صناعة القتلة (الشخصية السكوباتية)

محمد عبد الحميد الهباهبة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/17 الساعة 11:19

" أردت قتلها، أردت ذلك لأنه أشعرني بالراحة" بهذه الكلمات يعترف ( صموئيل ليتل) القاتل المتسلسل بالدافع الذي أدى لقتله أحد ضحاياه دون أدنى شعور بالذنب .

يعتبر عالم جريمة القتل متشعب الأسباب والدوافع، كالقتل للدفاع عن النفس، القتل غير العمد، القتل الذاتي.

لكن هنالك نوع من القتل يرتبط بمتغيرات وراثية وبيئية، تتلازم بمجموعة من البشر يلاحظ بأنها آخذة بالازدياد نظراً لارتفاع معدل الجرائم وخصوصاً في الدول النامية .

تبدأ هذه المتغيرات في مرحلة التكوين ( الأجنّة ) والطفولة لتصبح عاملاً موجهاً في تهيئة هذه الفئة بأن يصبحوا لاحقاً قتلة أو مجرمين ذو تصنيف خطير .

ومن هذه المتغيرات " مرض الاعتلال النفسي الشخصية السكوباتية" اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع التي تتسم بضعف التعاطف والندم والأنانية وافتقار الحس الأخلاقي والضمير وسلوك اندفاعي عدواني.

تشير عدة دراسات وأبحاث لعلماء النفس والدماغ الى وجود عوامل تساهم في إنتاج الشخصية السكوباتية، أو كما وصفها عالم الأعصاب( جيمس فالون) بالثالوث غير المقدس وهي :

١_ وجود خلل بوظيفة القشرة المدارية فوق العينين المسؤولة عن الشعور بالذنب أو الندم وتفسير الواقع والتحكم بالدوافع العاطفية والاجتماعية والحس الأخلاقي.

٢_ وراثة جين (AMO) الذي ينتج عنه اضطرابات نفسية أهم أعراضها السلوك المعادي للمجتمع حيث يعاني من يحمل هذا الجين من حالات انفعال وعصبية شديدة .

٣_ طفولة خالية من الاهتمام والحب مليئة بالعنف والتنمر والضغوط الاقتصادية والاجتماعية .

بالإضافة لذلك وضع علم النفس التطبيقي مرض الاعتلال النفسي ضمن " الثالوث المظلم " الذي يصنف الأمراض النفسية شديدة الخطورة .

شكلت الشخصية السكوباتية مادة مثيرة للاهتمام لدى العديد من العاملين في أنظمة العدالة الجنائية وطب الدماغ والنفس وصولاً إلى الفلاسفة مما حدا ببعضهم إلى اعفاء السكوباتي من المسؤولية الأخلاقية.

من جهة أخرى وظفت السينما العالمية " الشخصية السكوباتية " في الأفلام والمسلسلات بأدوار مختلفة، حيث لابد من الإشارة الى إنتاج السينما الكورية والمتمثل بمسلسل (Mouse )، الذي استطاع تسليط الضوء على الشخصية السكوباتية بشكل مباشر ورئيسي .

تكمن فكرة المسلسل بطرح سؤال " ماذا لو أفرزنا السكوباتيين مسبقاً ؟ "، تعتمد الإجابة على هذا السؤال بتبني مجموعة من المختصين اقتراح يقدم إلى السلطات حول إمكانية الكشف عن مرضى الاعتلال النفسي في مرحلة الأجنّة بالأرحام، وهل من الضروري إخراجهم الى المجتمع ليصبحوا قتلة مستقبلاً ؟

يقابل هذا السؤال سؤالاً آخراً ؛ هل من العدل أن تحكم على طفل لم يولد بعد بالموت ؟

يُستنتج من مشاهدة مسلسل ( Mouse) بأن الغاية غير المعلنة تتلخص بفكرة الوصول إلى "مجتمع النخبة" وهو مجتمع خالي من المجرمين والمرضى الميؤوس من شفائهم وعدد البشر الفائض ( المليار الذهبي) " .

لا تختلف هذه الفكرة عن قانون " القتل الرحيم " وقانون " حق الاجهاض " المطبق بالعديد من دول العالم ( الليبرالي)، متجاهلين حق الانسان بالأمل والمحاولة .

حيث من غير المستبعد تحول فكرة التخلص أو عزل مرضى الاعتلال النفسي في مرحلة الأجنّة أو ما بعدها إلى واقع، في حال أثبتت الافتراضات والدراسات تشخيص دقيق لهم .

تضع جميع الدراسات والأبحاث أنظمة العدالة الجنائية وأطباء علم النفس والاجتماع والدماغ في الأردن ، أمام تحدٍ بات ضرورياً من أجل وضع برتوكول وقائي علاجي وقانوني لاحتواء وإعادة تأهيل مرضى الاعتلال النفسي من المجرمين ذو التصنيف الخطير وجرائم العنف المتكررة، مع ضرورة إحداث تغيير بالأساليب التقليدية لمفهوم الإصلاح والتأهيل وعدم اختزالها بعقوبة سلب الحرية فقط.

وبذات الوقت يعتبر الجانب الاقتصادي والمعيشي الصعب عاملاً مهماً بالتأثير على الجانب النفسي للمجتمع ،بالإضافة الى دور الأسرة والمجتمع والمدرسة في توفير بيئة سليمة للطفل، تحميه من العنف والتنمر حتى يكتسب توازن نفسي سليم .

مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/17 الساعة 11:19