هل نملك حلولا لهذا التحدي؟
تلقيت دعوة كريمة من القائمين على إشهار حزب “إرادة”، وقد اطلعت خلالها على الأفكار والأهداف والغايات التي جاءت مسببة لتأسيسه، والمبادئ التي يقوم عليها، فامتلكت صورة أكثر وضوحا عن هذا الحزب الوليد.
الحزب يتحدث عن 9 مبادئ في شتى المجالات، وهي ليست مستحيلة التطبيق، ولا تحمل في طياتها أمنيات وأحلاما في الهواء، بل واقعية ومن الممكن تحقيقها بامتلاك الآليات والرؤية المناسبة.
لكن، وأنا أستمع لشرح مفصل عن مشروع الحزب، تسارع إلى مخيلتي الثمن الذي سيدفعه مشروع الإصلاح السياسي القائم على فكرة الوصول إلى إدارة الأحزاب البرامجية للعمل العام في الدولة، وهو ثمن باهظ نتيجة فشل الحكومات في الوصول إلى الناس، ومساهمتها في إحباطهم، وقتل آمالهم، فبات العمل السياسي والانتماء للأحزاب ليس أولوية، بقدر أهمية تأمين المأكل والعلاج والتعليم.
هذا التحدي لا يواجهه فقط “إرادة”، وإنما معظم الأحزاب الناشئة، أو تلك التي تمارس عملها في الساحة الأردنية، لكنني أطرحه مثالا كونه بادر بالتواصل لشرح فكرة مشروعه السياسي. أكاد أجزم أن أكبر أزمة تواجهها الأحزاب، أو ستواجهها، هي إقناع الأردنيين اليوم بالانتساب لأي حزب، أو الإيمان به، وبالتوجه العام نحو إصلاح شامل. وجهة نظر “إرادة” في هذا السياق هي: علينا أن نحاول وأن نبدأ.
الحلم الذي بدأناه في المئوية الثانية سيواجه صعوبة في تحقيقه، والبداية حتما ستكون مرتبكة ومربكة في الوقت ذاته، فكيف لي الانضمام لمشروع إصلاحي والإيمان بالمبادئ التي يقوم عليها، وببرامجه، في وقت تتعثر فيه الحكومات بالمشاريع، وتكاد تكون عاجزة عن إنجاز أي مشروع يسهم في التسهيل على الناس، بل على العكس تماما، فأداؤها يأتي على ما تبقى لهم من أمل في حياة أفضل!
بصراحة؛ أنا أشفق على كل من يحاول تأسيس حزب للتماشي مع الإصلاح السياسي، فهو مضطر للانخراط مع الناس في قضايا ليست من اختصاصه، والاستماع إلى ملاحظاتهم ومطالبهم وانتقاداتهم، ورفضهم للفكرة، وسيجد هؤلاء أنفسهم يقومون بدور الحكومة في الإجابة عن تساؤلات لا علاقة لهم بها، ولا إجابة عندهم عليها، وسيجتهدون في التفسير وبث التفاؤل في نفوس الأردنيين، قبل العمل على اقناعهم واستقطابهم، رغم إدراكهم صعوبة التوسع في أعداد المنتسبين للأحزاب. معركة هؤلاء مضاعفة، فهم يتكبدون خسائر كبيرة في حرب ليست حربهم!
في الحقيقة، المعطيات تشير إلى أن المسيرة تشهد عوائق عديدة، ولن يقتنع جل الأردنيين بالأحزاب إلا عندما يرون شيئا على أرض الواقع، وهذا غير وارد اليوم كون التجربة في بدايتها، لكنه واجب التحقيق ولا يمكن الميل عنه كونه الخيار الأسلم والأفضل الذي علينا اللجوء إليه، وعلى الحكومة تحمل مسؤوليتها في هذا السياق، فهي ومن سبقها خلقوا المآزق في طريق الحوار الحزبي الشعبي.
حكومة الدكتور بشر الخصاونة، وما يلحقها من حكومات لا بد وأن تنتهج انفتاحا أكبر على الناس، والنزول إلى الشارع، في خطاب إعلامي مهني ومنطقي وعملي، مع تحقيق بعض المنجز، لسد الفراغ الحاصل في العلاقة بين طرفي المعادلة؛ المواطن وحكومته، وهذا حتما سيساعد القائمين على تأسيس الأحزاب في التفرغ للمشروع الإصلاحي بدلا من الانشغال في ردم حفرة الثقة التي أوجدتها مؤسسات الدولة بعد كل حالة فشل في الخطط والاستراتيجيات ومشاريع النهضة والتطور.
لا بد من تأمين الطريق للأحزاب والمساعدة في تخليصها من التحديات والصعوبات التي وجدت في طريقها رغم أنها لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد. القائمون على تأسيس الأحزاب لم يوجدوا تلك التحديات، وكذلك هم غير قادرين على تجاوزها، مثلما أنهم لا يملكون صلاحيات ذلك، فهم ليسوا أصحاب قرار ليلبوا نداءات الناس عوضا عن الحكومات. الحكومات مطالبة بهذا الأمر، وبتسهيل تأسيس الأحزاب وعملها وانخراط الناس بها، وإلا فإن المقابل سيكون فشلا كبيرا في هذه التجربة التي نعول عليها كثيرا!