بايدن يتحدّث عن 'شِبه الفاشِية وقوى الشدّ العكسِي'.. في أميركا؟
هل باتت الولايات المتحدة على شفا حرب أهلية؟ قد يبدو السؤال ساذجاً أو خيالياً للبعض، لكن ثمّة مؤشرات حِسِّية واستطلاعات رأي أميركية ذات صدقية ترجح احتمالات كهذه.
وقبل الخوض في مناقشة احتمال كهذا, دعونا نضيء على بعض التفاصيل بجملة من الأسئلة. ما الذي يحدث حقّاً في الولايات المتحدة الأميركية هذه الأيام؟, وهل هي مجرّد معركة انتخابية تكاد تكون «مصيرية» بالنسبة لإدراة بايدن؟ حيث يتوقّع كثيرون خسارة الحزب الديمقراطي اغلبيته الضئيلة في مجلس النواب وتعادله المتأرجح في مجلس الشيوخ, فيغدو الكونجرس بجناحيه تحت هيمنة الجمهوريين؟ الذين لم يُغلقوا الحساب مع الحزب الديمقراطي, وخصوصاً مع إدارة بايدن في شأن تداعيات هجوم أنصار ترمب على مبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني 2021 عبر احتجاج?م على نتائج الانتخابات الرئاسية وهزيمة رئيسهم ترمب؟، ما اعتُبر ضربة قاصمة وغير مسبوقة للديمقراطية الأميركية.
في وقت برزت فيه مؤشرات على وجود قصور/تراجع في الآليات والديناميات الديمقراطية, كنتيجة حتمية لما يعانيه المجتمع الأميركي نفسه من عنف وعنصرية وتغوّل للمؤسسات الأمنية واتساع الفوارق بين الاميركيين, ما عكس أيضاً حالاً من الاستقطاب الذي تغذّيه نزعة الهيمنة الأميركية على العالم وارتفاع منسوب عسكرة العلاقات, مع تزايد معاناة نسبة معتبرة من الأميركيين من الفقر والبطالة وتضخّم منسوب العنف, وزيادة أعداد الأسر والأفراد الذين يقتنون مختلف انواع الأسلحة, وانعدام قدرة المُشرّعين على منع اقتناء أنواع متقدمة من الأسلحة نتي?ة, النفوذ الذي يتمتّع به كارتل تُجار وشركات صناعة السلاح في الداخل الأميركي.
ما علينا....
يستخدِم الرئيس الأميركي بايدن لغة ومصطلحات غير مسبوقة في الهجوم على خصومه في الحزب الجمهوري, حدّاً وصل به توجيه نداء الى أنصاره بأن يهزِموا شبه الفاشيّة في الولايات المتحدة عند ذهابهم لانتخابات الأول من تشرين الثاني القريب. بل هاجم أول أمس في خطبة نارية مَن وصفَها بـ «قوى التشدّد» وإصرار هذه القوى على إعادة البلاد الى الوراء, حيث لا حَقّ للاختيار ولا حَق للاجهاض (وهذا قريب من المصطلح الذي يُستخدم في بلاد العالم الثالث حيث توصف تلك الجهات بـ» قوى الشد العكسي"), بل مضى على احتكار الوطنية والحقيقة (على الطريق? العالمثالثية) قائلاً: «نحن الورثة الحقيقيون للتجربة الأميركية", مُخيّراً الأميركيين.. بين التوجّه الى الأمام أو العودة الى الوراء, ومُتهِماً الجمهوريين المتشدّدين بأنهم «يعيشون على الفوضى ويَنشرون الخوف والكذب", مُشيراً في شكل لافت الى مسألة لم تكن مطروحة على جدول الأعمال الأميركي بمثل هذه الحِدّة, عندما قال: «لا يمكن ان نسمح للعنف ان يسود في بلادنا, ولا يمكن ان ندع نزاهة الانتخابات ان تُقوَّضْ». اشارة واضحة محمولة على تخوّف من الانزلاق الى حرب أهليّة.
تعالوا نعود الى الوراء قليلاً... صحيفة «الجارديان» البريطانية قالت في عنوان رئيس يوم 21/آب الماضي: «ان الولايات المتحدة على شفا حرب أهليّة في ظل انعدام الثقة في المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة, ما يشير الى ان البلاد قد تكون على شفا صراع داخلي جديد, إذ قال الدكتور جارين ونيتموت/مؤسس مركز أبحاث كاليفورنيا لدراسة عنف السلاح: إن التحذيرات بشأن الحرب الأهلية الوشيكة في أميركا كانت مُجرّد أحاديث هراء، غير ان استطلاعات رأي أجراها المركز في شهر تموز «أذهَلَهُ", إذا اتّضحّ – أضاف – ان نصف الأميركيين يتوقعون ح?باً أهليّة في السنوات القليلة المقبلة، ويعتقد واحد من كل خمسة – استطرَدَ – من سكان الولايات المتحدة ان العنف السياسي له ما يبرّره في بعض الظروف.
ماذا يقول المحلل السياسي الروسي/الكسندر نازاروف؟
بعد ان يستعرض في مقال له نُشر يوم 11 آب الماضي الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين في شأن ملفات عديدة, على رأسها استحقاق ا/11 المُقبل (انتخابات التجديد النصف لمجلِسيّ الكونغرس) وتوقُّعِه خسارة الحزب الديمقراطي, مع ارتفاع التضخم وانخفاض مستويات المعيشة للأميركيين, ما قد يؤدي الى خسارة مجلس البرلمان ثم خسارة الإنتخابات الرئاسية عام 2024. وبعد عرضه سيناريوهات الخسارة والربح للحزبين واحتمالات الاعتراض على هذه النتائج لأحدهما في حال خسارته, فإنه يُرجِّح «تجذّر» كل انواع «الميليشيات» لتصبح قوى مُستقلّة, ما يدفعه?للتساؤل عمّا إذا كان سيناريو الحرب الأهلية مُحتملاً للغاية؟, في وقت يتساءل أيضاً... متى تندلع؟.. فإنه يُجيب: يبدو لي ان هناك احتمالاً الاّ يبدأ التفاقم في أميركا نهاية العام/2024 (بعد الانتخابات الرئاسية).. ولكن يضيف (وهنا تكمن الإثارة): بعد انتخابات الكونغرس المُقبلة/ تشرين الثاني هذا العام, وربما «الشتاء المقبل».
عودوا – ان أردتم – الى الكتب والنظريات التي تحدّثت، حلّلت وأضاءت على كيفية صعود الإمبراطوريات وسقوطها وخاصّة نظرية ارسطو في كتابه «السياسة». والإمبراطورية الأميركية... لن تكون استثناءً.