المُستعمِرون 'لا' يعتذِرون.. ماكرون ومحاولات 'ترميم' العلاقات مع الجزائر

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/30 الساعة 03:27
لن يحول التوقيع (غير المُبرمَج مُسبقاً) على «إعلان الجزائر من أجل شراكة مُتجّددة», بين الجزائر وفرنسا, دون استمرار تصدّر ملف «الذاكرة» جدول الأعمال السياسي والشعبي الجزائري.
ملف «ثقيل» تقف منه باريس منذ استقلال الجزائر/1962 حتى الآن, موقف الرافض فتح الأرشيف الاستعماري. بهدف الوقوف على الارتكابات وجرائم الحرب التي قارفها المستعمِرون الفرنسيون, منذ غزوهم الجزائر عام 1830 وخصوصاً خلال الثورة الجزائرية المجيدة 1954–1962.
صحيح أن زيارة الرئيس الفرنسي التي انتهت للتو، أصابت نجاحاً نسبياً يصعب إنكاره, خاصّة على صعيد تبريد الاحتقان والتوتر في علاقات البلدين, والتي أوصلتها تصريحات ماكرون العام الماضي عن «عدم وجود أُمَّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي", مُتسائلاً في خبث استعماري معروف «عمّا إذا كانت هناك أُمَّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي", مُتعرضاً إلى «قدرة تركيا على محو تاريخها الاستعماري في الجزائر من ذاكرة الجزائريين", بل ذهب بعيداً في اتهام نظيره الجزائري الرئيس تبون بأنه «تحت تأثير المحيطين به»، ولم يتردّد في الهجوم على ?التاريخ الرسمي» الجزائري الذي وفق وصف ماكرون «أعيدت كتابته بالكامل ولا يقوم على الحقائق»... مُعتبراً أن «كراهية فرنسا لم تنشأ مع المجتمع الجزائري في أعماقه، لكن – أضاف فخامته (قبل عام من الآن 10/2020) «مع النظام السياسي العسكري الذي بنى على هذا الريع التذكاري (نسبة للذاكرة) قائلاً: «نحن نرى أن النظام الجزائري مُتعب والحِراك أضعفه».. (كذا).
مهم كذلك «موافقة» ماكرون على تشكيل لجنة من المؤُرخين (جديدة) فرنسية جزائرية لفتح أرشيف الاستعمار، خاصّة بعد الفشل الذي حصدته اللجنة السابقة التي لم تنجز شيئاً يذكر، وهو مطلب جزائري قديم وضعته الجزائر على رأس أولوياتها، فيما واصلت باريس وكل حكومات «الجمهورية الخامسة» التي دشَّنها الجنرال ديغول أواخر خمسينيات القرن الماضي/1958 الأسود، رفض فتح هذا الأرشيف الاستعماري المُلطخ بدماء المدنيين والمقاومين الجزائريين, على نحو تفوح من رفضه رائحة الاستكبار والتفوق العنصري إضافة إلى الجشع الاستعماري، الرافض دفع «تعويضا?» للجزائر حكومة وشعباً. وكم كان لافتاً ان التصريحات المراوغة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة، استبطنت رفضاً مُتجدّداً لفكرة الاعتذار حين قال: قرّرنا مع بعضنا أن نطلب من وزرائنا تعيين لجنة مشتركة من المؤرخين لفتح الأرشيف... بمسؤولية ودون عُقد, مُضيفاً أن ما نريد القيام به «هو المضي إلى المستقبل... الماضي لم نختره ولكن لدينا مسؤولية تجاه بناء مستقبل أفضل للأجيال», مُستطرداً «لا نريد أن نتخلص من الماضي ولكن لا يجب أن يمنعنا من المضي إلى الأمام». فهل يمكن للجزائريين الاستجابة إلى دعوة ماكرون ل?م لـ"تجاوز التاريخ المُؤلم والمُعقّد», دون اعتذار صريح ومُعلن عن جرائم الإستعمار الفرنسي الذي تواصلت لأزيد من «130» عاماً؟
يجزم الجزائريون حكومة وقوى سياسية وشعباً أن ذلك غير وارد, ولم ينجح ماكرون في تغيير قناعاتهم, عندما واصل خلال زيارة الأخير إطلاق تصريحات قال فيها: ان البحث عن الحقيقة أهم من «الندم» بشأن المسائل المُرتبطة باستعمار الجزائر, التي ما زالت «تُسمّم» علاقات البلدين، وخاصّة زعم ماكرون في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، أنه كثير ما يسمع - أضاف - دعوات إلى الاختيار بين «الفخر والندم»... أنا - واصلَ - أريد الحقيقة والاعتراف لأنه بدون ذلك لن نمضي قُدماً أبداً.
يبرز ماكرون بمراوغته هذه واستذكائه, كمن يدور حول نفسه دون أن يُغادر المربع الذي يقف فيه، لا يريد أن يُسَجِّل على نفسه أنه «الوحيد» من أحفاد المُستعمِرين الفرنسيين الذي اعتذر عن جرائم وارتكابات أجداده، فيما كان أحد أسلافه (ساركوزي) يُكرّر مقولة استعلائية عنصرية سقيمة, مفادها أن «الأحفاد لا يعتذِرون عمّا فعل الأجداد».
في السطر الأخير لم تكن زيارة ماكرون الثانية للجزائر (الأولى في عهد بوتفليقة نهاية عام 2017)، ذات طابع سياسي محض بل اقتصادية وتجارية وبحثاً عن النفط والغاز, رغم «إقراره» بنجاح إيطاليا في تأمين حصة وازنة من الغاز الجزائري. إلاّ أن ملف الذاكرة والأرشيف الاستعماري الفرنسي, بقي مُتصدّراً جدول الأعمال. وهناك من «َذكّر» ماكرون بتصريحه الشهير عام 2017, عندما وصفَ تصرفات فرنسا خلال الثورة الجزائرية 1954- 1962 وأودت بحياة مئات آلاف الجزائريين بأنها «جريمة ضد الإنسانية». لكن عبارة عابِرة كهذه... لم ولن تغني عن الاعتذ?ر وكل مُترتّباته.. المادية, المعنوية وخصوصاً التاريخية.
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/30 الساعة 03:27