عن الطفل وقانونه وبعبع المؤامرة
يصلح اللغط والهرج الدائران حول مشروع قانون الطفل المعروض على مجلس النواب، كنموذج لدراسة الكثير من الظواهر السلبية المسيطرة على حياتنا العامة، خاصة في جانبها السياسي، حيث يلجأ البعض الى تسييس كل شيء، ومن ثم استحضار بعبع المؤامرة على هوية الامة وحضارتها ودينها، لتخويف الكثيرين من ابداء آرائهم، خوفا من اتهامهم بالزندقة ومعاداة الدين، الذي يحاول البعض احتكاره لهم وكأنه ملكية خاصة، أو كأنهم هم الاوصياء على الدين، القادرون وحدهم على منح صكوك الغفران، ليس الدينية فقط، بل والوطنية، وكأنهم وحدهم المخلصون للأمة والو?ن، وكأن الوطنية حكر على فئة دون سواها من شرائح المجتمع وقواه الحية.
وهؤلاء الذين يتمترسون وراء الإسلام لترويج مواقفهم السياسية، في الغالب الاعم لا يذهبون لمناقشة تفاصيل ما يعترضون عليه، سواء كان هذا الاعتراض على مشروع قانون، أو موقف سياسي لكنهم يغرقون الناس بالعموميات حول الخطر الحضاري والانهيار الأخلاقي، ويدغدغون العواطف والغرائز لتجييشها لصالحهم مستغلين غياب ثقافة (فتبينوا)، والرغبة بالبحث والتمحيص عند الاغلبية الساحقة من الناسِ في مجتمعنا، وميلهم لتصديق الإشاعات وتضخيم السلبيات من جهة، منطلقين من سوء الظن من جهة أخرى، رغم أن بعض الظن إثم.
الهرج والمرج الدائر حول قانون الأسرة، يمثل نموذجاً لهذا كله، كما انه يمثل صحوة متأخرة للبعض، ذلك أن مشروع القانون هو ترجمة لاتفاقية دولية وقع عليها الأردن منذ سنوات، ولم نسمع حينها من يعترض او يحذر من مضامين هذه الاتفاقية، مما نسمعه الآن على افرازها ممثلا بمشروع قانون الطفل، علماً بأن مشروع القانون مر على المرجعيات الدينية المعتبرة والمعترف بها، وبالرغم من ذلك فان هناك من يصر على ان المشروع يصادم الإسلام، ويشكل خطرا على الأسرة، دون تقديم دليل منطقي واحد على ذلك، فبينما كان المدافعون عن مشروع القانون يقدمون?الادلة والبراهين من نصوص القانون التي تشير الى معالجة للتحديات التي تواجه الاسرة، وبينما نجح انصار مشروع القانون في تكوين مجموعات ضغط لكسب الانصار والمؤيدين للمشروع، من خلال عقد الكثير من ورش العمل والندوات الفكرية، غرق الطرف الاخر بالعوميات وبالتذرع بأن هناك تشريعات اخرى تقوم مقام المشروع المطروح، بالاضافة الى طرح الاسئلة الافتراضية، التي تصلح لإثارة الشكوك لكنها لا تصلح للاقناع وكسب الانصار والمؤيدين، لذلك يتزايد انصار مشروع القانون ويقل معارضوه، فقد ولى عهد الخطابة لتحشيد الناس.