سماحة القاضي الشيخ محمد محيلان
مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/20 الساعة 18:08
مدار الساعة - إعداد - أ.د. مجلي محمد محيلان مدير مستشفى الجامعة الأردنية سابقا ود. منى محمد محيلان كلية الآداب / الجامعة الأردنية
ولادته ونشأته وتعلُّمُه ووفاته
في قرية سوم (إربد) ولد سماحة الشيخ محمد محمود محيلان سنة 1922م في بيت علم، فقد تلقى والده المرحوم محمود محيلان علومه في الحقوق في جامعة أضنة بتركيا، مع المرحوم علي نيازي التل، وكان ذلك في عهد الخلافة العثمانية، وكان يحمل في قريته لقب: (أبو طربوش)؛ لأنه بعد أن أتم تعليمه في تركيا عاد مرتديا الطربوش على عادة المتعلمين في تلك المرحلة، لكن المرض عاجله وهو في مطلع شبابه، فتوفي ودفن في القدس إلى جوار المسجد الأقصى راقدا على ثرى فلسطين الطهور، لم يبلغ حينذاك سماحته الخامسة من عمره بعد، وكانت والدته قد سبقت والده إلى الوفاة وهو في الثالثة من عمره، فأضحى يتيم الأبوين، فكفلته عمّته المرحومة الشيخة مريم محيلان.
تلقى علومه الأولى في كُتّاب قريته حافظا للقرآن الكريم، وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، ولكن الطفل اليتيم كان يستذكر دائما كلام والده له في أمنيته أن يراه قاضيا، وبقي هذا الحلم يلح عليه، وما أن شبّ عن الطوق حتى غادر مع قوافل الجِمال إلى عكا؛ ليلتحق بالجامع الجزار الذي سمع عنه من أحد شيوخه في الكُتّاب، وفي الجزار حصل على (الماترك) الفلسطيني الذي أهّله لمتابعة دراسته في الأزهر الشريف.
التحق بجامع الأزهر، وتلقى فيه علومه على كبار الأساتذة والشيوخ، ومنهم:
1. سماحة شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت
2. سماحة الشيخ مصطفى عبدالرزاق
اختص بالقضاء الشرعي، وحصل على درجة العالِميّة سنة 1947م ممهورة بتوقيع الملك فاروق.
وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى في الثامن من آذار سنة 2006م، ودفن – بناء على وصيته – في العاصمة عمّان و ووري جثمانه الطاهر في مقبرة شفا بدران في ظلال شجر البطم الأطلسي الذي جاوز عمره الألف عام، ولا يزال أصله ثابتا وفرعه يعانق السماء.
الوظائف التي شغلها:
تدرج سماحته على مدىً يقارب الخمسين عاما في تولي المهام الوظيفية التالية:
• كاتب خلال السنوات (1947 – 1949) في محاكم جرش، والسلط، والكرك، وإربد.
• رئيس كتّاب سنة (1951) في محكمة إربد.
• قاضٍ شرعي خلال السنوات (1952 – 1967)، إضافة إلى توليه شؤون صندوق الأيتام في مادبا، ومعان، ورام الله، والخليل، وعمّان.
• قاضٍ في محكمة الاستئناف الشرعية خلال السنوات (1968 – 1978).
• مفتش المحاكم الشرعية خلال المدة: (1979 – 1980).
• مدير المحاكم الشرعية خلال السنوات: (1980 – 1984).
• قاضي القضاة خلال السنوات: (1984 – 1992).
وقد كان لهذا التدرج الوظيفي أثر كبير في إلمام سماحته بكل جوانب وتفاصيل ودقائق مهنته في القضاء الشرعي، كما كان لعمله في مواقع متعددة من الوطن: بواديه، وقُراه، ومدنه في شرقيّ الأردن وغربيّه حسن اتصال مع شرائح المجتمع الأردني من كافة أصوله ومنابته.
اللجان التي ترأسها أو كان عضوا فيها:
• رئيس لجنة تعديل قانون الأحوال الشخصية
• رئيس مجلس إدارة وتنمية صندوق أموال الأيتام
• عضو لجنة التأسيس لمنح درجة الماجستير في القضاء الشرعي في الجامعة الأردنية
• عضو لجنة امتحان المسابقة القضائية
• عضو لجنة المجلس التأديبي لموظفي المحاكم الشرعية
• ممثل دائرة قاضي القضاة في منظمة الأسرة العربية
• عضو مجلس المركز الثقافي الإسلامي
• عضو مجلس صندوق الزكاة
• عضو لجنة مشروع تعليمات الخطابة والإمامة والوعظ والإرشاد والإشراف على المراكز الإسلامية ودور القرآن الكريم
• عضو اللجنة الاستشارية الدائمة لشؤون الوعظ والإرشاد
• عضو اللجنة الملكية لشؤون القدس
• عضو لجنة إعمار المسجد الأقصى
• عضو مشارك في مؤتمرات المجمع العلمي لبحوث الحضارة الإسلامي
• عضو لجنة مناقشة نظام الخدمة المدنية ونظام مجلس الخدمة المدنية وتنظيمه
الجوائز والأوسمة:
حاز سماحته وسام الاستقلال سنة 1992م في عهد جلالة المغفور له –بإذن الله- الملك الحسين بن طلال. وجائزة آغا خان لعمارة المسجد الأقصى سنة 1986م.
الجوائز التي منحت باسمه:
• جائزة المرحوم سماحة الشيخ محمد محيلان منحت للأول في درجة الدكتوراه في القضاء الشرعي في الجامعة الأردنية مقدمة من نجله الأستاذ الدكتور مجلي محيلان.
• جائزة المرحوم سماحة الشيخ محمد محيلان منحت للأول في درجة الماجستير في القضاء الشرعي في الجامعة الأردنية مقدمة من نجله الأستاذ الدكتور مجلي محيلان.
مؤلفاته:
1. القضاء الشرعي الأردني في العهد الهاشمي من سنة (1921م-1986م) تأسيسه ومراحل تطوره.
طبعته: شركة مطابع عودة وكوبري، سنة 1986م.
والذي حفزه على تأليف هذا الكتاب الذي يقع في 190 صفحة من القطع المتوسط، هو أنه لم يجد أي بحث أو دراسة أو كتاب يتناول القضاء الشرعي الأردني في العهد الهاشمي منذ تأسيس الإمارة حتى سنة تأليفه هذا الكتاب سنة 1986م؛ فرأى من منطلق الإحساس بواجبه ومن واقع تصوره، وممارسته للعمل في جهاز القضاء الشرعي الأردني مدة طويلة شارك فيها مع أصحاب السماحة والفضيلة، سواء ممن التحق بالرفيق الأعلى – مغفورا له بإذن الله – أو ممن ما زال على قيد الحياة حينها في بذل أقصى الجهود لتطوير القضاء الشرعي الأردني، وذلك بتحديث قوانينه وأنظمته واختيار الأحكام الشرعية من المذاهب الإسلامية المعتبرة مراعين في ذلك المبدأ القائل:»إن الأحكام تتغير بتغير الأزمان».
قدم لهذا الكتاب بمقدمة جعلها الباب الأول للكتاب، وفيها تحدث تاريخيا عن أحوال الأردن قبل تأسيس الإمارة وبعد أن صار كيانا ودولة مستقلة، كما تناول فيها القضاء بصورة عامة. وفي الباب الثاني تحدث عن القضاء الشرعي الأردني في العهد الهاشمي تأسيسه ومراحل تطوره. وفي الباب الثالث بين كيفية سير العمل في المحاكم الشرعية وطريقة تحديثه بنماذج توضح ذلك. أما الباب الرابع فقد ضمنه ملاحق أعطت صورة مشرقة للجهد الذي بذلته المحاكم في عهده على اختلاف درجاتها، كما أدرج قائمة بأسماء أصحاب السماحة والفضيلة الذين كان لهم شرف تولي منصب قاضي القضاة منذ تأسيس الإمارة وحتى تاريخ تأليف الكتاب سنة 1986م.
2. القضاء الشرعي في الأردن، (ضمن سلسلة الكتاب الأم في تاريخ الأردن).
من منشورات لجنة تاريخ الأردن، سنة: 1994م.
وهذا الكتاب يمثل الحلقة التاسعة والعشرين من سلسلة الكتاب الأم في تاريخ الأردن.
وهو كتاب مكثف موجز يقع في خمس وأربعين صفحة من القطع المتوسط، الغاية منه التعريف بالقضاء الشرعي في الأردن.
وقد مهد له بمختصر مفيد عن القضاء الشرعي في مرحلة ما قبل الإمارة. ثم تناول مرحلة الإمارة (1921-1946)، انتقل بعدها إلى مرحلة المملكة (1946م) حتى سنة تأليف الكتاب (1994م)، مستعرضا في كل مرحلة قوانين تشكيل المحاكم الشرعية، وقوانين أصول المحاكمات، وقوانين الأحوال الشخصية.
إسهاماته في تطوير مسيرة القضاء الشرعي:
إن مسيرة سماحته في سلك القضاء تؤرخ لمسيرة القضاء الشرعي الأردني منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، وقد عاين تأسيس القضاء الأردني وتطويره في العهد الهاشمي، ووضع في ذلك كتابين يؤرخان للقضاء الشرعي.
إسهاماته في تطوير
القضاء الشرعي الاردني
أولاً: قانون الأحوال الشخصية المؤقت رقم 61 لسنة 1976م:
إن هذا القانون الذي لا تزيد مواده على (178) مادة إذا قورن بالقوانين السابقة التي كانت تسير عليها المحاكم الشرعية نجده قد اشتمل على أحكام لم تكن موجودة فيها؛ وذلك لأن القوانين السابقة كانت تأخذ بالمذهب الحنفي، ومن القليل النادر أن تأخذ بعض المواد من المذاهب الإسلامية الأخرى، غير أن هذا القانون أخذ من المذاهب الإسلامية الأربعة ومن غيرها كمذهب الظاهرية.
ونذكر بعض مزايا هذا القانون على غيره من التشريعات السابقة على سبيل المثال لا الحصر:
- الاشتراط في عقد الزواج: أتاحت (المادة: 19) لأي من الزوجين أن يشترط شرطا نافعا له على الآخر ما لم يكن منافيا لمقاصد الزواج، ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعا، فإن مثل هذا الشرط يكون معتبرا إذا سجل في وثيقة العقد.
- الكفاءة: اعتبرت (المادة: 20) أن الرجل كفؤٌ للمرأة إذا كان قادرا على المهر المعجل ونفقة الزوجة، وتراعى الكفاءة عند العقد فإذا زالت بعده فلا يؤثر ذلك على الزواج، والملاحظ هنا أنه لا تشترط كفاءة النسب أو المهنة.
- الطلاق: كان الطلاق البائن بينونة كبرى في القوانين السابقة يقع إذا طلق الزوج زوجته ثلاث مرات في مجلس واحد، غير أن هذا القانون وانطلاقا من سعيه للحفاظ على الأسرة متماسكة اعتبر أن مثل هذا الطلاق لا يقع إلا طلقة واحدة رجعية، وأن الطلاق البائن بينونة كبرى يقع بعد ثلاث مرات وفي ثلاثة مجالس متفرقات وذلك طبقا لما جاء في (المادة: 85) من أن الزوج يملك على زوجته ثلاث طلقات متفرقات في ثلاثة مجالس.
- التفريق: نصت (المادة: 132) على أنه إذا ظهر نزاع وشقاق بين الزوجين فلكل منهما أن يطلب التفريق إذا ادّعى إضرار الآخر به قولا أو فعلا بحيث لا يمكن مع هذا الإضرار استمرار الحياة الزوجية.
- طلاق التعسف: إن الشرع الشريف عندما أعطى الزوج حق ثلاث طلقات على زوجته اشترط عليه أن تعيش معه زوجته بالمعروف، أو فليكن طلاقها بإحسان وبسبب مشروع، وإلا كان الزوج متعسفا في استعمال هذا الحق يلزمه الشرع بالتعويض أو المتعة المشروعة؛ وبالتالي أتاحت (المادة: 134) للزوجة أن تطلب من المحكمة التعويض لسوء استعمال زوجها حقه عندما طلقها، وتحكم لها المحكمة بالتعويض الذي تراه مناسبا بشرط ألا يتجاوز نفقة سنة. وقد خففت هذه المادة كثيرا من حالات إقدام الأزواج على الطلاق دون الاتفاق مع زوجاتهم.
- الحضانة: كانت حضانة الأم في القوانين السابقة لا تتعدى 11 سنة للأنثى، و9 سنين للذكر، ولكن المشرّع راعى حال المحضون الذي غالبا لا يستغني عن حضانة النساء، فجعلت (المادة 155) حضانة الام تمتد إلى بلوغ المحضون ذكرا كان أم أنثى البلوغ الحكمي، وقد قررت محكمة الاسئناف أن البلوغ الحكمي هو بلوغ المحضون 15 سنة.
- الرد على أحد الزوجين في التركة: قبل سنة 1976م لم تكن القوانين تجيز الرد على أحد الزوجين، وقد ذكرت (المادة: 186) الشروط والحالات التي يجوز فيها الرد على أحد الزوجين كما تضمنت الحالة التي يرد فيها على وزارة الأوقاف العامة.
- الوصية الواجبة: كان الأحفاد الذين توفي آباؤهم حال حياة أجدادهم أو جداتهم لا يرثون من تركة الجد أو الجدة؛ لأنهم محجوبون بأبناء الجد (أعمام الأحفاد)، والمذاهب الأربعة شبه متفقة على ذلك.
ولكن المشرّع الأردني رأى أن من العدالة لهؤلاء الأحفاد الذهاب إلى ما ذهب إليه الإمامان: داود وابن حزم الظاهريان من إعطاء الأحفاد حصة والدهم من التركة على اعتبار الوصية الواردة في الآية الكريمة: }كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ{ البقرة: 180[ ، وبذلك أعطت (المادة: 182) من باب الوصية وليس الميراث للأحفاد مقدار حصة أبيهم من الميراث فيما لو كان حيا، كما تضمنت هذه المادة المقدار والشروط المبينة للوصية.
ثانياً: قانون رقم 3 لسنة 1986م – قانون معدّل لقانون المحامين الشرعيين:
عُدِّلت (المادة: 6) من القانون الأصلي بإضافة الفقرة (3) وهي:
بالرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر، يكون للمحامي حق التصديق على تواقيع موكليه على الوكالات الخصوصية إذا تعلق التوكيل بأحد الأمور المنصوص عليها في (المادة: 2) من هذا القانون باستثناء إيقاع الطلاق أو إجراء عقد الزواج أو القبض فيشترط أن تنظّم لدى إحدى المحاكم الشرعية، ويكون للمحامي في كل الحالات مسؤولاً شخصياً عن صحة هذه التواقيع. أما الوكالات العامة التي تتضمن قيام المحامي عن موكله بجميع ما يتعلق بالأموال والأعمال التي تدخل ضمن اختصاص المحاكم الشرعية فيتم تنظيمها لدى كاتب العدل أو لدى المحاكم.
ثالثاً: نظام الرسوم رقم 55 لسنة 1983م:
وقد زاد هذا النظام من دخل الدولة أضعافا مضاعفة، وكان الدخل قبل سنة 1983م يتراوح ما بين مائتين وخمسين ألفا إلى ثلاثمئة ألف، لكنه وصل سنة 1985م مليوناً ومائتين وثمانين ألف دينار أردني.
(الكتاب رقم 6/3/323 تاريخ: 28/ربيع الثاني/1406هـ - الموافق: 9/كانون الثاني/1986م).
وهذا يظهر بجلاء الجهد الذي كان يبذله سماحته حينها في المتابعة المستمرة للمحاكم الشرعية، وتشكيله للجان المتخصصة للإشراف والتدقيق على الأمور المالية.
رابعاً: القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976م (وهو قانون مؤقت):
وقد أسهم – رحمه الله – في إعداد مواد القانون المدني الأردني، وهو قانون منبثق من الشريعة الإسلامية ويتناول أحكام المعاملات مستمدة من الفقه الإسلامي بأحكامه الواسعة المتفتحة على الحياة وقواعده المتطورة.
ويقع القانون في نحو 1448 مادة وتستند كل مادة من مواده إلى مأخذها في القانون المعاصر ومرجعها الفقهي.
وقد جاء هذا القانون رائداً محققاً رغبة طالما تمناها رجال القضاء الشرعي والنظامي ورجال القانون.
خامساً: التوثيقات:
وهي بصمة كبرى تسجل لسماحته وتكشف سعيه الدائم إلى التحديث والتطوير، وذلك لتسهيل الإجراءات على المواطنين في المحاكم الشرعية. والتوثيقات هي كل ما يتعلق بالبيّنات الكتابية، وقد عني بها علماء المسلمين، ووضعوا لها علماً خاصاً بها هو علم الوثائق.
وقد كان الروتين يجعل المواطن يمل متابعة معاملته، ولولا حاجته الماسة إليها لتركها قبل أن تنجزها المحاكم، إذ كان الطلب أو الاستدعاء يقدم ضمن مضبطة وممهورة بخاتم المختار وأعضاء الهيئة الاختيارية في المنطقة التي يسكنها صاحب المعاملة، وذلك في كثير من المعاملات كحصر الإرث، وتعيين الأولياء، والأوصياء والقيّم، والعزوبة، وخلو الموانع، والإعالة، والمحرمية وما شابه ذلك.
أما معاملة عقد الزواج فكانت تختم من مختارين وهيئتين وذلك إذا كان كل من الخاطبين يسكن في غير منطقة الآخر.
وكم كان المواطن يعاني من ذلك؟ فالبحث عن المختار وأعضاء الهيئة يحتاج إلى وقت وجهد، بالإضافة إلى التكاليف المادية التي يتطلبها ختم المعاملة إذ إن كثيرا من المخاتير كان يختم المعاملات ليس بسبب معرفة أصحابها بل في مقابل ما يدفع لهم!
وكان الراغب في الزواج رجلا أو امرأة يكلف بإحضار شهادة عزوبة مدموغة بخاتم المختار، ومصدّقة من المحكمة الشرعية في منطقته وذلك إذا أراد إجراء العقد في محكمة الطرف الثاني.
وكان أصحاب العلاقة لكل معاملة مهما كان نوعها يكلفون بإحضار شاهدين، سواء أكانت الشهادة شرطا لصحتها أم لم تكن، فبعض المعاملات يحتاج إلى تعريف فقط، وهذا يتم بالوثائق الثبوتية أو الشهرة التي تغني عن التعريف، وبعضها يحتاج إلى شهادة لصحة المعاملة وبعضها يحتاج إلى إخبار.
وكان النظر يؤجل في بعض المعاملات من وقت لآخر ويكلف أصحابها بالحضور عدة مرات تحسبا من أن المعلومات الواردة فيها غير صحيحة.
وبرغم كل هذه الإجراءات فقد كانت معاملات كثيرة لا تخلو من الخطأ في الشكل أو المضمون؛ وذلك لأن الحجج كانت تكتب باليد في سجلات المحاكم الشرعية، ثم ينسخ عنها الأصل، ثم تنسخ الصور المطلوبة مهما كان عددها، وهو أمر يستغرق كثيرا من وقت القاضي والموظفين، ويتسبب في تأجيل إعطاء الأصل، والصور المطلوبة عدة أيام.
لقد عايش سماحته همّ المواطنين ومعاناتهم من هذه الإجراءات فعمل على وضع أسلوب في العمل يسهل أعمال المحاكم الشرعية، ويخفف على أصحاب العلاقة من المراجعين، وصدر تعميم (رقم: 5/22/4321، تاريخ: 22/11/1987م) جاء فيه أنه لا حاجة للتعريف عن الأشخاص المعروفي الذات، ويجري التعريف بالوثائق الرسمية على غيرهم، وذلك في المعاملات التي تحتاج إلى تعريف فقط، ولا تحتاج إلى شهادة مؤيدة أو إخبار. ثم تبع ذلك إجراء يقضي بعدم ضرورة مراجعة مخاتير للحصول على مضابط موقّعة منهم كشرط أولي ضروري لصحة تسجيل أي حجة شرعية، علما أن الحجج التي تسجل في المحاكم الشرعية كثيرة.
ثم ألغيت جميع المضابط داخل المملكة وصار يكتفى بتحقيقات القاضي الذي تعرض المعاملة أمامه ليتأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع على أن تقدم المعلومات للازمة باستدعاء مقدّم من أصحاب العلاقة وعلى مسؤولياتهم.
وفي عام 1979م أوعز سماحته بطباعة نماذج رسمية لجميع أنواع الحجج والتوثيقات الشرعية، يقوم الكاتب بتعبئة النموذج حسب المعلومات التي يقدمها صاحب العلاقة ثم تختم بالخاتم الرسمي وتلصق عليها الطوابع القانونية بعد استيفاء الرسوم، وأخيرا توقع من القاضي؛ وبذلك تصير حجة قطعية على ما نظمت لأجله سندا للمادة (75 من قانون أصول المحاكمات الشرعية) وصار بإمكان صاحب الحجة أخذ العدد الذي يريده من صور الحجة خلال بضع دقائق.
ولقد سعى سماحته إلى تأصيل مسلكيات جديدة في عمله فكان يعقد دورات أو ورشات عمل تدريبية للقضاة: يفترض واقعة، ويطلب إجراء محاكمة صورية، ثم يتداول الرأي مع القضاة في مواطن الصحة والخلل في دقائق المحاكمة وتفاصيلها.
كما استحدث سماحته ما يعرف الآن بالخط الساخن ليبقى على اتصال مع الجمهور في ما يتعلق بسرعة العمل وإنجاز المعاملات، كما اختصر كثيرا من الإجراءات لإنجاز الدعاوى والمعاملات ولخصها بالخطوات التالية:
أولاً: الدعاوى:
تقدم الدعوى على لائحة خطية على نسختين أو أكثر حسب عدد المدّعى عليهم، وبعد استيفاء رسمها تسجل في سجل الأساس وتعطى الرقم المتسلسل ويعين موعد لرؤيتها ليتسنى تبليغ المدعى عليه.
في اليوم المعين إذا حضر الطرفان تنظر المحكمة في الدعوى وتصدر قرار الحكم إذا توفرت أسبابه.
إذا لم تتوفر أسباب الحكم في الجلسة تؤجل المحكمة رؤية الدعوى إلى جلسة أخرى لإبراز البينات أو الاستماع للشهود أو إحضار الخبراء مثلا ثم تصدر قرار الحكم.
إذا لم يحضر الطرفان في اليوم المعين أو لم يحضر المدعي وحضر المدعى عليه وطلب الإسقاط تصدر المحكمة قرار الإسقاط.
ثانياً: التوثيقات:
يقدم صاحب العلاقة استدعاء يتمضن طلبه، وبعد النظر فيه والتحقق من الشروط المطلوبة يستوفي رسمه، ثم يسلم استدعاءه للكاتب لتعبئة النموذج المعدّ لموضوع الحجة المطلوبة.
إذا كان موضوع الحجة لا يحتاج إلى شهادة شهود أو إخبار ثقات فلا يطلب من صاحب العلاقة إلا إثبات شخصيته بإحدى الوثائق الرسمية المعتبرة إذا لم يكن معروف الذات للقاضي.
إذا كان يشترط لصحة موضوع الحجة شهادة الشهود أو الإخبار فيكلف صاحب العلاقة بإحضار الشهود أو الخبراء في الحال دون تأجيل.
يعطى صاحب العلاقة أصل الحجة والعدد الذي يحتاجه من صورها في الحال.
ثالثاً: صور الوثائق وتصديقها
يكتفي صاحب العلاقة بطلب شفوي لتصديق صورة أو أكثر لأي وثيقة مسجلة لدى المحكمة الشرعية دون كتابة استدعاء. تصدق الوثيقة مباشرة بعد تدقيقها.
الخاتمة:
فقد كان – رحمه الله – ينظر إلى مهنته على أنها خدمة يؤديها للناس، لا تشريف لصاحبها، فكم سمعناه يردد معتزا: خدمت في إربد، وخدمت في الخليل، وخدمت في عمان، وهو منظور للعمل غائب عن كثيرين، وقد كان لخدمته في ضفتي الأردن: الشرقية والغربية قيمة في اتساع أفقه، ومحو أي نزعة إقليمية وهي بغيضة، وأشد بغضاً إن اتصف بها – لا سمح الله قاضٍ – وكان يحث أحفاده ممن ترتد أصولهم البعيدة إلى يعبد/جنين على ضرورة الاعتزاز بأصولهم، وكم حدثهم عن الشيخ عز الدين القسام وقصة استشهاده في يعبد.
فهذه جوانب من حياة القاضي الإنسان: سماحة الشيخ محمد محيلان.
والسلام عليه يوم ولد في هذه الأرض الطيبة المباركة. والسلام عليه يوم توفي قاضياً نزيهاً عفيفاً جريئاً لا يخشى في الحق لومة لائم، أباً معلماً، اتسع فصار بحجم الوطن خدمة في مدنه وقراه وبواديه. والسلام عليه حين يبعث عند الله راضياً مرضياً عنه في جناته بإذن رب العالمين.
في قرية سوم (إربد) ولد سماحة الشيخ محمد محمود محيلان سنة 1922م في بيت علم، فقد تلقى والده المرحوم محمود محيلان علومه في الحقوق في جامعة أضنة بتركيا، مع المرحوم علي نيازي التل، وكان ذلك في عهد الخلافة العثمانية، وكان يحمل في قريته لقب: (أبو طربوش)؛ لأنه بعد أن أتم تعليمه في تركيا عاد مرتديا الطربوش على عادة المتعلمين في تلك المرحلة، لكن المرض عاجله وهو في مطلع شبابه، فتوفي ودفن في القدس إلى جوار المسجد الأقصى راقدا على ثرى فلسطين الطهور، لم يبلغ حينذاك سماحته الخامسة من عمره بعد، وكانت والدته قد سبقت والده إلى الوفاة وهو في الثالثة من عمره، فأضحى يتيم الأبوين، فكفلته عمّته المرحومة الشيخة مريم محيلان.
تلقى علومه الأولى في كُتّاب قريته حافظا للقرآن الكريم، وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، ولكن الطفل اليتيم كان يستذكر دائما كلام والده له في أمنيته أن يراه قاضيا، وبقي هذا الحلم يلح عليه، وما أن شبّ عن الطوق حتى غادر مع قوافل الجِمال إلى عكا؛ ليلتحق بالجامع الجزار الذي سمع عنه من أحد شيوخه في الكُتّاب، وفي الجزار حصل على (الماترك) الفلسطيني الذي أهّله لمتابعة دراسته في الأزهر الشريف.
التحق بجامع الأزهر، وتلقى فيه علومه على كبار الأساتذة والشيوخ، ومنهم:
1. سماحة شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت
2. سماحة الشيخ مصطفى عبدالرزاق
اختص بالقضاء الشرعي، وحصل على درجة العالِميّة سنة 1947م ممهورة بتوقيع الملك فاروق.
وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى في الثامن من آذار سنة 2006م، ودفن – بناء على وصيته – في العاصمة عمّان و ووري جثمانه الطاهر في مقبرة شفا بدران في ظلال شجر البطم الأطلسي الذي جاوز عمره الألف عام، ولا يزال أصله ثابتا وفرعه يعانق السماء.
الوظائف التي شغلها:
تدرج سماحته على مدىً يقارب الخمسين عاما في تولي المهام الوظيفية التالية:
• كاتب خلال السنوات (1947 – 1949) في محاكم جرش، والسلط، والكرك، وإربد.
• رئيس كتّاب سنة (1951) في محكمة إربد.
• قاضٍ شرعي خلال السنوات (1952 – 1967)، إضافة إلى توليه شؤون صندوق الأيتام في مادبا، ومعان، ورام الله، والخليل، وعمّان.
• قاضٍ في محكمة الاستئناف الشرعية خلال السنوات (1968 – 1978).
• مفتش المحاكم الشرعية خلال المدة: (1979 – 1980).
• مدير المحاكم الشرعية خلال السنوات: (1980 – 1984).
• قاضي القضاة خلال السنوات: (1984 – 1992).
وقد كان لهذا التدرج الوظيفي أثر كبير في إلمام سماحته بكل جوانب وتفاصيل ودقائق مهنته في القضاء الشرعي، كما كان لعمله في مواقع متعددة من الوطن: بواديه، وقُراه، ومدنه في شرقيّ الأردن وغربيّه حسن اتصال مع شرائح المجتمع الأردني من كافة أصوله ومنابته.
اللجان التي ترأسها أو كان عضوا فيها:
• رئيس لجنة تعديل قانون الأحوال الشخصية
• رئيس مجلس إدارة وتنمية صندوق أموال الأيتام
• عضو لجنة التأسيس لمنح درجة الماجستير في القضاء الشرعي في الجامعة الأردنية
• عضو لجنة امتحان المسابقة القضائية
• عضو لجنة المجلس التأديبي لموظفي المحاكم الشرعية
• ممثل دائرة قاضي القضاة في منظمة الأسرة العربية
• عضو مجلس المركز الثقافي الإسلامي
• عضو مجلس صندوق الزكاة
• عضو لجنة مشروع تعليمات الخطابة والإمامة والوعظ والإرشاد والإشراف على المراكز الإسلامية ودور القرآن الكريم
• عضو اللجنة الاستشارية الدائمة لشؤون الوعظ والإرشاد
• عضو اللجنة الملكية لشؤون القدس
• عضو لجنة إعمار المسجد الأقصى
• عضو مشارك في مؤتمرات المجمع العلمي لبحوث الحضارة الإسلامي
• عضو لجنة مناقشة نظام الخدمة المدنية ونظام مجلس الخدمة المدنية وتنظيمه
الجوائز والأوسمة:
حاز سماحته وسام الاستقلال سنة 1992م في عهد جلالة المغفور له –بإذن الله- الملك الحسين بن طلال. وجائزة آغا خان لعمارة المسجد الأقصى سنة 1986م.
الجوائز التي منحت باسمه:
• جائزة المرحوم سماحة الشيخ محمد محيلان منحت للأول في درجة الدكتوراه في القضاء الشرعي في الجامعة الأردنية مقدمة من نجله الأستاذ الدكتور مجلي محيلان.
• جائزة المرحوم سماحة الشيخ محمد محيلان منحت للأول في درجة الماجستير في القضاء الشرعي في الجامعة الأردنية مقدمة من نجله الأستاذ الدكتور مجلي محيلان.
مؤلفاته:
1. القضاء الشرعي الأردني في العهد الهاشمي من سنة (1921م-1986م) تأسيسه ومراحل تطوره.
طبعته: شركة مطابع عودة وكوبري، سنة 1986م.
والذي حفزه على تأليف هذا الكتاب الذي يقع في 190 صفحة من القطع المتوسط، هو أنه لم يجد أي بحث أو دراسة أو كتاب يتناول القضاء الشرعي الأردني في العهد الهاشمي منذ تأسيس الإمارة حتى سنة تأليفه هذا الكتاب سنة 1986م؛ فرأى من منطلق الإحساس بواجبه ومن واقع تصوره، وممارسته للعمل في جهاز القضاء الشرعي الأردني مدة طويلة شارك فيها مع أصحاب السماحة والفضيلة، سواء ممن التحق بالرفيق الأعلى – مغفورا له بإذن الله – أو ممن ما زال على قيد الحياة حينها في بذل أقصى الجهود لتطوير القضاء الشرعي الأردني، وذلك بتحديث قوانينه وأنظمته واختيار الأحكام الشرعية من المذاهب الإسلامية المعتبرة مراعين في ذلك المبدأ القائل:»إن الأحكام تتغير بتغير الأزمان».
قدم لهذا الكتاب بمقدمة جعلها الباب الأول للكتاب، وفيها تحدث تاريخيا عن أحوال الأردن قبل تأسيس الإمارة وبعد أن صار كيانا ودولة مستقلة، كما تناول فيها القضاء بصورة عامة. وفي الباب الثاني تحدث عن القضاء الشرعي الأردني في العهد الهاشمي تأسيسه ومراحل تطوره. وفي الباب الثالث بين كيفية سير العمل في المحاكم الشرعية وطريقة تحديثه بنماذج توضح ذلك. أما الباب الرابع فقد ضمنه ملاحق أعطت صورة مشرقة للجهد الذي بذلته المحاكم في عهده على اختلاف درجاتها، كما أدرج قائمة بأسماء أصحاب السماحة والفضيلة الذين كان لهم شرف تولي منصب قاضي القضاة منذ تأسيس الإمارة وحتى تاريخ تأليف الكتاب سنة 1986م.
2. القضاء الشرعي في الأردن، (ضمن سلسلة الكتاب الأم في تاريخ الأردن).
من منشورات لجنة تاريخ الأردن، سنة: 1994م.
وهذا الكتاب يمثل الحلقة التاسعة والعشرين من سلسلة الكتاب الأم في تاريخ الأردن.
وهو كتاب مكثف موجز يقع في خمس وأربعين صفحة من القطع المتوسط، الغاية منه التعريف بالقضاء الشرعي في الأردن.
وقد مهد له بمختصر مفيد عن القضاء الشرعي في مرحلة ما قبل الإمارة. ثم تناول مرحلة الإمارة (1921-1946)، انتقل بعدها إلى مرحلة المملكة (1946م) حتى سنة تأليف الكتاب (1994م)، مستعرضا في كل مرحلة قوانين تشكيل المحاكم الشرعية، وقوانين أصول المحاكمات، وقوانين الأحوال الشخصية.
إسهاماته في تطوير مسيرة القضاء الشرعي:
إن مسيرة سماحته في سلك القضاء تؤرخ لمسيرة القضاء الشرعي الأردني منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، وقد عاين تأسيس القضاء الأردني وتطويره في العهد الهاشمي، ووضع في ذلك كتابين يؤرخان للقضاء الشرعي.
إسهاماته في تطوير
القضاء الشرعي الاردني
أولاً: قانون الأحوال الشخصية المؤقت رقم 61 لسنة 1976م:
إن هذا القانون الذي لا تزيد مواده على (178) مادة إذا قورن بالقوانين السابقة التي كانت تسير عليها المحاكم الشرعية نجده قد اشتمل على أحكام لم تكن موجودة فيها؛ وذلك لأن القوانين السابقة كانت تأخذ بالمذهب الحنفي، ومن القليل النادر أن تأخذ بعض المواد من المذاهب الإسلامية الأخرى، غير أن هذا القانون أخذ من المذاهب الإسلامية الأربعة ومن غيرها كمذهب الظاهرية.
ونذكر بعض مزايا هذا القانون على غيره من التشريعات السابقة على سبيل المثال لا الحصر:
- الاشتراط في عقد الزواج: أتاحت (المادة: 19) لأي من الزوجين أن يشترط شرطا نافعا له على الآخر ما لم يكن منافيا لمقاصد الزواج، ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعا، فإن مثل هذا الشرط يكون معتبرا إذا سجل في وثيقة العقد.
- الكفاءة: اعتبرت (المادة: 20) أن الرجل كفؤٌ للمرأة إذا كان قادرا على المهر المعجل ونفقة الزوجة، وتراعى الكفاءة عند العقد فإذا زالت بعده فلا يؤثر ذلك على الزواج، والملاحظ هنا أنه لا تشترط كفاءة النسب أو المهنة.
- الطلاق: كان الطلاق البائن بينونة كبرى في القوانين السابقة يقع إذا طلق الزوج زوجته ثلاث مرات في مجلس واحد، غير أن هذا القانون وانطلاقا من سعيه للحفاظ على الأسرة متماسكة اعتبر أن مثل هذا الطلاق لا يقع إلا طلقة واحدة رجعية، وأن الطلاق البائن بينونة كبرى يقع بعد ثلاث مرات وفي ثلاثة مجالس متفرقات وذلك طبقا لما جاء في (المادة: 85) من أن الزوج يملك على زوجته ثلاث طلقات متفرقات في ثلاثة مجالس.
- التفريق: نصت (المادة: 132) على أنه إذا ظهر نزاع وشقاق بين الزوجين فلكل منهما أن يطلب التفريق إذا ادّعى إضرار الآخر به قولا أو فعلا بحيث لا يمكن مع هذا الإضرار استمرار الحياة الزوجية.
- طلاق التعسف: إن الشرع الشريف عندما أعطى الزوج حق ثلاث طلقات على زوجته اشترط عليه أن تعيش معه زوجته بالمعروف، أو فليكن طلاقها بإحسان وبسبب مشروع، وإلا كان الزوج متعسفا في استعمال هذا الحق يلزمه الشرع بالتعويض أو المتعة المشروعة؛ وبالتالي أتاحت (المادة: 134) للزوجة أن تطلب من المحكمة التعويض لسوء استعمال زوجها حقه عندما طلقها، وتحكم لها المحكمة بالتعويض الذي تراه مناسبا بشرط ألا يتجاوز نفقة سنة. وقد خففت هذه المادة كثيرا من حالات إقدام الأزواج على الطلاق دون الاتفاق مع زوجاتهم.
- الحضانة: كانت حضانة الأم في القوانين السابقة لا تتعدى 11 سنة للأنثى، و9 سنين للذكر، ولكن المشرّع راعى حال المحضون الذي غالبا لا يستغني عن حضانة النساء، فجعلت (المادة 155) حضانة الام تمتد إلى بلوغ المحضون ذكرا كان أم أنثى البلوغ الحكمي، وقد قررت محكمة الاسئناف أن البلوغ الحكمي هو بلوغ المحضون 15 سنة.
- الرد على أحد الزوجين في التركة: قبل سنة 1976م لم تكن القوانين تجيز الرد على أحد الزوجين، وقد ذكرت (المادة: 186) الشروط والحالات التي يجوز فيها الرد على أحد الزوجين كما تضمنت الحالة التي يرد فيها على وزارة الأوقاف العامة.
- الوصية الواجبة: كان الأحفاد الذين توفي آباؤهم حال حياة أجدادهم أو جداتهم لا يرثون من تركة الجد أو الجدة؛ لأنهم محجوبون بأبناء الجد (أعمام الأحفاد)، والمذاهب الأربعة شبه متفقة على ذلك.
ولكن المشرّع الأردني رأى أن من العدالة لهؤلاء الأحفاد الذهاب إلى ما ذهب إليه الإمامان: داود وابن حزم الظاهريان من إعطاء الأحفاد حصة والدهم من التركة على اعتبار الوصية الواردة في الآية الكريمة: }كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ{ البقرة: 180[ ، وبذلك أعطت (المادة: 182) من باب الوصية وليس الميراث للأحفاد مقدار حصة أبيهم من الميراث فيما لو كان حيا، كما تضمنت هذه المادة المقدار والشروط المبينة للوصية.
ثانياً: قانون رقم 3 لسنة 1986م – قانون معدّل لقانون المحامين الشرعيين:
عُدِّلت (المادة: 6) من القانون الأصلي بإضافة الفقرة (3) وهي:
بالرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر، يكون للمحامي حق التصديق على تواقيع موكليه على الوكالات الخصوصية إذا تعلق التوكيل بأحد الأمور المنصوص عليها في (المادة: 2) من هذا القانون باستثناء إيقاع الطلاق أو إجراء عقد الزواج أو القبض فيشترط أن تنظّم لدى إحدى المحاكم الشرعية، ويكون للمحامي في كل الحالات مسؤولاً شخصياً عن صحة هذه التواقيع. أما الوكالات العامة التي تتضمن قيام المحامي عن موكله بجميع ما يتعلق بالأموال والأعمال التي تدخل ضمن اختصاص المحاكم الشرعية فيتم تنظيمها لدى كاتب العدل أو لدى المحاكم.
ثالثاً: نظام الرسوم رقم 55 لسنة 1983م:
وقد زاد هذا النظام من دخل الدولة أضعافا مضاعفة، وكان الدخل قبل سنة 1983م يتراوح ما بين مائتين وخمسين ألفا إلى ثلاثمئة ألف، لكنه وصل سنة 1985م مليوناً ومائتين وثمانين ألف دينار أردني.
(الكتاب رقم 6/3/323 تاريخ: 28/ربيع الثاني/1406هـ - الموافق: 9/كانون الثاني/1986م).
وهذا يظهر بجلاء الجهد الذي كان يبذله سماحته حينها في المتابعة المستمرة للمحاكم الشرعية، وتشكيله للجان المتخصصة للإشراف والتدقيق على الأمور المالية.
رابعاً: القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976م (وهو قانون مؤقت):
وقد أسهم – رحمه الله – في إعداد مواد القانون المدني الأردني، وهو قانون منبثق من الشريعة الإسلامية ويتناول أحكام المعاملات مستمدة من الفقه الإسلامي بأحكامه الواسعة المتفتحة على الحياة وقواعده المتطورة.
ويقع القانون في نحو 1448 مادة وتستند كل مادة من مواده إلى مأخذها في القانون المعاصر ومرجعها الفقهي.
وقد جاء هذا القانون رائداً محققاً رغبة طالما تمناها رجال القضاء الشرعي والنظامي ورجال القانون.
خامساً: التوثيقات:
وهي بصمة كبرى تسجل لسماحته وتكشف سعيه الدائم إلى التحديث والتطوير، وذلك لتسهيل الإجراءات على المواطنين في المحاكم الشرعية. والتوثيقات هي كل ما يتعلق بالبيّنات الكتابية، وقد عني بها علماء المسلمين، ووضعوا لها علماً خاصاً بها هو علم الوثائق.
وقد كان الروتين يجعل المواطن يمل متابعة معاملته، ولولا حاجته الماسة إليها لتركها قبل أن تنجزها المحاكم، إذ كان الطلب أو الاستدعاء يقدم ضمن مضبطة وممهورة بخاتم المختار وأعضاء الهيئة الاختيارية في المنطقة التي يسكنها صاحب المعاملة، وذلك في كثير من المعاملات كحصر الإرث، وتعيين الأولياء، والأوصياء والقيّم، والعزوبة، وخلو الموانع، والإعالة، والمحرمية وما شابه ذلك.
أما معاملة عقد الزواج فكانت تختم من مختارين وهيئتين وذلك إذا كان كل من الخاطبين يسكن في غير منطقة الآخر.
وكم كان المواطن يعاني من ذلك؟ فالبحث عن المختار وأعضاء الهيئة يحتاج إلى وقت وجهد، بالإضافة إلى التكاليف المادية التي يتطلبها ختم المعاملة إذ إن كثيرا من المخاتير كان يختم المعاملات ليس بسبب معرفة أصحابها بل في مقابل ما يدفع لهم!
وكان الراغب في الزواج رجلا أو امرأة يكلف بإحضار شهادة عزوبة مدموغة بخاتم المختار، ومصدّقة من المحكمة الشرعية في منطقته وذلك إذا أراد إجراء العقد في محكمة الطرف الثاني.
وكان أصحاب العلاقة لكل معاملة مهما كان نوعها يكلفون بإحضار شاهدين، سواء أكانت الشهادة شرطا لصحتها أم لم تكن، فبعض المعاملات يحتاج إلى تعريف فقط، وهذا يتم بالوثائق الثبوتية أو الشهرة التي تغني عن التعريف، وبعضها يحتاج إلى شهادة لصحة المعاملة وبعضها يحتاج إلى إخبار.
وكان النظر يؤجل في بعض المعاملات من وقت لآخر ويكلف أصحابها بالحضور عدة مرات تحسبا من أن المعلومات الواردة فيها غير صحيحة.
وبرغم كل هذه الإجراءات فقد كانت معاملات كثيرة لا تخلو من الخطأ في الشكل أو المضمون؛ وذلك لأن الحجج كانت تكتب باليد في سجلات المحاكم الشرعية، ثم ينسخ عنها الأصل، ثم تنسخ الصور المطلوبة مهما كان عددها، وهو أمر يستغرق كثيرا من وقت القاضي والموظفين، ويتسبب في تأجيل إعطاء الأصل، والصور المطلوبة عدة أيام.
لقد عايش سماحته همّ المواطنين ومعاناتهم من هذه الإجراءات فعمل على وضع أسلوب في العمل يسهل أعمال المحاكم الشرعية، ويخفف على أصحاب العلاقة من المراجعين، وصدر تعميم (رقم: 5/22/4321، تاريخ: 22/11/1987م) جاء فيه أنه لا حاجة للتعريف عن الأشخاص المعروفي الذات، ويجري التعريف بالوثائق الرسمية على غيرهم، وذلك في المعاملات التي تحتاج إلى تعريف فقط، ولا تحتاج إلى شهادة مؤيدة أو إخبار. ثم تبع ذلك إجراء يقضي بعدم ضرورة مراجعة مخاتير للحصول على مضابط موقّعة منهم كشرط أولي ضروري لصحة تسجيل أي حجة شرعية، علما أن الحجج التي تسجل في المحاكم الشرعية كثيرة.
ثم ألغيت جميع المضابط داخل المملكة وصار يكتفى بتحقيقات القاضي الذي تعرض المعاملة أمامه ليتأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع على أن تقدم المعلومات للازمة باستدعاء مقدّم من أصحاب العلاقة وعلى مسؤولياتهم.
وفي عام 1979م أوعز سماحته بطباعة نماذج رسمية لجميع أنواع الحجج والتوثيقات الشرعية، يقوم الكاتب بتعبئة النموذج حسب المعلومات التي يقدمها صاحب العلاقة ثم تختم بالخاتم الرسمي وتلصق عليها الطوابع القانونية بعد استيفاء الرسوم، وأخيرا توقع من القاضي؛ وبذلك تصير حجة قطعية على ما نظمت لأجله سندا للمادة (75 من قانون أصول المحاكمات الشرعية) وصار بإمكان صاحب الحجة أخذ العدد الذي يريده من صور الحجة خلال بضع دقائق.
ولقد سعى سماحته إلى تأصيل مسلكيات جديدة في عمله فكان يعقد دورات أو ورشات عمل تدريبية للقضاة: يفترض واقعة، ويطلب إجراء محاكمة صورية، ثم يتداول الرأي مع القضاة في مواطن الصحة والخلل في دقائق المحاكمة وتفاصيلها.
كما استحدث سماحته ما يعرف الآن بالخط الساخن ليبقى على اتصال مع الجمهور في ما يتعلق بسرعة العمل وإنجاز المعاملات، كما اختصر كثيرا من الإجراءات لإنجاز الدعاوى والمعاملات ولخصها بالخطوات التالية:
أولاً: الدعاوى:
تقدم الدعوى على لائحة خطية على نسختين أو أكثر حسب عدد المدّعى عليهم، وبعد استيفاء رسمها تسجل في سجل الأساس وتعطى الرقم المتسلسل ويعين موعد لرؤيتها ليتسنى تبليغ المدعى عليه.
في اليوم المعين إذا حضر الطرفان تنظر المحكمة في الدعوى وتصدر قرار الحكم إذا توفرت أسبابه.
إذا لم تتوفر أسباب الحكم في الجلسة تؤجل المحكمة رؤية الدعوى إلى جلسة أخرى لإبراز البينات أو الاستماع للشهود أو إحضار الخبراء مثلا ثم تصدر قرار الحكم.
إذا لم يحضر الطرفان في اليوم المعين أو لم يحضر المدعي وحضر المدعى عليه وطلب الإسقاط تصدر المحكمة قرار الإسقاط.
ثانياً: التوثيقات:
يقدم صاحب العلاقة استدعاء يتمضن طلبه، وبعد النظر فيه والتحقق من الشروط المطلوبة يستوفي رسمه، ثم يسلم استدعاءه للكاتب لتعبئة النموذج المعدّ لموضوع الحجة المطلوبة.
إذا كان موضوع الحجة لا يحتاج إلى شهادة شهود أو إخبار ثقات فلا يطلب من صاحب العلاقة إلا إثبات شخصيته بإحدى الوثائق الرسمية المعتبرة إذا لم يكن معروف الذات للقاضي.
إذا كان يشترط لصحة موضوع الحجة شهادة الشهود أو الإخبار فيكلف صاحب العلاقة بإحضار الشهود أو الخبراء في الحال دون تأجيل.
يعطى صاحب العلاقة أصل الحجة والعدد الذي يحتاجه من صورها في الحال.
ثالثاً: صور الوثائق وتصديقها
يكتفي صاحب العلاقة بطلب شفوي لتصديق صورة أو أكثر لأي وثيقة مسجلة لدى المحكمة الشرعية دون كتابة استدعاء. تصدق الوثيقة مباشرة بعد تدقيقها.
الخاتمة:
فقد كان – رحمه الله – ينظر إلى مهنته على أنها خدمة يؤديها للناس، لا تشريف لصاحبها، فكم سمعناه يردد معتزا: خدمت في إربد، وخدمت في الخليل، وخدمت في عمان، وهو منظور للعمل غائب عن كثيرين، وقد كان لخدمته في ضفتي الأردن: الشرقية والغربية قيمة في اتساع أفقه، ومحو أي نزعة إقليمية وهي بغيضة، وأشد بغضاً إن اتصف بها – لا سمح الله قاضٍ – وكان يحث أحفاده ممن ترتد أصولهم البعيدة إلى يعبد/جنين على ضرورة الاعتزاز بأصولهم، وكم حدثهم عن الشيخ عز الدين القسام وقصة استشهاده في يعبد.
فهذه جوانب من حياة القاضي الإنسان: سماحة الشيخ محمد محيلان.
والسلام عليه يوم ولد في هذه الأرض الطيبة المباركة. والسلام عليه يوم توفي قاضياً نزيهاً عفيفاً جريئاً لا يخشى في الحق لومة لائم، أباً معلماً، اتسع فصار بحجم الوطن خدمة في مدنه وقراه وبواديه. والسلام عليه حين يبعث عند الله راضياً مرضياً عنه في جناته بإذن رب العالمين.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/20 الساعة 18:08