السيناريو العالمي القادم

م. مهند عباس حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/23 الساعة 23:36
لقد أشرنا في مقالات سابقة بأنه لن تكون هناك حرب عالمية ثالثة انما الحرب القادمة هي حرب التكنولوجيا, وهنا نريد أن نتناول شمولية الموضوع وهو الاقتصاد العالمي الذي يشمل التكنولوجيا ومن سيسيطر على الاقتصاد العالمي, لان السيطرة عليه لا تحتمل القسمة على اثنين, فإما أن تُرتب الصين أوراقها السياسية ولا تقع في المحضور وإما أن تقوم الولايات المتحدة بالإطاحة بالمارد الصيني بدفعه لاحتلال جزيرة تايوان أو إجباره على حصار كامل عليها.
بعد هذه المقدمة دعونا ندخل إلى عمق الموضوع ومجرياته, لقد حاولت الولايات المتحدة دفع الصين للاستيلاء على جزيرة تايوان أو إجبارها على حصارها, وذلك مرتين في هذا الشهر, المرة الأولى عند زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بداية شهر آب والثانية بعد زيارة وفد من الكونغرس إلى تايوان بعد 12 يوماً من زيارة بيلوسي, الأمر الذي استفز الصين حيث أطلقت أكبر مناورات عسكرية على الإطلاق حول تايوان بعد الزيارة.
الولايات المتحدة تضغط الآن على الصين لاحتلال تايوان أو إجبارها على حصارها, لكن الصين تحاول ممارسة سياسة ضبط النفس إلى أقصى حد خوفاً من الوقوع في الفخ الأميركي, لأن الصين تعلم ما هي تبعات احتلالها لجزيرة تايوان.
رُغم بعض الإغلاقات التي حدثت في الصين بداية العالم نتيجة جائحة كورونا فقد نمت صادراتها خلال الثلث الأول من هذا العام 10.3% على أساس سنوي 1097 مليار دولار وكان هناك فائض في ميزانها التجاري (الفرق بين الصادرات والواردات) بقيمة 213.6 مليار دولار, وبلغ الفائض التجاري لصالح الصين في تجارتها مع الولايات المتحدة خلال الثُلث الأول من العام الجاري 124,11 مليار دولار, إضافة إلى أن الصين سجلت العام الماضي 2021 نسبة نمو وصلت 8.1%, في حين سجلت الولايات المتحدة لنفس العام 5.7 %،وأن الدين الخارجي الصيني لعام 2021 هو 2.7 ?رليون دولار بينما الدين الاميركي لنفس العام بلغ قرابة 30 ترليون دولار.
إن الإرقام الاقتصادية المرعبة التي تحققها الصين ستجعلها تتربع على الاقتصاد العالمي عام 2030 وبناتج إجمالي يقدر بقرابة 64 ترليون دولار, وبفارق 2.5 ضعف عن الولايات المتحدة, لذلك يرى المخططون الاستراتيجيون في الولايات المتحدة تعطيل هذا التسارع الاقتصادي, وخصوصاً التوقع بعدم القدرة على السيطرة على التضخم في الولايات المتحدة من خلال السياسات النقدية ودخول السوق الأميركي بما يُعرف بالركود التضخمي, لذلك سيدفعون الصين لاحتلال تايوان أو إجبارها على حصارها، حيث ان احتلالها لن يستغرق الإسبوع لتتحقق بذلك الأهداف الأمي?كية من خلال الحصار الاقتصادي للصين والذي يشتمل على:
1) استيلاء الولايات المتحدة على سندات وأذونات خزينة اشترتها الصين منها بقيمة 1100 مليار دولار وهي مؤشرات دين خارجي, من أصل احتياطات أجنبية تملكها الصين بأكثر من 3000 مليار دولار.
2) حظر الصادرات الصينية ومقاطعتها وتوقف الواردات من مواد أولية ومواد خام ووقود وسلع متنوعة نتيجة الحصار الذي سيفرض عليها, مما يؤدي إلى توقف بعض الصناعات الصينية وإزياد نسبة البطالة وتراجع حاد في نسبة النمو الاقتصادي, إضافة إلى تعطل ممرات الشحن وسلاسل الإمداد في المحيط الهادي حيث ستتأثر ثُلث تجارة العالم بذلك. 3) سحب جميع الاستثمارات الغربية من الصين وتجميد الاستثمارات الصينية في الغرب. 4)
تعطيل طريق الحرير الجديد أو بما يُعرف باسم «الحزام والطريق» خطوط طرق برية وبحرية عالمية لإيصال المنتجات الصينية إلى الأسواق العالمية والذي تشارك فيه 123 دولة، والذي سيمكن الصين من السيطرة على سلاسل الإمداد العالمية. 5) تضاعف الصادرات والاستثمارات الأميركية والأوروبية لتعويض الصادرات الصينية التي تم حظرها.
في المقابل سيتأثر العالم وبعض المصالح الأميركية والغربية باحتلال الصين لتايوان أو إجبارها على حصارها, وسيؤدي ذلك إلى حصار اقتصادي عكسي على الصين, لكن المكاسب الأميركية والغربية السابقة تفوق الأضرار التي تنتج عن ذلك ومنها: 1) الانخفاض بأسعار النفط بسبب الحصار على الصين وانخفاض الطلب العالمي عليه. 2) غلاء الأسعار في المنتجات والسلع التي ستحل محل المُنتج الصيني إضافة إلى فقدان بعضها من الأسواق وقد يصل سعرها إلى الضعف, ويقدر الخبراء أن 170 سلعة ستتأثر بذلك. 3) ارتفاع حاد بأسعار الأجهزة الكهربائية والتكنولوجية ?ن سيارات وتلفونات وتلفزيونات وحواسيب وكاميرات وألعاب أطفال وذلك لتوقف مصنع الرقائق الإلكترونية TSMC في تايوان عن التصدير للعالم والذي تبلغ حصته العالمية 64%. 4) إغلاق لآلاف المصانع الغربية التي تعتمد على استيراد المواد الخام أو المكملات الصناعية أو أجزاء من المنتج نتيجة تصنيعه في الصين.
في النهاية أي صراعات سياسية واقتصادية بين الدول العظمى سيدفع ثمنها شعوب دول العالم الثالث ومن بينها الدول العربية, وسيكون تأثير احتلال الصين لتايوان أو إجبارها على حصارها أكثر ضرراً على الاقتصاد العالمي بتأثُر يعادل ثلاثة أضعاف ما سببته الحرب الروسية الأوكرانية, حيث سيتوقف ويتضرر 22%من الاقتصاد العالمي, في حين أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تضرر 8% من هذا الاقتصاد.
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأميركية
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/23 الساعة 23:36