“تحديث القطاع العام” قابلة للتعديل

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/24 الساعة 23:59
أجزم أن الحكومة هذه المرة استوعبت جيداً الكم الكبير من الملاحظات الخاصة بخطة تحديث القطاع العام التي أطلقت قبل أسابيع، فهناك من الآراء التي فعلاً تستحق الوقوف عندها، وهو ما جعل رئيس الوزراء شخصياً يقول عنها بالحرف الواحد بأنها “ليست جامدة، بل قابلة للتصويب والتعديل وإجراء التقييم” وأن الحكومة تتقبل الأفكار المنتجة في إطار النقد الموضوعي والبناء والمنتج”.
نعم، هذا هو السلوك الحضاري المنفتح الذي يقبل الآراء ويستوعبها في إطار الخروج بتفاهمات تصب في المصلحة العامة، دون الاستئثار بالحقيقة والتمسك بمواقف لا يمكن أن توصف في آخر المطاف بأنها ستكون نقطة إيجابية في دعم مسيرة الإصلاح المنشود.
مفهوم جيداً ألا تقوم الحكومة بأي عمليات تسريح لأي من الموظفين العاملين لديها، وأنها ستستوعب الجميع في إطار عمليات الدمج المستهدفة دون المساس بحقوقهم ومكتسباتهم، وهذا أمر رغم سلبياته في إحداث التغيير المستهدف في القطاع العام، إلا أن عملية التطوير والتدريب لموظفي الدولة قد يكون كفيلاً بتخريج كادر إداري أفضل وأكثر التزاماً وإنتاجية في حال تطبيق معايير القياس والتدريب والتقييم الحقيقي والفاعل .
لكن وحتى تتحقق هذه الأهداف من الكوادر البشرية الموجودة والعاملة في جهاز الدولة الإداري، لا بد من إحداث تغييرات إيجابية في جسم الدولة الإداري من خلال دعم القطاع العام بالخبرات والكفاءات المطلوبة التي تمكن من زيادة الفعالية المطلوبة في الإنتاج واكتساب المهارات والخبرات لباقي العاملين، وهذا يتطلب الخروج من عباءة خطة تحديث إصلاح القطاع العام التي أطلقتها حكومة البخيت الثانية والتي ساهمت بهدر المال العام بأكثر من نصف مليار دينار بعد أن كانت كلفتها التقديرية 82 مليون دينار، ناهيك عن أنها ساهمت فعلياً بهروب الكفاءات وأصحاب الخبرات للخارج بعد الاعتداء على دخولهم بحجة مساواتها مع نظرائهم الموظفين عن طريق ديوان الخدمة المدنية.
تعديلات خطة التحديث الإداري تتطلب الإسراع باتجاه تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتبسيط الإجراءات والإسراع في إنجاز المعاملات والأتمتة الإلكترونية، وإزالة كافة العقبات الإدارية والبشرية التي قد تشكل عائقاً أمام معاملات المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
التحديث الإداري يعني النهوض بسلوكيات الموظف العام، وتعزيز شعور المحاسبة في داخله، بحيث يكافأ على إنجازه، ويعاقب على تقصيره، وهذا لا يكون إلا من خلال التأهيل والتدريب النوعي لهم، وتعزير معايير التقييم والمساءلة والمحاسبة في الوقت نفسه، لأن الموظف العام ما يزال لديه شعور بالتحصين الطبيعي من أي مساءلة مهما كانت أفعاله وأخطاؤه ، فالموظف الحكومي تعززت في داخله مفهوم الحصانة من أي شي، مقابل المطالبة المستمرة بالزيادات والعلاوات دون ربطها أو اشتراطها بالإنتاجية والتميز.
خطة التحديث الإداري هي ليست كتاباً مقدساً لا يجوز المساس بها، فهي خلاصة اجتهادات من أصحاب اختصاص وخبرات، لكن هذا لا يمنع من تجويدها حسب متطلبات وفهم الحكومة لها من خلال منظومة التشريعات والأنظمة التي تكون على أجندة مجلس الوزراء لاستحداثها وتعديلها بالشكل المطلوب والمستهدف للوصول إلى جهاز إداري رشيق وكفء وفعال في خدمة الاقتصاد الوطني.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/24 الساعة 23:59