة أن نفرق بين الأزمات التي صنعناها بسوء إدارتنا، والأزمات التي يتم فرضها على كل العالم، وإن تشابهت في الأعراض.
تتشابه أزمات الأردن مع غيره، من حيث الأعراض، هذه الأيام، لكن المسببات مختلفة، وفي المحصلة، تقف كل دول العالم، بما فيها الأردن، أمام مفارق طرق حساسة وفاصلة في حياتها.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/04 الساعة 23:37