تشوهات اقتصادية

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/16 الساعة 00:33
مشاكل الاقتصاد الوطني مزمنة، وليس من السهولة حلها على المدى القصير، فهي تحتاج لبرامج تصحيحية طويلة، لإزالة الاختلالات التي تعصف به، خاصة فيما يتعلق بالتشوهات في هيكل الاقتصاد، والتي أدت لمزيد من التركيز في النشاط المالي والإنتاجي والتحصيلي في الدولة.
بمعنى أن هناك تشوهات مزمنة أدت لمشهد اقتصادي يعتقد البعض أنه سليم، لكنه في الواقع يعتبر تحدياً خطيراً أمام راسم السياسة الاقتصادية للدولة، للعمل على تطويره وتوسيع القاعدة الإنتاجية والاستثمارية في الاقتصاد الذي بات بأمس الحاجة إلى لاعبين جدد، أو مستثمرين جدد، أو منتجين جدد، بغض النظر عن التسمية، فالاقتصاد الذي ينمو بمعدلات ضعيفة يحتاج لأدوات إنتاجية وإبداعية في الاقتصاد غير تقليدية وتكون أيضاً جديدة.
فلا يعقل أن يبقى الاقتصاد أسيراً للظروف، والتأكيد بأن له وزناً وثقلاً رئيسياً ومركزياً، ورغم الحاجة الملحة لهذه المكونات الاقتصادية، إلا أن الاقتصاد وتحديداً تحت هذه الظروف، بات بحاجة فعلية لدخول لاعبين جدد في هيكل الاقتصاد للمساهمة بشكل أساسي في زيادة النمو، وتوسيع القاعدة الاستثمارية والإنتاجية، ومن ثمة زيادة القدرة التوظيفية في الاقتصاد.
فلا يعقل أن تشكل الأرباح النصف سنوية لثلاث شركات كبرى (الفوسفات، البوتاس والبنك العربي) أكثر من 70% من إجمالي الأرباح الصافية لـ168 شركة مساهمة عامة أفصحت عن بياناتها في البورصة مؤخراً، لا بل إن نصف أرباح القطاع المالي تأتي من شركة واحدة، ولا يعقل أن تبقى 38 شركة كبرى تدفع أكثر من 68 % من إجمالي إيرادات ضريبة الدخل، و32 % تدفعه أكثر من 55 ألف شركة مسجلة.
ومن غير المنطق أن تكون إيرادات الخزينة من المحروقات والسجائر تستحوذ وحدها على 52 % من إجمالي إيرادات ضريبة المبيعات التي تقترب من الـ4 مليارات دينار تقريباً، ناهيك من أن 12 سلعة تشكل ضريبتها مجتمعة مليار دينار، أو ما نسبته 25 % من ضريبة المبيعات.
حتى على صعيد الأفراد، فمن يدفع ضريبة الدخل هم قلة قليلة من المجتمع العامل لا تتجاوز نسبته الـ15 % من إجمالي العاملين.
في المقابل نجد التركيز كذلك على أشده في حيازة الثروات، فما هو متداول من أن هناك 5 % من المودعين يستحوذون على أكثر من 80 % من إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي، وهذه تبقى أرقاما سرية، لكنها متداولة بصورة غير رسمية لم يثبت أبداً تأكيدها بشكل قاطع.
الأمر طال كذلك حتى هيكل الصادرات الوطنية، فمن أصل 132 سوقاً وصلت إليه الصادرات الأردنية، إلا أن هناك 15 سوقاً دولية تستحوذ على أكثر من 70 % من الصادرات السلعية، وهناك 15 سلعة تصديرية تشكل حوالي 75 % من إجمالي الصادرات الوطني.
الأرقام السابقة، وإن كان مشهدها متداولاً في الكثير من دول العالم، إلا أن في الأردن تعطي مؤشرات ودلالات مهمة على مدى التركيز الاقتصادي في النشاط الإنتاجي والاستثماري والادخاري في المجتمع، ورغم أهمية هذا الترند في دعم الاستقرار إلا أن الحاجة ضرورية لتوسيع القاعدة الاقتصادية بشكل أكبر مما هي عليه الآن، والتي هي تراكمات منذ سنين لم يتغير مشهدها ولا هيكلها، فالاقتصاد بحاجة إلى دخول اقتصاديين جدد، يساهمون في الاستثمار والتشغيل والإيرادات للخزينة والادخار، فالتركيز الاقتصادي بهذا الشكل قد يكون تشوها في شكل الاقتصاد الذي قد يوصف حينها بأنه اقتصاد مغلق ليس بحكم القانون والأنظمة بقدر ما هو مغلق بحكم البيروقراطية السلبية وغياب الرؤية الاستثمارية الجاذبة للاستثمار الجديد للمملكة.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/16 الساعة 00:33