وزارة الزراعة وحيتان السوق
وزير الزراعة ليس منصباً فخرياً ولا كمالياً، فمنذ بدء الحكومات كان وزراء الزراعة يتداولون عليها، وكان لديهم الرؤية الثاقبة والشاملة لاستراتيجيات الزراعة، فأهم شخصية خرجت من رحم الزراعة كان الشهيد وصفي التل، حيث سن قانون الزراعة الذي منع التغول العمراني على الأراضي الزراعية، ومنع تمدد العمران الحجري غرب الشميساني، وهي اليوم الرابية، ولكن تم إلغاء القانون عام 1973 وفُتحت أبواب الصناديق الأسمنتية لتبتلع أراضي عبر شارع وصفي التل كنا نمر عليها وهي تزخر بكل أصناف المزروعات الصيفية الخفيفة والبساتين، الى حدود الصو?فية جنوبا، كل هذا قبل 35 عاما فقط.
مع السنين ضاعت استراتيجية وصفي وثلة من القامات العملاقة التي دفعت لبناء سياسات الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية وزراعة الأشجار المثمرة والمعمرة، حتى وصلنا الى مرحلة سطت على رقابنا شرذمة من حيتان السوق التي تتحكم بغذائنا، وصنفت المزروعات حسب مقاييسها، حيث كانت هناك مزارع في غور الأردن تصدر منتجاتها فورا الى دول أوروبا والخليج بمواصفات عالية الجودة، فيما مزارعو الأغوار كلها والشفا يتكبدون خسائر أودت بما يملكون، حتى وصلنا اليوم الى سيطرة حيتان وافدين يتحكمون بالأسعار والأصناف، وفي مقابل خسارة المزارع الأر?ني يكسب السماسرة عشرات أضعاف ما يكسبه أو يخسره المزارع.
اليوم وبعد تداول العديد من وزراء الزراعة، جاء الوقت الذي دخل جلالة الملك على خط الزراعة كسيادة وطنية لا يمكن إهمالها، وهذا ما رأيناه من جولات عدة للملك على صوامع الحبوب وزيارات لمزارع انتاجية وعقد اجتماعات مخصصة لبحث استراتيجية زراعية تعيد الأردن للواجهة وتدعم خفض الأسعار للمستهلك، وقبل يومين عقد الملك اجتماعا بحضور وزير الزراعة خالد الحنيفات نوقشت فيه الاستراتيجية الزراعية.
بعدما ذكرنا وزراء زراعة لا يعرفون زرع شجرة، وجدنا ضالتنا في إدارة حصيفة لوزارة الزراعة تحتاج تضافر الجهود من كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات المعنية، وقد مثل الوزير الحنيفات جيلا من الوزراء الشباب الذين خرجوا من رحم الواقع الحقيقي للشعب الباحث عن فرصة لإثبات قدرتهم على إعادة الأردن الى حقيقته لا الواقع الزائف لأصحاب المصالح الخاصة، فمن قرية في الطفيلة قرأ الرجل خريطة الأردن الزراعية بعيدا عن أراجيف المعتزلة بمصالحهم، ويسانده طاقم على رأسهم الأمين العام محمد الحياري وكادر يعمل ليل نهار كخلية لا مركزية، حيث?الإجراءات الجديدة والتطبيقات الحديثة دخلت لأول مرة الى وزارة كانت مهملة.
في قراءة سريعة لإجراءات وزارة الزراعة ركزت على دعم المزارعين وفتح آفاق جديدة أمامهم لمواكبة التطور الزراعي المدعوم بالتكنولوجيا والأسس اللامركزية في رعاية المزارعين وإنشاء البنى التحتية من خلال مشرفين يتابعون المزارعين حسب رغبتهم بنشاطهم الزراعي ومساعدتهم من مرحلة البذور حتى القطاف وتوجيههم للوقاية ضمن الأصناف وإلزامهم بفترة أمان حتى القطاف من خلال المرشدين، وتصنيفهم حسب المزروعات تجارية كانت أو تصنيعية، وكذلك تخصيص مهندسين زراعيين لكل حيازة زراعية أو حيوانية، وتم طرح 40 عطاء لسيارات كهربائية لهم مدعومين ب?جهزة الكترونية لمتابعة الحيازات وخدمتها في الميدان.
ومن خلال مؤسسة الإقراض الزراعي تم منح قروض دون فوائد للمزارعين ودعم القطاع النسائي والعاملات في الزراعة والتصنيع المنزلي وكذلك مستلزمات الانتاج، وزراعة المحاصيل الموفرة للماء والاستزراع السمكي وانتاج اللحوم وتربية الماشية ودعم مربيها وحفر آبار جمع منزلية وزراعية، ودعم الجمعيات الزراعية، فضلا عن إعادة صياغة التعاونيات الزراعية، وبلغت القروض لتسعة آلاف مستهدف وفرت ما يزيد على خمسة آلاف فرصة عمل.
ولأن الأردن صنو أهلنا في فلسطين، فقد تم إنشاء الشركة الأردنية الفلسطينية لتسويق المنتجات الزراعية، مركزها عمان وفرعها الرئيس برام الله، وستتولى إبرام العقود والإتفاقيات الزراعية مع شركات عالمية في أوروبا وغيرها، وباتفاق مع شركة «جيتكو» تحملت خصومات الشحن البحري والجوي بمقدار النصف، وهذه مرحلة لازمة لإعادة تعويض المزارعين وجنيهم الأرباح بدل الخسائر، وسيكون لها مركز تبريد وتوريد في عمان.
ولغايات دعم الصناعات الزراعية سيتم منح المستثمرين في أي منطقة صناعية تدعم التصنيع الزراعي والأمن الغذائي إعفاءات كاملة لخمس سنوات تتحملها الخزينة، مشروطة بتوظيف الشباب من الجنسين فيها، كما سيتم تخصيص 130 دونما لإنشاء ثلاثة مصانع لمركزات البذور وللتفريز والتجميد والتصنيع الغذائي، ويأتي هذا في ظل إعادة صياغة التعاون الزراعي، فيما سيتم انتهاج خطة الترقيم للمواشي لمتابعة مربي المواشي والصحة الحيوانية من الأمراض المهددة للمواشي.
هنا ورغم أنني لست مزارعا ولا أرغب بذلك، فإنني أفرح لما يقوله الوزير الحنيفات على هامش لقاء الملك، فالتوجهات نحو التحريج وزراعة الأشجار والزراعة المستدامة، ومشاريع الحصاد المائي، مثل الآبار الكبريتية في عنيزة بالطفيلة وفي القطرانة بحفيرة شركة الفوسفات، وفي خرجا غرب إربد، وسيتم زراعة الف دونم في لواء الكورة، وفي عجلون وجرش الفي دونم لزراعة الخروب والصنوبر المثمر والغارّ، وثلاث وستين حفيرة بالتعاون مع القوات المسلحة.
من أجل هذا علينا أن نبحث بيننا عمن يحسّ بأوجاعنا ويصنع مستقبلا لا مكان فيه للحيتان الذين استزرعونا لمصالحهم المادية.
Royal430@hotmail.com