قانون الانتخاب مفتاح لمواجهة معوقات المشاركة السياسية
لا يكاد يخلو بلد في هذا العالم من أحزاب وقوى سياسية فاعلة، إلى هذا الحد أو ذاك. وباستثناءات القوى السياسية الفاعلة إذ أن دورها اليوم محدود جداً، وأصبح المشهد السياسي للدولة الأردنية اليوم يتحدد في تشكيل الحكومات، أو الجلوس في مقاعد المعارضة الفاعلة وشيئا فشيئا، صار النظام البرلماني الديمقراطي مرتبطاً مباشرة بالحكومات البرلمانية التي يشكلها حزب أو تكتل من القوى المتحالفة.
فالنظام البرلماني الديمقراطي من دون أحزاب غير فاعل، ومن هنا، أدركت الدولة في تصورها للأوضاع الراهنة في المنطقة أن بناء أوطان مستقرة، تنعم بالحريات والديمقراطية تحترم فيها حقوق الإنسان، وتستطيع أن تواكب التطور المتسارع في عالمنا المعاصر، هذا البناء يصعب تشييده دون وجود قوى سياسية تتحمل مسؤولية الإدارة السياسية من موقعها التنفيذي الذي يأتي في الغالب الأعم نتيجة فوزها في صناديق الاقتراع، فارتبط التشريعي بالتنفيذي، وصار البرلمان مصدر الحكومات في غالبية الدول البرلمانية الديمقراطية.
لكن الدولة التي تفتقر إلى أحزاب وقوى سياسية فاعلة، لا تستطيع أن تمارس نظاماً برلمانيا ديمقراطيا، مهما صدقت النوايا، وهذه هي الحال اليوم بدرجة أو أخرى في المملكة الأردنية الهاشمية فبالرغم من النداءات من كل صوب لتفعيل دور الأحزاب والقوى السياسية الأردنية، إلا أن واقع الحال يبين دون لبس، أن هذا الدور محدود جداً، ولا يرقى إلى ما يتطلع إليه الشعب الأردني، رغم أن الملك عبدالله الثاني بن الحسين أول المتحمسين والمنادين بإحداث هذا التحول، الذي يتيح قيام حكومات برلمانية منتخبة، على أساس أن يقوم الحزب الفائز في الانتخابات لتمكينها من تشكيل حكومات برلمانية حزبية، أو المشاركة فيها وفقًا لأحكام المادة (35) من الدستور.
إن هذه المسألة تشغل الأردنيين جميعاً، خاصة بعد مرحلة الانفتاح الديمقراطي، والتجربة الديمقراطية بعد انقطاعها منذ أواخر الخمسينيات عام1957، جعلت آمال وطموحات الشعب الأردني تنعقد من جديد للوصول بالأردن إلى مصاف الدول الرائدة في ممارسة معايير النظام البرلماني الديمقراطي.
ففي أعقاب تجربة أولى ناجحة، جاء نظام الصوت الواحد؛ ليوجه ضربة لدور القوى والأحزاب السياسية، الأمر الذي عاد بالضرر على قوة الأحزاب في الانتخابات البرلمانية، وأدى إلى حالة تشبه الشلل في الجسم السياسي الحزبي الأردني فألحقت، بمجمل الحالة السياسية الجماهيرية بالخمول. بالرغم من أن قليلين يختلفون في توصيف الحالة، إلا أن الخلاف كبير عند البحث عن حلول فمن المسائل الكبرى التي دار حولها الجدل، النظم الانتخابية، وقوانين الأحزاب، ومواقف السلطة التنفيذية،فتشكو الأحزاب بعد كل ذلك من حالة انكفاء عن المشاركة السياسية الشعبية والضعف النسبي لدور المرأة، وتغليب الدور الشخصي والفئوي والمناطقي على الدور الوطني العام لما كان مجلس النواب في النظام البرلماني الديمقراطي صاحب الولاية في التشريع والرقابة السياسية في مضمونها وجوهرها، صار من الإلزام تناول دور مجلس النواب من زاوية دور الأحزاب والقوى السياسية فيه، فبدون دور فاعل للقوى السياسية في البرلمان، يصعب فعلاً الحديث عن نظام ديمقراطي معاصر.
ومن هنا يأتي البحث في تفعيل دور الأحزاب والقوى السياسية في مجلس النواب، ليطرح فوراً البحث في تفعيل دور هذه الأحزاب أولاً على المستوى الشعبي الجماهيري، وصولاً إلى وزن يسمح لها بالوصول إلى حالة تمكنها من تشكيل الحكومات، أو الجلوس المؤثر على مقاعد المعارضة.
هناك حاجة إلى تقليص علمي يستقرئ ويستنبط أهم المعوقات لدور فاعل للأحزاب والقوى السياسية في مجلس النواب والمحاولات التي لا تتوقف، من أجل إحياء العمل السياسي الأردني عموماً، والوصول إلى أحزاب وقوى سياسية فاعلة، قادرة على تشكيل حكومات ومعارضات، على أسس تداول السلطة، في ظل النظام البرلماني الديمقراطي الأردني. وهي في هذا هامة خصوصاً للأحزاب والناشطين السياسيين والباحثين والدارسين وغيرهم من المعنيين بدور الأحزاب والقوى السياسية الأردنية، وحضورها الفاعل في البرلمان.
فأوراق الملك النقاشية ومسيرة الإصلاح السياسي في الواقع، يبدو ضرورياً تناول موقف مؤسسة أساسية في قمة المشهد السياسي الأردني، وهي (مؤسسة القصر الملكي)، نظراً لدورها الدستوري أو المعنوي، والمباشر أو غير المباشر، في مجمل العملية الديمقراطية الجارية في الأردن، تضاعف أهمية هذه المسألة نظراً للاهتمام الخاص الذي يوليه الملك للعديد من قضايا الديمقراطية والمشاركة السياسية، وفي وجه أكثر تحديداً، في الوصول إلى نظام برلماني ونخبة يشكلها الحزب أو تكتل الأحزاب والقوى الفائزة في ديمقراطية تتولى السلطة التنفيذية فيه حكومة منتخبة داخل قبة البرلمان.
لقد دعمت الأوراق النقاشية التي قدمها الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الإصلاح في مختلف وجوهه، وخاصة ذاك الذي يهدف إلى تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، والوصول إلى حكومات برلمانية تؤلفها الأحزاب السياسية. فلقد رسمت الورقة النقاشية الثانية للملك خارطة الحكومة البرلمانية موجهة الى أن المعارضة الأردنية تحتاج إلى بلورة أعراف تحكم آلية حكومة الظل من أجل مساءلة الحكومات وعرض رؤى بناءة بديلة، فأن مسار تعميق الديمقراطية في الأردن "يكمن في الانتقال إلى الحكومات البرلمانية الفاعلة"، للوصول "إلى مرحلة يشكل ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب الحكومة". وفور انتهاء الانتخابات النيابية ، تجري المباشرة "بإطلاق نهج الحكومات البرلمانية، ومن ضمنها كيفية اختيار رؤساء الوزراء والفريق الوزاري، فالتجارب الدولية المقارنة تشير إلى الحاجة إلى عدة دورات برلمانية لإنضاج هذه الممارسة واستقرارها، فالذي يحدد الإطار الزمني لعملية التحول الديمقراطي هذه هو النجاح في تطوير أحزاب سياسية على أساس برامجي، تستقطب غالبية أصوات المواطنين، وتتمتع بقيادات مؤهلة وقادرة على تحمل أمانة المسؤولية الحكومية، فيما جاءت الورقة النقاشية الثانية على أسس برلمانية تنطلق من توخي المصالح العليا للدولة الأردنية من ائتلافات نفعية غير ممثلة وغير مستقرة.
أما الورقة النقاشية الثالثة تحدثت عن أن فلسفة الحكم لدى الهاشميين لا تقوم على احتكار السلطة أو استخدام القوة، بل إنه حكم يستند إلى الشرعية التاريخية لخدمة المصلحة العليا للدولة الأردنية. أكد الملك في ورقته النقاشية الرابعة أن الهدف الاستراتيجي للإصلاح السياسي في الأردن، حين يقول: "الهدف الأساسي من الإصلاح هو تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، من خلال تعميق نهج الحكومات البرلمانية، بحيث نصل إلى حكومات مستندة إلى أحزاب برامجية وطنية وذلك على مدى الدورات البرلمانية القادمة، وبحيث تكون هذه الأحزاب قادرة على تحقيق حضور فاعل في مجلس النواب، يمكنها من تشكيل حكومة أغلبية على أساس حزبي برامجي، ويوازيها معارضة نيابية تمثل الأقلية، وتعمل ضمن مفهوم حكومة الظل".