هل يمتلك الأردن مقومات تحقيق الأمن الغذائي؟.. اقتصاديون يجيبون
مدار الساعة - أكد اقتصاديون ومختصون بالشأن الزراعي أن تحقيق الأمن الغذائي في المملكة يتطلب نهوضا شاملا بالقطاع الزراعي، وتحفيزا وتطويرا لأدوات الإنتاج وإدامته عن طريق تنمية الموارد وفتح قنوات تسويقية غير تقليدية.
وقالوا لوكالة الأبناء الأردنية (بترا)، إن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب التوجه نحو الحلول والأفكار الإبداعية بمجالات الإنتاج والتخزين والتزويد، والتركيز على التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والتركيز على سلامة الغذاء وسهولة وصوله للمواطنين.
وشددوا على ضرورة التعاون والتكامل من قبل الجهات المعنية في سبيل تحقيق رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني الداعمة للقطاع الزراعي للوصول إلى الأمن الغذائي المنشود، وبما يسهم في نهوض الاقتصاد الوطني. وقال رئيس لجنة الزراعة في مجلس الأعيان ووزير الزراعة الأسبق الدكتور عاكف الزعبي، إن الأمن الغذائي يعرف بقدرة الدولة على توفير الغذاء الكافي والآمن صحيًا وبأسعار تتناسب مع دخول مواطنيها.
وأضاف الزعبي أنه يمكن القيام بذلك من خلال تحفيز إنتاج الغذاء بتنمية قطاع الزراعة عن طريق تنمية الموارد (الأرض والمياه والطاقة والعمالة والتمويل والبحث العلمي)، وتطوير الإنتاج والتسويق الزراعيين وتحفيز الصادرات الكلية لتوفير النقد الأجنبي اللازم لشراء الغذاء الذي لا تستطيع الدولة إنتاجه لسبب أو لآخر، مبينا أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع الاكتفاء الغذائي ذاتيا مهما عظمت مواردها.
وبين الزعبي أن على الدولة أن توفر الأجهزة اللازمة للتأكد من صحة الغذاء من خلال الجهات المعنية مثل (وزارة الزراعة، ومؤسسة الغذاء والدواء ، ومؤسسة المواصفات والمقاييس).
وطالب بأن تكون أسعار المواد الغذائية عند أدنى حد ممكن لتكون في متناول الغالبية العظمى من المواطنين، وتنفيذ برامج دعم للأسر المحتاجة وبناء شبكة الأمن الاجتماعي التي تخدمهم، إضافة إلى بناء المخزون الاستراتيجي من مواد الغذاء الأساسية لعدة أشهر على الأقل، مؤكدا أهمية وجود استراتيجية وطنية للأمن الغذائي التي أقرها مجلس الوزراء خلال شهر أيار الماضي.
وأكد ضرورة تنفيذ الخطة أو البرنامج التنفيذي الذي تم تضمينه في الاستراتيجية ومن ضمنها إنشاء الأجهزة الحكومية التي طالبت الاستراتيجية بإنشائها، وذلك نظرا لأهمية دور هذه الأجهزة في تنفيذ ما هو مطلوب في الاستراتيجية من سياسات وتشريعات ومشاريع ومتطلبات إدارية ومالية.
وأشار الزعبي إلى أن الأردن يملك أجهزة أساسية لأمن الغذاء أبرزها وزارة الزراعة ومؤسسة الغذاء والدواء ومؤسسة المواصفات والمقاييس، مؤكدا أن الأردن يحتاج إلى وضع سياسات خاصة بأمن الغذاء والتعاون مع القطاع الخاص وبناء شراكة حقيقية وفاعلة معه.
بدروه، أكد وزير الزراعة الأسبق المهندس إبراهيم الشحاحدة، أن الأردن يمتلك مزايا نسبية عديدة غير متوفرة في دول الجوار، مشيرا إلى أهمية العمل على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية التي يمتاز بها لتحقيق الأمن الغذائي المنشود.
وأضاف أن الأردن يمتلك عنصرا أساسيا ومهما في القطاع الزراعي وهو المزارع المجد والمجتهد، ويمتاز بتعدد المناخات ما يعني السماح بزراعة بعض المحاصيل على طيلة أيام العام وهذه الميزة ليست متواجدة في دول الجوار، إضافة إلى وصول الأردن في بعض القطاعات إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي حيث أصبح لديه الخبرة الكبيرة في هذا المجال، مثل قطاع الألبان والأجبان ومشتقاتها والدواجن والأسماك النهرية وغيرها.
ولفت الشحاحدة إلى أن الأردن استطاع في بعض القطاعات تحقيق الأمن الغذائي المطلق منذ زمن، وخلال الفترة الماضية قدم سلة غذائية جيدة لدول الجوار والدول الأوروبية من الخضار والفواكه .
ونوه إلى أنه يمكن للأردن الاستفادة من الميزة النسبية التي يتمتع بها، والبناء عليها لتسهيل أمر المزارع، بهدف الوصول إلى عملية تحقيق الأمن الغذائي عن طريق حماية المنتج المحلي بما يتلاءم مع عناصر الأمن الغذائي الأساسية وهي توفير الغذاء وفق معايير الجودة والسلامة العامة وبأسعار مناسبة للمستهلك.
وذكر أن برنامج الاعتماد على الذات اثبت نجاعته خلال أزمة جائحة كورونا حيث استطاع الأردن الاستمرار في ديمومة الإنتاج وتأمين الأسواق المحلية بأهم السلع والمواد الأساسية إضافة إلى تأمين مخزون استراتيجي وبكميات جيدة، رغم التحديات العالمية التي فرضتها تبعات الوباء على العالم أجمع. وأشار الشحاحدة إلى أن القطاع الزراعي يعد البنية التحتية لجميع القطاعات الأخرى، حيث يسهم القطاع الزراعي في دعم وتمكين الاقتصاد الوطني، كما أن تطبيق خطة زراعة العجز أو محاصيل العجز تسهم في القدرة على توفير العملات الأجنبية، إضافة إلى أن تحقيق القيمة المضافة أعلى ما يكون في القطاع الزراعي.
وأوضح أن القطاع الزراعي يلامس قضيتين مهمتين: الفقر والبطالة، حيث أن الفقر في القطاع الزراعي يقابله الأمن الغذائي، والبطالة تقابلها قدرته على استيعاب العمالة وتوفير فرص عمل، مؤكدا أهمية التعاون والتكامل بشكل إيجابي بين الجهات المعنية والقيام بدورها الفاعل والمناط بها من أجل المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
من جانبه، قال ممثِّل قطاع الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل في غرفة صناعة الأردن المهندس أحمد البس، إن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب إنتاج وتوفير المواد الأساسية، كالقمح، والأرز والسكر و الأعلاف، مبينا أن المملكة يتعذر عليها إنتاج هذه المواد لعدم توفر كميات مناسبة من المياه.
وأضاف أنه لتحقيق الأمن الغذائي يجب على الجهات المعنية إجراء وعمل دراسات بحثية حول مصادر المياه وإمكانية توفرها مثل المياه الجوفية، مبينا أن هناك العديد من الحلول الإبداعية لتوفير وتعزيز مصادر المياه، لاسيما أن تعزيز وتوفير المياه يمكننا من الزراعة.
وأشار المهندس البس إلى أن الأردن يحتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي نحو مليوني دونم لزراعتها ببعض المواد الأساسية كـالقمح والسكر والذرة وغيرها، مؤكدا أنه يمكن تحقيق الأمن الغذائي من خلال إيجاد تخطيط سليم، وتوجه نحو الصناعات الغذائية، إضافة إلى تخفيف العبء عن إنتاج كميات كبيرة من الخضروات ما يتسبب بإتلافها لعدم القدرة على تصديرها نتيجة للظروف والتحديات التي تحدث في العالم.
وأكد أن إنتاج جميع ما يحتاج الأردن من الغذاء ليس قريب المنال إنما بحاجة إلى جهود غير اعتيادية من قبل الجهات المعنية كـوزارة الصناعة والتجارة والتموين، والزراعة، ودائرة الإحصاءات العامة، وغرف التجارة والصناعة وغيرها، إضافة إلى أهمية التنسيق مع الجهات الخارجية لسد العجز في بعض المحاصيل.
وأشار المهندس البس إلى أن تحقيق الأمن الغذائي يحتاج إلى خطط طويلة وقصيرة المدى، مبينا أن المحاصيل الحقلية تتطلب توفر كميات كبيرة من المياه، فالأردن يحتاج إلى أكثر من مليار متر مكعب من المياه لسد هذا العجز، مبينا انه يمكن توفيرها بحال تم تنفيذ مشروع ناقل البحرين لتوفير المزيد من كميات المياه، وإنقاذ البحر الميت والحفاظ على مستوى المياه فيه. أما عن الخطة القصيرة المدى، أوضح أنها تكون على المستوى الوطني من خلال التعاون بين وزارتي المياه والزراعة والخبراء والباحثين في هذا الشأن، للبحث في تفاصيل إنتاج المحاصيل الحقلية، بحيث يتمكن الأردن من إنتاج جميع المحاصيل المستوردة، من خلال النظر إلى خريطة الاستيراد لمعرفة أهم المستوردات الخارجية، ومعرفة ما يمكن إنتاجه محليا لتأمين وسد احتياجات الأردن من السلع.
وبين أنه يمكن تقوية الصناعة الزراعية من خلال عدة إجراءات اقتصادية متبعة لدعم بدايات إنتاج كامل الصناعات الزراعية المختلفة.
ولفت إلى أن غرفة صناعة الأردن قامت بعمل العديد من الدراسات حول الفجوة الزراعية، تشمل تحديد أهم المحاصيل المستوردة من الخارج، ومدى إمكانية زراعتها في الأردن، فمن خلاله يستطيع الأردن الاتجاه نحو تحقيق أعلى نسبة من الأمن الغذائي.
وشدد المهندس البس على أهمية إيجاد خريطة وبنك للمعلومات الزراعية تمتاز بأنها حديثة وسريعة، وتجدد أسبوعيا، حيث تتضمن أهم المحاصيل المزروعة، لتوجيه المستثمر نحو المساحات التي يمكن زراعتها في كل وقت من السنة، مؤكدا ضرورة التنسيق بين وزارة الزراعة ودائرة الإحصاءات العامة لتسهيل وجود معلومات حديثة وسريعة، تساعد في توزيع مساحات الأراضي بطريقة سليمة. بدوره، عرف أستاذ الزراعة في الجامعة الأردنية الدكتور دوخي الحنيطي، الأمن الغذائي بالقدرة على توفير الطعام بالكم والنوع والوقت المناسب لجميع أفراد المجتمع، مؤكدا إن ذلك يأتي بتأهيل القدرات المحلية من خلال إدارة الموارد الزراعية والصناعية وغيرها، وإن تعذر ذلك يتم عن طريق العملية التكميلية وهي الاستيراد.
وأكد أهمية إيجاد خطة استراتيجية خاصة بالأمن الغذائي تتضمن التوقعات بالإنتاج المحلي الحالي والمستقبلي، بناء على معدل النمو السكاني، و الأزمات المتوقع حدوثها، إضافة إلى تحديد السلع المنتجة محليا، والسلع التي تستورد من الخارج للتخزين ومعرفة الفترات المسموح لها بالتخزين. وأوضح أن الأمن الغذائي لا يتضمن فقط توفير الغذاء، إنما القدرة على شرائه، مشيرا إلى أن الميل الحدي للاستهلاك في الأردن قبل عشر سنوات كان ينفق على الغذاء نحو 37 بالمئة، فيما يتراوح الآن 57 بالمئة، وهذا يدل على أن النسبة الأكبر من دخل المواطن تذهب إلى استهلاك الغذاء، ما يعد دليلا واضحا على ارتفاع مستويات الفقر، وتدني مستويات الرفاهية الاجتماعية للمواطنين.
وبين الدكتور الحنيطي أن هذا الأمر يدل في السياق الاقتصادي على انخفاض القدرة الشرائية عند المواطنين، مبينا أن هذا المنحى لا يسير بشكل جيد وهذا ما يتطلب من الجهات المعنية إعادة النظر بهذه السياسات، لاسيما أن هناك أفرادا يلجأون إلى أصناف وأنواع من الغذاء ليست ذات مستويات عالية أي ذات جودة منخفضة نتيجة لتدني المداخيل.
وأشار إلى ضرورة أن تكون الاستراتيجية مبنية على أساسين؛ دعم الإنتاج المحلي من خلال صيانة وإدارة الموارد الزراعية، ووضع نمط زراعي، والمقصود به أن لا يزرع الجميع نفس النوعية إنما يتم ترغيب أو دعم المزارعين بزراعة بعض المنتجات الاستراتيجية للأردن وذلك ضمن الموارد المتاحة حاليا، من أجل تحقيق توازن بين المعروض والمطلوب.
ولفت الدكتور الحنيطي إلى أن الوصول إلى التوازن في العرض والطلب يكون من خلال إدارة النمط الزراعي الموجود، حيث يتم تحديد وتقدير ما يزرع من أصناف وسلع استراتيجية، إضافة إلى إدارتها عن طريق حصص المياه حسب الصنف المتواجد، مؤكدا أهمية تقديم الدعم للمزارع لتشجيعه على العمل من خلال عدة أشكال منها تقديم القروض والبرامج التحفيزية. وقال الدكتور الحنيطي إن الأساس الثاني للاستراتيجية تقديم الدعم للأسر الفقيرة من خلال رفع مستويات الاستثمار في الأردن، مؤكدا أن الاستثمار يعد المدخل الأساسي لتحقيق الأمن الغذائي على المدى البعيد.
وشدد على أهمية إدخال التكنولوجيا في الأنماط الزراعية، لتمكن وتساعد على الاستخدام الأمثل للموارد أو البحث عن العجز الحاصل في المساحة أو المياه وغيرها، مبينا أن استخدام الطرق والأساليب الحديثة تؤدي إلى زيادة كميات الانتاج، وتوفر بعض المنتجات المطلوبة ضمن أدنى مستوى من استهلاك المياه.
وبين الدكتور الحنيطي أن إعطاء المزروعات حسب احتياجاتها الضرورية ضمن أسلوب زراعي تقليدي قديم يعد نوعا من أنواع الهدر في الموارد، مشيرا إلى أن توفر الفرصة البديلة لها عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة يسهم بتوفير 75 بالمئة من هذا المورد ضمن أعلى مستوى للإنتاج والكفاءة، ويتناسب مع مجالات التسويق من حيث الشكل والنوع والطعم وغيرها. إلى ذلك، أكد مستورد المواد الغذائية جمال عمرو أن تحقيق الأمن الغذائي يعتمد على محورين مهمين: الأول المحور الزراعي والاعتماد على الذات في زراعة المحاصيل وفي الصناعة الزراعية، والثاني يعتمد على الدراسات والإحصاءات الحقيقية الصادرة عن مصادر رسمية مثل دائرة الجمارك وذلك ضمن خمس سنوات، من حيث كمية الاستيراد والمنشأ ومعدل الأسعار، بحيث تكون هذه المعلومات متاحة للغرف التجارية. وأضاف عمرو انه يعتمد على البنية التحتية من وسائل نقل حديثة وملائمة لنقل الغذاء بشكل سليم، والتخزين وهي من أهم الأمور، مطالبا الحكومة بتوفير مستودعات وبمساحات كبيرة بأسعار مدعومة لتشجيع المستوردين لشراء كميات كبيرة تكفي لستة أشهر “مخزون آمن”، إضافة إلى تسهيل مرور البضاعة عبر المعابر الجمركية ضمن المواصفات القياسية الدولية.
وطالب الجهات المعنية بتدريب كوادر فنية مؤهلة، والسماح بتأجيل الضريبة العامة وضريبة الدخل على السلع الخاضعة إلى ما بعد البيع، ومنح تسهيلات مالية وتسهيل فتح الاعتمادات البنكية لاستيراد المواد الأساسية ومدخلات الإنتاج للتصنيع الغذائي.
ودعا عمرو إلى ضرورة توعية المستهلكين بطرق الاستهلاك الصحيح من تخزين واختيار القيمة الغذائية التي توفر للأسرة الطاقة والبروتين والفيتامينات والمعادن، وذلك من خلال عقد الدورات، إضافة إلى دعوة المواطنين للتخلص من عقدة الأسماء التجارية واختيار السلعة على أساس القيمة الغذائية بغض النظر عن المنشأ، وكذلك تشجيع المواطنين على استهلاك السلع الأردنية.- (بترا)