ما حقيقة “نساء الأنقاض” اللاتي أعدن إعمار ألمانيا بعد الحرب؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/27 الساعة 18:38
مدار الساعة -في غارات مدمرة على البلدات والمدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، فقد عدد لا يُحصى من المدنيين أرواحهم. كما تم تدمير المنازل والمصانع والبنية التحتية على نطاق لا يمكن تصوره، وفي مايو/أيار عام 1945، عندما هُزمت ألمانيا أخيراً، كان جزء كبير من الدولة النازية قد تمت تسويته بالأرض.
وهنا جاء دور نساء الأنقاض في ألمانيا، فهل كان دورهن كبيراً بهذا القدر؟
الدولة مدفونة تحت أطنان الركام
دُفنت المدن الألمانية تحت ما يُقدَّر بنحو 400 مليون متر مكعب من الأنقاض. ولتقريب حجم هذه الكمية من الرُكام لك، إذا كانت الأنقاض قد تراكمت على مساحة بحجم 10 ملاعب كرة قدم تقريباً، فسيكون ارتفاع تلك الملاعب بحجم جبل مون بلان، التي تزيد قمَّته طولاً عن 4,800 متر فوق سطح البحر.
في مدينة هامبورغ، على سبيل المثال، التي عانت من هجمات مدمرة في يوليو/تموز 1943، تم تدمير 50% من مساكن المدينة بالكامل، بينما ظل حوالي 25% فقط غير متضرر، والنسبة الباقية عانت أضراراً جسيمة.
بعد الحرب، كان أحد التحديات الرئيسية في هامبورغ إزالة حوالي 43 مليون متر مكعب من الأنقاض، بحسب موقع Medium الأمريكي.
كما واجهت مدينة دريسدن، التي اشتهرت بعد تدمير وسط المدينة التاريخي لها في فبراير/شباط عام 1945، تحدياً مشابهاً، وتكررت هذه التجربة في جميع أنحاء ألمانيا.
فريق إزالة الأنقاض النسائي
بالنظر إلى هذا الدمار الهائل للدولة التي استهلكت كافة مقدراتها لتحقيق طموحات أدولف هتلر الاستعمارية، فإن الألمان وقفوا ملياً أمام هذه المهمة العظيمة المتمثلة في إعادة البناء. إذاً كيف تمت هذه العملية المضنية؟
تكمن الإجابة جزئياً في الجهد البشري الخارق لنساء ألمانيا، اللاتي قررن في غياب الرجال بين إصابة وقتل جراء الحرب الطويلة، إزالة الأنقاض والمساعدة في إعادة بناء ألمانيا ما بعد الحرب.
وبحسب الإذاعة الألمانية DW، باتت صور النساء اللواتي يُزلن الأنقاض بأيديهن العارية في كثير من الأحيان بابتسامة واسعة على وجوههن، أيقونية، وتشكل جزء من الذاكرة الوطنية لألمانيا للسنوات التي تلت الحرب مباشرة.
"نساء ألمانيا يجعلن البلاد عظيمة مرة أخرى"
وقد استخدم النظام اللاحق في ألمانيا هذه الصور للترويج للدولة الجديدة ومساعيها إلى بناء وتعمير أرضها من الصفر.
الصور المنتشرة في كل مكان لنساء يعملن بأيديهن العارية ويزلن الأنقاض تم دراستها خلال السنوات التالية، بعد أن أصبحت أيقونة للتعبير عن إصرار الألمان ودور السيدات الاستثنائي في إعادة الإعمار.
ففي عام 2005 مثلاً، لخص المستشار الألماني السابق، هيلموت كول، وجهة النظر السائدة للمساهمة التي قدمتها النساء الألمانيات.
وشدد على أن "جيلاً من النساء جعل البلاد عظيمة مرة أخرى".
هل كانت نساء الأنقاض أسطورة ألمانية؟
تقول المؤرخة ليوني تريبير، بحسب الإذاعة الألمانية DW، إن هذه الرواية "خطأ كلياً". وتقول الباحثة إنه لم يكن هناك عدد كبير من النساء، كما لم تتطوع معظمهن لإزالة الأنقاض. مؤكدة أنها مجرد "أسطورة ألمانية".
فقد بدأت ليوني تريبير البحث في رواية نساء الأنقاض الألمانية منذ عام 2005، وكتبت الدكتوراه في جامعة دويسبورغ الألمانية حول هذا الموضوع، لكنها في النهاية لم تتوصل إلى ما يثبت حقيقة وجودهن ودورهن.
وقد نشرت كتاباً عن النتائج التي توصلت إليها، بعنوان "أسطورة نساء الأنقاض بألمانيا".
ازدهار تجارة شركات المقاولات
تقر المؤرخة أن البُناة، بالطبع، كانوا بحاجة إلى المساعدة أمام حوالي 400 مليون متر مكعب من الأنقاض والرُكام في انتظار إزالتها في جميع أنحاء البلاد.
لكن النساء "لعبن دوراً ثانوياً في تطهير المدن الألمانية من الركام".
وتشير الإذاعة الألمانية إلى أن برلين وحدها حشدت حوالي 60 ألف امرأة لإزالة أنقاض الحرب، لكن حتى ذلك الرقم الكبير لم يكن يعادل أكثر من 5% من السكان الإناث لألمانيا، وبالتالي لم تكن الفكرة ظاهرة جماهيرية كما رُوِّج لها لاحقاً.
كذلك لم تكن النساء متحفظات عندما يتعلق الأمر بإزالة حطام الحرب، بل إن الرجال لم يكونوا مستعدين آنذاك للقيام بمهام صعبة مجاناً.
التوظيف بالسُخرة
خلال الحرب، أجبر النازيون الجنود، وشباب جيوش هتلر الخاصة، وعُمال السُخرة، وأسرى الحرب، وسُجناء معسكرات الاعتقال، على العمل بلا مقابل في تنظيف الركام بالمدن التي تعرضت للقصف بعد غارات الحلفاء الجوية.
وفي عام 1945، بعد نهاية الحرب واستسلام ألمانيا، حل محل هذه القوى العاملة المجانية أسرى الحرب وأعضاء سابقون في الحزب النازي NSDAP.
عندما تبين أن هذا العدد من البشر غير كافٍ، طُلب من السكان المساعدة على أساس تطوعي في الغرب، وبالسُخرة في منطقة الاحتلال السوفيتي ذات السيطرة الروسية من البلاد.
لا عمل دون مقابل، ولا حتى في ألمانيا!
ومع ذلك، تمكنت ألمانيا من تشجيع السيدات للقبول بالوظيفة من خلال منحهن ثاني أعلى فئة من البطاقات التموينية الغذائية.
وللحصول على مزيد من المتطوعين للمشاركة، عمدت السلطات إلى تسويق صورة "نساء الأنقاض" المبهجة في العمل.
هذه الصورة بالذات متجذرة بعمق في الذاكرة الألمانية الجماعية.
في البداية، كانت الحملة الإعلامية ناجحة فقط في ألمانيا الشرقية، حيث أصبحت المرأة التي تعمل في إزالة الأنقاض نموذجاً يُحتذى به بين النساء اللواتي يرغبن في التدريب على الوظائف التقليدية للذكور.
ومع ذلك، في ألمانيا الغربية، فإن المرأة المجتهدة والمتحررة التي تزيل قوالب الحجارة بيدين عاريتين لم تتناسب مع الصورة الأنثوية المحافظة لنساء تلك المنطقة من البلاد، بحسب موقع DW.
استخدام لمفهوم "نساء الأنقاض"
لم يظهر تنميط هذه الشخصية "الخارقة" مرة أخرى في ألمانيا الغربية إلا في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم تصنيفهن على أنهن أبطال إعادة إعمار ألمانيا، وناقشت ألمانيا تقديم مزايا تربية الأطفال للنساء اللواتي ولدن قبل عام 1921 فقط.
ومنذ إعادة توحيد ألمانيا، ظلت صورة المرأة غير الأنانية التي تزيل الأنقاض راسخة في الذاكرة الجماعية للألمان، سواء أكانت تلك الصورة دقيقة وحقيقية بهذا الشكل أم لا.
وهنا جاء دور نساء الأنقاض في ألمانيا، فهل كان دورهن كبيراً بهذا القدر؟
الدولة مدفونة تحت أطنان الركام
دُفنت المدن الألمانية تحت ما يُقدَّر بنحو 400 مليون متر مكعب من الأنقاض. ولتقريب حجم هذه الكمية من الرُكام لك، إذا كانت الأنقاض قد تراكمت على مساحة بحجم 10 ملاعب كرة قدم تقريباً، فسيكون ارتفاع تلك الملاعب بحجم جبل مون بلان، التي تزيد قمَّته طولاً عن 4,800 متر فوق سطح البحر.
في مدينة هامبورغ، على سبيل المثال، التي عانت من هجمات مدمرة في يوليو/تموز 1943، تم تدمير 50% من مساكن المدينة بالكامل، بينما ظل حوالي 25% فقط غير متضرر، والنسبة الباقية عانت أضراراً جسيمة.
بعد الحرب، كان أحد التحديات الرئيسية في هامبورغ إزالة حوالي 43 مليون متر مكعب من الأنقاض، بحسب موقع Medium الأمريكي.
كما واجهت مدينة دريسدن، التي اشتهرت بعد تدمير وسط المدينة التاريخي لها في فبراير/شباط عام 1945، تحدياً مشابهاً، وتكررت هذه التجربة في جميع أنحاء ألمانيا.
فريق إزالة الأنقاض النسائي
بالنظر إلى هذا الدمار الهائل للدولة التي استهلكت كافة مقدراتها لتحقيق طموحات أدولف هتلر الاستعمارية، فإن الألمان وقفوا ملياً أمام هذه المهمة العظيمة المتمثلة في إعادة البناء. إذاً كيف تمت هذه العملية المضنية؟
تكمن الإجابة جزئياً في الجهد البشري الخارق لنساء ألمانيا، اللاتي قررن في غياب الرجال بين إصابة وقتل جراء الحرب الطويلة، إزالة الأنقاض والمساعدة في إعادة بناء ألمانيا ما بعد الحرب.
وبحسب الإذاعة الألمانية DW، باتت صور النساء اللواتي يُزلن الأنقاض بأيديهن العارية في كثير من الأحيان بابتسامة واسعة على وجوههن، أيقونية، وتشكل جزء من الذاكرة الوطنية لألمانيا للسنوات التي تلت الحرب مباشرة.
"نساء ألمانيا يجعلن البلاد عظيمة مرة أخرى"
وقد استخدم النظام اللاحق في ألمانيا هذه الصور للترويج للدولة الجديدة ومساعيها إلى بناء وتعمير أرضها من الصفر.
الصور المنتشرة في كل مكان لنساء يعملن بأيديهن العارية ويزلن الأنقاض تم دراستها خلال السنوات التالية، بعد أن أصبحت أيقونة للتعبير عن إصرار الألمان ودور السيدات الاستثنائي في إعادة الإعمار.
ففي عام 2005 مثلاً، لخص المستشار الألماني السابق، هيلموت كول، وجهة النظر السائدة للمساهمة التي قدمتها النساء الألمانيات.
وشدد على أن "جيلاً من النساء جعل البلاد عظيمة مرة أخرى".
هل كانت نساء الأنقاض أسطورة ألمانية؟
تقول المؤرخة ليوني تريبير، بحسب الإذاعة الألمانية DW، إن هذه الرواية "خطأ كلياً". وتقول الباحثة إنه لم يكن هناك عدد كبير من النساء، كما لم تتطوع معظمهن لإزالة الأنقاض. مؤكدة أنها مجرد "أسطورة ألمانية".
فقد بدأت ليوني تريبير البحث في رواية نساء الأنقاض الألمانية منذ عام 2005، وكتبت الدكتوراه في جامعة دويسبورغ الألمانية حول هذا الموضوع، لكنها في النهاية لم تتوصل إلى ما يثبت حقيقة وجودهن ودورهن.
وقد نشرت كتاباً عن النتائج التي توصلت إليها، بعنوان "أسطورة نساء الأنقاض بألمانيا".
ازدهار تجارة شركات المقاولات
تقر المؤرخة أن البُناة، بالطبع، كانوا بحاجة إلى المساعدة أمام حوالي 400 مليون متر مكعب من الأنقاض والرُكام في انتظار إزالتها في جميع أنحاء البلاد.
لكن النساء "لعبن دوراً ثانوياً في تطهير المدن الألمانية من الركام".
وتشير الإذاعة الألمانية إلى أن برلين وحدها حشدت حوالي 60 ألف امرأة لإزالة أنقاض الحرب، لكن حتى ذلك الرقم الكبير لم يكن يعادل أكثر من 5% من السكان الإناث لألمانيا، وبالتالي لم تكن الفكرة ظاهرة جماهيرية كما رُوِّج لها لاحقاً.
كذلك لم تكن النساء متحفظات عندما يتعلق الأمر بإزالة حطام الحرب، بل إن الرجال لم يكونوا مستعدين آنذاك للقيام بمهام صعبة مجاناً.
التوظيف بالسُخرة
خلال الحرب، أجبر النازيون الجنود، وشباب جيوش هتلر الخاصة، وعُمال السُخرة، وأسرى الحرب، وسُجناء معسكرات الاعتقال، على العمل بلا مقابل في تنظيف الركام بالمدن التي تعرضت للقصف بعد غارات الحلفاء الجوية.
وفي عام 1945، بعد نهاية الحرب واستسلام ألمانيا، حل محل هذه القوى العاملة المجانية أسرى الحرب وأعضاء سابقون في الحزب النازي NSDAP.
عندما تبين أن هذا العدد من البشر غير كافٍ، طُلب من السكان المساعدة على أساس تطوعي في الغرب، وبالسُخرة في منطقة الاحتلال السوفيتي ذات السيطرة الروسية من البلاد.
لا عمل دون مقابل، ولا حتى في ألمانيا!
ومع ذلك، تمكنت ألمانيا من تشجيع السيدات للقبول بالوظيفة من خلال منحهن ثاني أعلى فئة من البطاقات التموينية الغذائية.
وللحصول على مزيد من المتطوعين للمشاركة، عمدت السلطات إلى تسويق صورة "نساء الأنقاض" المبهجة في العمل.
هذه الصورة بالذات متجذرة بعمق في الذاكرة الألمانية الجماعية.
في البداية، كانت الحملة الإعلامية ناجحة فقط في ألمانيا الشرقية، حيث أصبحت المرأة التي تعمل في إزالة الأنقاض نموذجاً يُحتذى به بين النساء اللواتي يرغبن في التدريب على الوظائف التقليدية للذكور.
ومع ذلك، في ألمانيا الغربية، فإن المرأة المجتهدة والمتحررة التي تزيل قوالب الحجارة بيدين عاريتين لم تتناسب مع الصورة الأنثوية المحافظة لنساء تلك المنطقة من البلاد، بحسب موقع DW.
استخدام لمفهوم "نساء الأنقاض"
لم يظهر تنميط هذه الشخصية "الخارقة" مرة أخرى في ألمانيا الغربية إلا في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم تصنيفهن على أنهن أبطال إعادة إعمار ألمانيا، وناقشت ألمانيا تقديم مزايا تربية الأطفال للنساء اللواتي ولدن قبل عام 1921 فقط.
ومنذ إعادة توحيد ألمانيا، ظلت صورة المرأة غير الأنانية التي تزيل الأنقاض راسخة في الذاكرة الجماعية للألمان، سواء أكانت تلك الصورة دقيقة وحقيقية بهذا الشكل أم لا.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/27 الساعة 18:38