حكومة الخصاونة والقلوب الملآنة

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/04 الساعة 00:22

يطرب الكثير من الأردنيين ذوي الانشغال الدائم في حركة الرحيل والتغيير لرؤساء الحكومات على وقع الأسماع لرحيل أي حكومة يستظلون فيئها، حتى بات الأردن قريبا من دخول «غينتس» في تغيير الحكومات والوزراء، والتساؤلات اليوم عن موعد رحيل حكومة الخصاونة، وكأن الجمهور ينتظر خروج المهدّي المنتظر من كهفه، دون النظر الى القيمة المضافة في استتباب المناصب الأولى وتراكم الخبرات عند الوزراء ذوي الاختصاص بناء على خدمتهم الطويلة في الجهاز الحكومي، فلماذا كل هذه الزوبعة؟

الأردن منذ نشأته ككينونة سياسية على هذه الأرض عبر ثلاثة ملوك راحلين، لم يتسلم زعامة الحكومة أي أردني حتى بدايات عهد الملك الحسين، وخلافا لكل الدول العربية، فإن الحكم الأردني فتح الباب للكثير من القوميين العرب القادمين للبلاد الأردنية ليصبحوا رؤساء حكومات ووزراء، ولم يسجل أي أردني اسمه رئيسا قبل العام 1950، وخلال تلك السنين تداولت السلطة التنفيذية شخصيات جاءت من كل صوب وحدب، ليكسر القاعدة الرئيس سعيد المفتي، ثم الشهيد هزاع المجالي 1955، واستمرت قاعدة التعيينات الرئاسية الممزوجة حتى العهد الجديد.

سيقول قائل: لماذا الانحياز للخصاونة؟، والإجابة: اننا مخترقون خارجيا ونفسيا وعاطفيا تحت تأثير القومية العربية قديما و تأثر من بعدهم بالوهج الغربي، دون اعتبار للخصوصية الوطنية، حتى بات التراب الأردني يبحث عمن يطأ بقدميه الواثقتين لينهض بالعمران السياسي والاقتصادي والاجتماعي مشفوعا بالإخلاص والإيثار المبني على عقيدة ثابتة بحق هذا الشعب الذي ضحى أجداده وآباؤه وذريتهم بكل أدب لاحتضان ملايين الأخوة الذين لفظتهم بلادهم، ومع ذلك نجد من ينحاز للمسؤولين أصحاب الغايات، وفي ذات الوقت يشحذون ألسنتهم لاستهداف أي وطني به?ف إفشاله، حتى بتنا نحب من يضحك علينا ويبيعنا الأوهام ويرهننا الى صناديق التمويل الغربي.

لا شك أن حكومة د.بشر الخصاونة هي حكومة الملك، وحكومة الملك هي حكومة الشعب، ولا يمكن أن تضم جميع القديسين في جنباتها، بل هناك من الوزراء المحترفين وهناك من لديه قدرات متواضعة لا تسعفه لتفجير طاقاته العقلية لسلوك طريق ثالث يصنع تغييراً إيجابياً يلمسه المواطن، ويكون مستعدا لإدارة الأزمات الطارئة للتعامل مع الأحداث والتحديات ومعالجة الخلل وتسجيل مواقف يشار لها بالبنان، في شتى القضايا التي تمس الأمن الاجتماعي وتستهدف تسهيل وصول المواطنين الى حياة أسهل من كل التعقيدات المتراكمة عبر الحكومات العابرة، وعلى رأسها خ?ض نسب الفقر والبطالة.

ولكن لو قدمنا إحصائية لرؤساء الحكومات عبر تاريخنا سنجد أن الأردنيين منهم لا يتعدى عددهم إثنا عشر رئيسا، من قائمة تحوي أربعين رئيسا تداولوا السلطة غالبيتهم مكررين، فيما يمثل اليوم الرئيس الخصاونة الحكومة الثانية بعد المئة في تاريخ الأردن، وهي تقترب من عامها الثاني بعد شهر ونصف تقريبا، وخلال مسيرتها التي جاءت على وقع ترد اقتصادي وخروج قسري من إغلاقات تبنتها حكومتان سابقتان، وحرب روسية أوكرانية اصطف العالم الغربي لمنح أوكرانيا مليارات الدولارات، وشح الدعم الدولي للاجئين السوريين وانكفاء غير دولة عربية على نفس?ا، وتقلص المساعدات والمنح في ظل ارتفاع حاد لقيم السوق وارتفاع نسب البطالة نتيجة الركود العالمي والمحلي.

وفي الوقت الذي يهاجم البعض حكومة الخصاونة نجد حكومة سابقة جاءت ورحلت وجميع المنظرين يبتهلون لها ويدعمون بقاءها كي تأتي على ما بقي للأردنيين، والمفارقة أن التظاهرات المكسوة بحلّة خارجية فاقت ميزانيتها مئة مليون دينار ضد احدى الحكومات،صمتت فجأة عن كل ما كانوا يطالبون به وعلى رأسها قانون الضريبة، وهذا يؤشر على أن هناك من لا يريد أي استقرار لأي حكومة وطنية تريد إعادة البناء والتحديث.

هذا ليس دفاعا عن الخصاونة فهو أقدر على المواجهة، ولكن إذا تغيرت الحكومات بأسرع من الفصول الدراسية للجامعات فلن تحقق شيئا وسنبدأ كل مرة من الخطوة الأولى، كل ذلك حتى يبقى الجمهور المتسلق متحفزا لركوب ظهر الحكومة، وينسى البعض أن قرار بقاء الحكومة أو تعديلها أو إعادة تشكيلها بيد الملك، وأي قادم جديد دون سلة حلول شاملة سيهوي بنا مجددا، ولن يفعل أكثر من سلفه، فالوضع لا يحتمل تغييرات كمن يغير مركبته لأن لونها لم يعجبه.

Royal430@hotmail.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/04 الساعة 00:22