هل تمضي تركيا قُدماً في دبلوماسية 'تصفير المشكلات'.. مع سُورية؟
من غير التسرّع إبداء تفاؤل حذر إزاء التصريحات اللافتة في توقيتها وخصوصاً المضامين التي أطلقها الرئيس التركي (أردوغان) في شأن إعادة «ترميم» العلاقات التركية/السورية التي تضرّرت كثيراً خلال العقد الأخير. ناهيك عن تراجع إن لم نَقل زوال التهديدات بغزو تركي «خامس» للشمال السوري, بزعم إقامة منطقة أمنيّة عازلة على طوال الحدود السورية/التركية وبعمق 30 كيلومتراً (أو أزيد), تروم أنقرة إبعاد خطر قوات سوريا الديمقراطية/قسد, التي ترى فيها ذراعاً لحزب العُمّال الكردستاني/التركي PKK المُصنَّف إرهابياً في تركيا والولايات ?لمتحدة.
وإذا كان الرئيس اردوغان «حسمَ» الجدل الذي اندلع بعد التصريحات «شبه المُلتبسة» أو قل بالونات الاختبار التي أطلقها رئيس الدبلوماسية التركية/مولود أوغلو, إزاء «احتمالات» الانخراط في حوار مع دمشق, وأن أنقرة لم تتخلّ عن المعارضة السورية وغيرها من الأوصاف والمصطلحات, التي لا تنفي رغبة بلاده بـ"تحسين» علاقاتها بدمشق. نقول: إذا كان أردوغان وضع حداً لهذا الجدل بتصريحه أثناء عودته من أوكرانيا: ان هدف بلاده في سوريا ليس هزيمة الأسد بل إيجاد حل سياسي، مُضيفاً: أنه يجب أن تكون هناك خطوات متقدمة أكثر بـ«مستويات مُختلفة»? ردّاً على سؤال عن الحوار مع «النظام السوري», فإن ما نشرته «صحيفة تُركِيّا» المُقربة من الدوائر السياسية والاستخباراتية, حول «الشروط الخمسة» المُتبادلة بين أنقرة/ودمشق لـ«التطبيع وفتح قنوات اتصال»، يدفع للاعتقاد أن «قناة» دبلوماسية (بعد القناة «الإستخبارية» التي اعترفت أنقرة بوجودها) قد فُتِحت أو في طريقها إلى التدشين قريباً.
القراءة الدقيقة للشروط الخمسة «المُتبادَلة» والتمحيص في ما بين سطورها, يزيد من منسوب التفاؤل بإمكانية حدوث اختراق جوهري - رغم أنه قد يحتاج إلى مزيد من الوقت - خاصّة في انتظار ما قد يتبلور على صعيد الاتفاق النووي الإيراني, الذي هو قيد الإنضاج في ما يبدو, بعد تسريبات أميركية «CNN» عن تخلّ ايراني عن «خط أحمر» في مسألة شائكة (في نظر واشنطن), وهي تراجع طهران عن طلبها إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية (نفت طهران أن يكون هذا المطلب «خطاً أحمر» يوماً ما).
عودة إلى الشروط الخمسة المُتبادلة ما تطلبه دمشق – وفق ما نشرته الصحيفة التُركية نقلاً عن «مصادر» لم تحدّدها بالاسم, لا يندرج في إطار المطالب التعجيزية أو صعبة التنفيذ, إن لجهة إعادة محافظة إدلب إلى الإدارة السورية (خصوصاً في ظل إعلان الرئيس التركي أن لا مطامع مع تركية في أي أرض سورية), وهو أيضاً ما ينطبق على المطلب «الثاني», القاضي بنقل مَعبر كَسَب الحدودي مع معبر «باب الهوى» (معبر «جيلفي غوزو» تُركِياً) إلى سيطرة الجيش والحكومة السوريين. كذلك حال الطريق التجاري M4 (الواصل بين شرق سوريا، دير الزور، الحسكة ?حلب - اللاذقية (سبقَ لأردوغان التعهّد بتنفيذه في اتفاق سوتشي بينه والرئيس بوتين آذار/2021، لكن أنقرة ماطلت بتنفيذه).
تبقى الشروط «السورية» الثلاثة الأخرى, وهي مطالب «سياسية/ودبلوماسية» لا نحسب أنها ستكون موضع خلاف بين الجانبين حال تلبية المَطلبين الأول/والثاني.
ماذا عن المطالب التركية؟
تبدو هي الأخرى «في بعضها» قابلة للحوار/والنقاش, خاصة إذا ما استجابت أنقرة لمطالب دمشق, إن لجهة مطلب «تطهير» الحكومة السورية لمناطق من عناصر حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب بـ «الكامل».. أم القضاء «التام» على التهديد الإرهابي على الحدود التركية/السورية, وهما مطلبان لا يخصّان دمشق وحدها بل مسؤولية تركية/ سورية مُشتركة, حال تم تحديد المسؤوليات المنفردة/والثنائية وليسا مسؤولية سورية وحدها. إذ ثمة جماعات ارهابية أكثر خطورة تتحكّم في محافظة إدلب, وهي منظمات مُسلحة لا يمكن اعتبارها طرفاً في أي تسوية أو حو?ر سوري/سوري, الذي تحدث عنه المطلب التركي «الثالث» بطلب «الاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي/والعسكري بين المعارضة ودمشق والعودة الآمنة للاجئين. ناهيك عن غموض إن لم نقل وصفا غير ذلك, للمطلب «الرابع» الذي يتحدث عن «أن تكون حمص, دمشق وحلب مناطق «تجريبية» لعودة آمنة وكريمة في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار ومراقبة تركيا لعملية عودة السوريين بشكل آمن والممارسات المُطبقة مع السوريين حتى بعد عودتهم وإسكانهم.
أما ما خص المطلب «الخامس» فإنه كما المطلب «الرابع» يزيد من تعقيد الأمور, خاصة في ظل موازين القوى الراهنة على الأراضي السورية, عندما ينص على «تطبيق مسار جنيف، وكتابة دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن وذوي الظروف الصحية السيئة».
في الخلاصة.. أحد من «الطرفين» لم يتحدّث عن اقتراح بوتين «مُراجعة» اتفاق أضنة, فيما وصف أردوغان الاقتراح... بـِ«غير الواقعي».
هل سألتم عن «سِرّ» الصمت الأميركي المُريب, إزاء الإستدارة التركية غير المسبوقة.. هذه؟
kharroub@jpf.com.jo