تدخلات صندوق النقد الدولي في الأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/15 الساعة 11:25
مدار الساعة - كتب: أحمد عوض - مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية
تفيد المؤشرات الإحصائية المتعقلة بالبطالة أن تدخلات صندوق النقد الدولي المتنوعة في فرض إعادة هيكلة الاقتصاد الأردني، كان لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على زيادة معدلات البطالة وتراجع شروط العمل. فقد كانت تتراوح معدلات البطالة في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي حول 8 بالمئة، وهي الفترة التي بدأت فيها الحكومات الأردنية المتعاقبة بتطبيق سياسات أعادة الهيكلة في إطار برامج صندوق النقد الدولي، وسجلت 19.2 بالمئة في سنة 2019 قبل دخول جائحة كورونا وتأثيراتها الصعبة، حي وصلت الى 22.8 بالمئة خلال الربع الثاني من عام 2022.
وللوقوف بشكل تفصيلي على التغييرات التي جرت في بنية الاقتصاد الأردن خلال العقود الثلاثة الماضية من المفيد التوقف عند خصائص هذا الاقتصاد، حيث يعد الأردن من الدول تعاني من نقص في الموارد، ويعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية الخارجية، وخاصة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وعلى الرغم من زيادة مستويات المساعدات المالية على شكل قروض ومنح والتي استفاد منها على مر السنين- خاصة على مدى العقود الثلاثة الماضية- فشل الأردن في التطور بشكل مستدام، مما يعني أنه لم يتمكن من بناء اقتصاد وطني مستقل قادر على تحرير البلاد تدريجياً من اعتمادها المالي على شركائها والمؤسسات المالية الدولية. وفي الواقع، حدث العكس. وعبر هذه السنوات، لم تتحسن الظروف المعيشية في البلاد على مر السنين، حيث بقيت معدلات الفقر والبطالة مرتفعة، ولا يزال المواطنون بحاجة إلى حماية أفضل لحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
تاريخياً، اعتمد الأردن بشكل كبير على دعم اثنتين من المؤسسات المالية الدولية الرئيسية- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- وقد تم إنفاق قروض بمليارات الدولارات منذ أن بدأ الأردن في تلقي مساعدة صندوق النقد الدولي لأول مرة في عام 1989، مما سمح للأردن بتغطية النفقات الجارية، ومتابعة بعض المشاريع التنموية، والحفاظ على مستوى معين من النمو الاقتصادي.
ولم تكن هذه القروض والمنح تأتي بالمجان، اذ أن تدخلات صندوق النقد الدولي تأتي من أجل تحقيق استقرار مالي ونقدي يمكن الدولة من تسديد التزاماتها تجاه الدائنين الخارجيين. وهذا هدف معلن في غالبية أدبيات هذه المؤسسة الاقتصادية ذات النفوذ الكبير على مسار الاقتصادي العالمي وخاصة الدول التي تعاني من مشكلات بنيوية وتضطر لطلب مساعدتها.
اذ مقابل المساعدات المالية التي احتاج اليها الأردن، كان على الأردن أن يوافق على عدد من الشروط في إطار عدد من الاتفاقيات كجزء من اتفاقياته مع الصندوق. حيث تنفيذ برامج التكيف الهيكلي المتتالية بغض النظر عن مسمياتها، حيث طالب بتحرير اقتصادي واسع النطاق في البلاد، يرافقه تنفيذ سياسات تقشفية.
جاء ذلك بعد أو وجدت الحكومة الأردنية نفسها غير قادرة على سداد التزاماتها تجاه الدائنين في عام 1989، بسبب سلسلة من السياسات الاقتصادية غير الحصيفة التي عززت من الاعتماد المتزايد للاقتصاد الأردني على المساعدات الخارجية (قروض ومنح)، واستفاد من الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط حيث ازدادت المساعدات، بالإضافة إلى زيادات ملموسة في التحويلات المالية من العمال الأردنيين العاملين في دول الخليج العربي. ساهم ذلك في فترة من الازدهار النسبي امتدت من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، عندما كانت معدلات النمو في الأردن من بين أعلى المعدلات في العالم، وتحسن الدخل الفردي وظروف المعيشة بشكل كبير. ومع ذلك، فإن هذه الفترة من النمو القوي التي تغذيها المساعدة الإنمائية الرسمية والتمويل الخارجي عززت اعتماد الأردن على شركائها الدوليين، حيث تم السماح لمستويات الاستهلاك العام والخاص بالارتفاع فوق ما كان يمكن الوصول إليه فقط من خلال الناتج المحلي الإجمالي. إن اعتماد الأردن على تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية سيثبت في النهاية أنه غير مستدام.
وفي الوقت نفسه، أدت قوة الدينار الأردني إلى زيادة الواردات، مما أضر بالقطاعات المحلية المنتجة، والتي كان من الممكن أن يساهم نموها في الحد من ارتفاع معدلات البطالة في الأردن، مع جعل الصادرات أقل جاذبية للشركاء الدوليين. كما أدت المستويات العالية من الإنفاق المحلي الذي تغذيه المساعدة الإنمائية الرسمية إلى التضخم، وزيادة عرقلة الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستهلاك على المدخرات والاستثمار. بعد عام 1985 شهد الأردن فترة من التدهور الاقتصادي وصلت إلى ذروتها خلال أزمة العملة والمصارف عام 1989. في عام 1988، دخلت البلاد في ركود امتد إلى عام 1990، مما أدى إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي. ولم يعد الأردن قادرا على الاستمرار في خدمة ديونه الخارجية، التي قاربت على 200 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
منذ أواخر عقد الثمانينات، بدأ صندوق النقد الدولي في الضغط من أجل تحرير القطاع المالي وأسعار الصرف في الأردن. وفي هذا السياق أدخلت الحكومة قانون تشجيع الاستثمار الجديد عام 1988، والذي خفف القيود على حركة رأس المال في كل من الأردن والخارج. في العام نفسه، انخفض سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار الأمريكي.
ومنذ ذلك الوقت بدأ الأردن بتنفيذ سياسات اعادت هيكلة الاقتصاد الوطني، واتسمت بالتقشف، ولامست مختلف مكوناته، وبعيدا عن تفاصيل هذه التدخلات المتشعبة، والتي كان لها تأثيرات كبيرة على قدرات الاقتصاد الوطني في توليد فرص عمل لائقة وكافية لطالبيها من الشباب والشابات الأردنيات. حيث تركزت هذه التدخلات على تصميم وتطبيق سياسات ضريبية اتسمت بغياب العدالة، حيث التوسع الكبير في فرض الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والمقطوعة والرسوم الجمركية) على حساب ضرائب الدخل المباشرة والتصاعدية، ما أدى الى ضغوط على النمو الاقتصادي، رافقه تطبيق سياسات حمائية وسياسات أجور تقشفية، تدفع باتجاه الضغط على الأجور، واعتماد منهج استهدافي في تقديم الحمايات الاجتماعي، بحجة تقليص عجز الموازنة العامة للدولة.
وخلال مسار العمل مع الصندوق وبرامجه المتعددة، أصبحت توجيهاته أكثر صرامة في توصياته بشأن خصخصة الأصول المملوكة للدولة، وتجميد الرواتب المدنية والعسكرية، والحد من حماية العمال.
وفي الوقت نفسه، ساهمت هذه الخيارات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي، في زيادة اعتمادية الاقتصاد الأردني على القروض والمنح الخارجية، والفشل في ضمان الاستقلال الاقتصادي للأردن، وفي اضعاف قدرات القطاعات الإنتاجية المختلفة وبالتالي تراجع قدرات الاقتصاد الوطني على توليد فرص العمل الجديدة، حيث تضاءلت من 70 ألف فرصة عمل سنويا في عام 2007 و2008 إلى 48 ألف فرصة عمل فقط في عام 2015 والى 35 ألف فرصة عمل جديدة في عام 2019. ما يفسر الارتفاعات المستمرة في معدلات البطالة، الى أن وصلت الى 24.1 بالمئة في عام 2021، وبين الشباب 48.5 بالمئة، وبين النساء 30.7 بالمئة.
الى جانب ذلك، ساهمت الضغوط على السياسات الحمائية وعلى رأسها الأجور، حيث إنه واستجابة الى اشتراطات صندوق النقد الدولي، تم الحيلولة دون زيادة معدلات أجور العاملين في القطاعين العام، بمعدلات تتوائم مع الارتفاعات المتتالية في تكاليف المعيشة، الى زيادة أعداد الفقراء ليشمل ذلك قطاعات واسعة من العاملين، حيث تشير تقارير المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي الى أن ما يقارب 56 بالمئة من مشتركي الضمان الاجتماعي تصل رواتبهم الى 500 دينارا شهريا فأقل. وتأتي هذه الاشتراطات بمبررات تتعلق أن زيادة أجور العاملين في القطاع العام من شأنها زيادة عجز الموازنة العامة للدولة.
كذلك ساهمت اشتراطات الصندوق في هذا المجال الى عدم رفع الحد الأدنى للأجور الى مستويات تلبي الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، مبررين ذلك أن رفع الأجور في القطاع العام سيعيق عجلة النمو الاقتصادي، باعتباره يرتب تكاليف إضافية على أصحاب الأعمال، ما أدى الى عزوف قطاعات واسعة من طالبي الوظائف وخاصة النساء عن الانخراط في سوق العمل، بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية للعمل بأجور منخفضة جدا.
خلاصة الأمر، ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه الحكومات المتعاقبة من أن السياسات الاقتصادية التي يشترطها صندوق النقد الدولي ضرورة ملحة لمعالجة التحديات الاقتصادية في الأردن، ولتوفير بيئة ملائمة لخلق فرص عمل كافية تقلل من المعدلات المتنامية للبطالة وخاصة بين الشباب والنساء، الا أن واقع الحال بعد ثلاثة عقود متتالية من تطبيق برامج صندوق النقد الدولي، تخللتها فترة انقطاع لعدة سنوات، فإن الأولويات التنموية للبلاد بقيت دون معالجة إلى حد كبير، والمعضلات الاقتصادية تعمقت أكثر، حيث تضاعف الدين العام لأكثر من مرة، ومعدلات النمو الاقتصادي يرزح عند مستويات منخفضة جدا منذ أكثر من عشر سنوات، وعجز الموازنة يزداد عاما بعد عام، ومعدلات الفقر في تنامي مستمر، ومعدلات البطالة تضاعفت.
* الورقة بالتعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,
تفيد المؤشرات الإحصائية المتعقلة بالبطالة أن تدخلات صندوق النقد الدولي المتنوعة في فرض إعادة هيكلة الاقتصاد الأردني، كان لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على زيادة معدلات البطالة وتراجع شروط العمل. فقد كانت تتراوح معدلات البطالة في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي حول 8 بالمئة، وهي الفترة التي بدأت فيها الحكومات الأردنية المتعاقبة بتطبيق سياسات أعادة الهيكلة في إطار برامج صندوق النقد الدولي، وسجلت 19.2 بالمئة في سنة 2019 قبل دخول جائحة كورونا وتأثيراتها الصعبة، حي وصلت الى 22.8 بالمئة خلال الربع الثاني من عام 2022.
وللوقوف بشكل تفصيلي على التغييرات التي جرت في بنية الاقتصاد الأردن خلال العقود الثلاثة الماضية من المفيد التوقف عند خصائص هذا الاقتصاد، حيث يعد الأردن من الدول تعاني من نقص في الموارد، ويعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية الخارجية، وخاصة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وعلى الرغم من زيادة مستويات المساعدات المالية على شكل قروض ومنح والتي استفاد منها على مر السنين- خاصة على مدى العقود الثلاثة الماضية- فشل الأردن في التطور بشكل مستدام، مما يعني أنه لم يتمكن من بناء اقتصاد وطني مستقل قادر على تحرير البلاد تدريجياً من اعتمادها المالي على شركائها والمؤسسات المالية الدولية. وفي الواقع، حدث العكس. وعبر هذه السنوات، لم تتحسن الظروف المعيشية في البلاد على مر السنين، حيث بقيت معدلات الفقر والبطالة مرتفعة، ولا يزال المواطنون بحاجة إلى حماية أفضل لحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
تاريخياً، اعتمد الأردن بشكل كبير على دعم اثنتين من المؤسسات المالية الدولية الرئيسية- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- وقد تم إنفاق قروض بمليارات الدولارات منذ أن بدأ الأردن في تلقي مساعدة صندوق النقد الدولي لأول مرة في عام 1989، مما سمح للأردن بتغطية النفقات الجارية، ومتابعة بعض المشاريع التنموية، والحفاظ على مستوى معين من النمو الاقتصادي.
ولم تكن هذه القروض والمنح تأتي بالمجان، اذ أن تدخلات صندوق النقد الدولي تأتي من أجل تحقيق استقرار مالي ونقدي يمكن الدولة من تسديد التزاماتها تجاه الدائنين الخارجيين. وهذا هدف معلن في غالبية أدبيات هذه المؤسسة الاقتصادية ذات النفوذ الكبير على مسار الاقتصادي العالمي وخاصة الدول التي تعاني من مشكلات بنيوية وتضطر لطلب مساعدتها.
اذ مقابل المساعدات المالية التي احتاج اليها الأردن، كان على الأردن أن يوافق على عدد من الشروط في إطار عدد من الاتفاقيات كجزء من اتفاقياته مع الصندوق. حيث تنفيذ برامج التكيف الهيكلي المتتالية بغض النظر عن مسمياتها، حيث طالب بتحرير اقتصادي واسع النطاق في البلاد، يرافقه تنفيذ سياسات تقشفية.
جاء ذلك بعد أو وجدت الحكومة الأردنية نفسها غير قادرة على سداد التزاماتها تجاه الدائنين في عام 1989، بسبب سلسلة من السياسات الاقتصادية غير الحصيفة التي عززت من الاعتماد المتزايد للاقتصاد الأردني على المساعدات الخارجية (قروض ومنح)، واستفاد من الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط حيث ازدادت المساعدات، بالإضافة إلى زيادات ملموسة في التحويلات المالية من العمال الأردنيين العاملين في دول الخليج العربي. ساهم ذلك في فترة من الازدهار النسبي امتدت من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، عندما كانت معدلات النمو في الأردن من بين أعلى المعدلات في العالم، وتحسن الدخل الفردي وظروف المعيشة بشكل كبير. ومع ذلك، فإن هذه الفترة من النمو القوي التي تغذيها المساعدة الإنمائية الرسمية والتمويل الخارجي عززت اعتماد الأردن على شركائها الدوليين، حيث تم السماح لمستويات الاستهلاك العام والخاص بالارتفاع فوق ما كان يمكن الوصول إليه فقط من خلال الناتج المحلي الإجمالي. إن اعتماد الأردن على تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية سيثبت في النهاية أنه غير مستدام.
وفي الوقت نفسه، أدت قوة الدينار الأردني إلى زيادة الواردات، مما أضر بالقطاعات المحلية المنتجة، والتي كان من الممكن أن يساهم نموها في الحد من ارتفاع معدلات البطالة في الأردن، مع جعل الصادرات أقل جاذبية للشركاء الدوليين. كما أدت المستويات العالية من الإنفاق المحلي الذي تغذيه المساعدة الإنمائية الرسمية إلى التضخم، وزيادة عرقلة الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستهلاك على المدخرات والاستثمار. بعد عام 1985 شهد الأردن فترة من التدهور الاقتصادي وصلت إلى ذروتها خلال أزمة العملة والمصارف عام 1989. في عام 1988، دخلت البلاد في ركود امتد إلى عام 1990، مما أدى إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي. ولم يعد الأردن قادرا على الاستمرار في خدمة ديونه الخارجية، التي قاربت على 200 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
منذ أواخر عقد الثمانينات، بدأ صندوق النقد الدولي في الضغط من أجل تحرير القطاع المالي وأسعار الصرف في الأردن. وفي هذا السياق أدخلت الحكومة قانون تشجيع الاستثمار الجديد عام 1988، والذي خفف القيود على حركة رأس المال في كل من الأردن والخارج. في العام نفسه، انخفض سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار الأمريكي.
ومنذ ذلك الوقت بدأ الأردن بتنفيذ سياسات اعادت هيكلة الاقتصاد الوطني، واتسمت بالتقشف، ولامست مختلف مكوناته، وبعيدا عن تفاصيل هذه التدخلات المتشعبة، والتي كان لها تأثيرات كبيرة على قدرات الاقتصاد الوطني في توليد فرص عمل لائقة وكافية لطالبيها من الشباب والشابات الأردنيات. حيث تركزت هذه التدخلات على تصميم وتطبيق سياسات ضريبية اتسمت بغياب العدالة، حيث التوسع الكبير في فرض الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والمقطوعة والرسوم الجمركية) على حساب ضرائب الدخل المباشرة والتصاعدية، ما أدى الى ضغوط على النمو الاقتصادي، رافقه تطبيق سياسات حمائية وسياسات أجور تقشفية، تدفع باتجاه الضغط على الأجور، واعتماد منهج استهدافي في تقديم الحمايات الاجتماعي، بحجة تقليص عجز الموازنة العامة للدولة.
وخلال مسار العمل مع الصندوق وبرامجه المتعددة، أصبحت توجيهاته أكثر صرامة في توصياته بشأن خصخصة الأصول المملوكة للدولة، وتجميد الرواتب المدنية والعسكرية، والحد من حماية العمال.
وفي الوقت نفسه، ساهمت هذه الخيارات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي، في زيادة اعتمادية الاقتصاد الأردني على القروض والمنح الخارجية، والفشل في ضمان الاستقلال الاقتصادي للأردن، وفي اضعاف قدرات القطاعات الإنتاجية المختلفة وبالتالي تراجع قدرات الاقتصاد الوطني على توليد فرص العمل الجديدة، حيث تضاءلت من 70 ألف فرصة عمل سنويا في عام 2007 و2008 إلى 48 ألف فرصة عمل فقط في عام 2015 والى 35 ألف فرصة عمل جديدة في عام 2019. ما يفسر الارتفاعات المستمرة في معدلات البطالة، الى أن وصلت الى 24.1 بالمئة في عام 2021، وبين الشباب 48.5 بالمئة، وبين النساء 30.7 بالمئة.
الى جانب ذلك، ساهمت الضغوط على السياسات الحمائية وعلى رأسها الأجور، حيث إنه واستجابة الى اشتراطات صندوق النقد الدولي، تم الحيلولة دون زيادة معدلات أجور العاملين في القطاعين العام، بمعدلات تتوائم مع الارتفاعات المتتالية في تكاليف المعيشة، الى زيادة أعداد الفقراء ليشمل ذلك قطاعات واسعة من العاملين، حيث تشير تقارير المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي الى أن ما يقارب 56 بالمئة من مشتركي الضمان الاجتماعي تصل رواتبهم الى 500 دينارا شهريا فأقل. وتأتي هذه الاشتراطات بمبررات تتعلق أن زيادة أجور العاملين في القطاع العام من شأنها زيادة عجز الموازنة العامة للدولة.
كذلك ساهمت اشتراطات الصندوق في هذا المجال الى عدم رفع الحد الأدنى للأجور الى مستويات تلبي الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، مبررين ذلك أن رفع الأجور في القطاع العام سيعيق عجلة النمو الاقتصادي، باعتباره يرتب تكاليف إضافية على أصحاب الأعمال، ما أدى الى عزوف قطاعات واسعة من طالبي الوظائف وخاصة النساء عن الانخراط في سوق العمل، بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية للعمل بأجور منخفضة جدا.
خلاصة الأمر، ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه الحكومات المتعاقبة من أن السياسات الاقتصادية التي يشترطها صندوق النقد الدولي ضرورة ملحة لمعالجة التحديات الاقتصادية في الأردن، ولتوفير بيئة ملائمة لخلق فرص عمل كافية تقلل من المعدلات المتنامية للبطالة وخاصة بين الشباب والنساء، الا أن واقع الحال بعد ثلاثة عقود متتالية من تطبيق برامج صندوق النقد الدولي، تخللتها فترة انقطاع لعدة سنوات، فإن الأولويات التنموية للبلاد بقيت دون معالجة إلى حد كبير، والمعضلات الاقتصادية تعمقت أكثر، حيث تضاعف الدين العام لأكثر من مرة، ومعدلات النمو الاقتصادي يرزح عند مستويات منخفضة جدا منذ أكثر من عشر سنوات، وعجز الموازنة يزداد عاما بعد عام، ومعدلات الفقر في تنامي مستمر، ومعدلات البطالة تضاعفت.
* الورقة بالتعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/15 الساعة 11:25