لا جدوى من إعادة تشكيل الأعيان

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/31 الساعة 02:11
يكثر الحديث هذه الأيام عن إعادة تشكيل مجلس الأعيان وذلك مع اقتراب انتهاء الدورة الاستثنائية الحالية وبدء الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة التاسع عشر، إذ سيكُمل المجلس عندئذ السنتين من عمره. وهذا ما دفع البعض إلى التمسك بوجود عُرف دستوري يقضي بضرورة حل المجلس، وإعادة تشكيله في منتصف مدته الزمنية.
إن الثوابت الدستورية الخاصة بمجلس الأعيان تتمثل بأنه يُعين لمدة أربع سنوات شمسية غير قابلة للتمديد عملا بأحكام المادة (65/1) من الدستور، ذلك على خلاف الحال بالنسبة لمجلس النواب الذي يثبت الحق لجلالة الملك بأن يقرر تمديده مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين سندا لأحكام المادة (68/1) من الدستور.
كما يملك جلالة الملك أن يحل مجلس الأعيان في أي وقت يشاء بإرادة ملكية منفردة. وهذا الحق ثابت له بموجب المادة (34/4) من الدستور، وليس بمقتضى أي عُرف دستوري يتمسك به البعض بضرورة الحل بعد انتصاف عمر مجلس الأعيان.
إن الحديث عن وجود عُرف دستوري يقضي بإعادة تشكيل مجلس الأعيان بعد انقضاء سنتين من تاريخ تعيينه هو ادعاء في غير محله ويستوجب الالتفات عنه. فالركن الأهم في العرف الدستوري، وهو الركن المادي، يشترط ديمومة السلوك الخاص بحل مجلس الأعيان بعد انتهاء سنتين من عمره وتواتره، وهو الأمر الذي لم يحدث على الأقل خلال المجالس الخمسة الماضية.
فمجلس الأعيان السابع والعشرون قد أنهى أربع سنوات شمسية من عمره، في حين تقرر حل مجلس الأعيان السادس والعشرين بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا من تشكيله. أما مجلسا الأعيان الرابع والعشرون والثالث والعشرون، فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بحلهما بعد أقل من سنة من تشكيلهما. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا يوجد هناك أي عُرف دستوري يقضي بحل مجلس الأعيان وإعادة تشكيله بعد مرور سنتين من عمره الزمني.
إن ما يدفع البعض إلى الاعتقاد بضرورة إعادة تشكيل مجلس الأعيان بعد انتصاف عمره الزمني تأثرهم بالمادة (65) من الدستور بحلته الأصلية في عام 1952 التي كانت تحدد مدة العضوية في مجلس الأعيان بثماني سنوات يتجدد اختيار نصفهم كل أربع سنوات. وهذا الحكم قد تقرر إلغاؤه في عام 1955 بحيث أصبحت مدة العضوية في مجلس الأعيان أربع سنوات شمسية.
إن الوضع الدستوري المثالي يكمن في أن يبدأ عمر كل من مجلسي الأعيان والنواب في الوقت ذاته تقريبا، وأن تنتهي مددهما الزمنية في فترات متقاربة. وهذا ما حصل بالنسبة للمجلسين الحاليين، حيث جرى تشكيل مجلس الأعيان في نهاية شهر أيلول من عام 2020 ليتبعه انتخاب مجلس النواب التاسع عشر بعد أقل من شهرين من تاريخه.
وعليه، فلا حاجة دستورية لأن يُعطى المجلسان في الفترة القادمة مدد زمنية مختلفة، خاصة وأن مجلس النواب سينتصف عمره الدستوري خلال الأشهر القادمة، وسيبدأ التفكير في الانتخابات البرلمانية القادمة مع انتهاء فترة تصويب الأوضاع التي قررها قانون الأحزاب السياسية الجديد للأحزاب القائمة، والتي ستنتهي في شهر أيار من العام القادم.
ويبقى الاستحقاق الدستوري المنتظر يتعلق بانتهاء ولاية رئيس مجلس الأعيان في نهاية شهر أيلول القادم، حيث تنص المادة (65/2) من الدستور على أن يُعين جلالة الملك رئيسا لمجلس الأعيان لمدة سنتين شمسيتين ويجوز إعادة تعيينه. كما يتوجب على مجلس الأعيان بعد انتهاء السنتين من عمره أن يبادر إلى إعادة تشكيل أعضاء مكتبه الدائم من نواب الرئيس ومساعديه ورؤساء وأعضاء لجانه النيابية، الذين يجري اختيارهم لمدة عامين اثنين.
كما أنه من المتوقع أن تحصل شواغر في مجلس الأعيان في شهر تشرين الأول القادم في ضوء تعيين عدد من أعضائه في المحكمة الدستورية. فبموجب التعديلات الدستورية لعام 2022، أصبح من الجائز تعيين أكثر من عضو من الأشخاص الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان أعضاء في المحكمة الدستورية، حيث ستنتهي عضوية عدد من قضاة المحكمة قريبا، ليتم استبدالهم بأكثر من عضو من أعضاء مجلس الأعيان.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/31 الساعة 02:11