السواعير يكتب إلى روح الإعلامية السودانيّة نعمات حمود

مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/02 الساعة 20:06
نعمات حمود،
يا زهرة الوادي البريّة، وقمّة النسر العليّة، ودَفَقَ النهر الجاري بالحبّ، يا خيط العشب الذي ظلّ يتّسع حتى سيّج الجبل حين غاب الماء وكثر السراب ويئست العيون من الانتظار.
نعمات،
أيّتها المعذّبة بحب الناس ومآسيهم، يا بنت الشمس، وفلذة القمر، ورفيقة النجوم، قولي إنّك ستجيئين إلينا مع المزن والسحاب والمطر، تجلسين على غيمة يتهاطل منها الدعاء لمن فوق الأرض أن يفرحوا، وأن يتعافوا من المرض وحوادث الدهر ومفاجآت الأيام.
نعمات،
هل تنادي المرء ذرات قبره؟!.. وهل يحسّ الإنسان فعلًا بدنوّ أجله، أو بأنّ في الأفق من يريد أن يسحبه من هذه الأرض التي منها خلق وعليها نشأ وفوقها سارت رجلاه وتسابقت خطواته، وعلى جغرافيتها عرف الناس وكوّن الصداقات؟!.. وقد أخذت من الأرض تواضعها وبهجتها وعطفها، مع أنّ فيك من السماء سموّ الروح والتطلّع والتحليق في المزيد من الأحلام؟!
نعمات،
أيّتها المهرة الصاهلة في مضمار المحبّة وإنكار الذات، كيف لم أفطن إلى وشوشات المقاطع الغنائيّة التي كنتِ ترسلين من خلالها شعورًا واثقًا بقرب الأجل ومرارة الاشتياق، وكأنّ هاتفًا سماويًّا ظلّ ينادي عليكِ صبيحة كلّ يوم ومسائه: يا نعمات، ها قد اقترب الأجل ودنت المنيّة، فودّعي الأصدقاء!
نعمات،
كانت الرحلة، على طول المسافة وسراب الأحلام، تمضي، والدندنات تأخذنا إلى حيث (اشتقت ليك ساعة المساء فرد الجناح ولملم مصابيح النهار.. اشتقت ليك واحتجت ليك...)، لتتوالى العذوبة والأشجان والأحاسيس، فيغرق كلٌّ منّا في عالمه ومستقبله ودنياه وماضيه: (والكون شرب لون الجراح والعتمة نامت في الدروب.. والليل لبس أجمل وشاح... في اللحظة ديك اشتقت ليك واحتجت ليك!!!).
نعمات،
ها أنت تعيشين الحقيقة بكلّ تجلياتها، والموت هو الحقيقة الكبرى والكشف الذي ما بعده كشف؛ في هذه اللحظة نواصل الاشتياق ونفتح مساحةً واسعةً على المخيال مع الدندنات الحزينة إيّاها والفرصة الضائعة ذاتها والقلق الذي يحيط بالقلوب: (في اللحظة دي والناس بتسأل عن بلاد في صورة ما معروفة وين اشتقت ليك، يا قلبي لي زولا يئن حضن الأسى عبر السنين في اللحظة ديك اشتقت ليك شوق السحابة الراحلة في جوف الشتاء عطشانة تحلم بالخريف بقيت ضعيف...).
نعمات،
الخوف يحيط بي، والرحلة توشك على النهاية والزاد ينفد، حلمٌ تمنيت لو انقضى بمجرّد أن أصحو، ولكنّه حلمٌ مؤلمٌ لا ينتهي: الصحب فيه طيوفٌ حول القبر، والفراشات والطيور والأشجار والعصافير وكلّ من قلبه أخضر يحوم حول المثوى.
نعمات،
البنات اللاتي كنّ بالأمس يشربن الماء من يدك يسقين في هذه الساعات الزرع على جنباتك وأنت مضمّخةٌ بالرحمة والصمت، أمّا الدموع فتحرق وجناتهنّ؛ إذ كيف يمضي اليوم تلو اليوم وأنت تذبلين!
نعمات. نعمات. ن ع......مااااااااااااااات!!!






مدار الساعة ـ نشر في 2022/09/02 الساعة 20:06