عام على الانسحاب الأميركي من أفغانستان
في الخامس عشر من آب/2021, وبعد «20» عاما من الحرب الأميركية على الشعب الأفغاني المنكوب, كانت شعوب العالم كافة تُشاهد بالصوت والصورة الاندحار المُذل لآلة الحرب الأميركية الضخمة, التي لم يُسعفها تقدمها التكنولوجي غير المسبوق ولا ضخامة عديدها وعتادها, ولا إلتحاق حلف «الناتو» وما أدراك ما الناتو.. بها, في تحقيق الأهداف التي زعم بوش الابن أنها تروم إنجازها, إن لجهة هزيمة «الإرهاب» أم خصوصاً إطاحة نظام طالبان, الذي وفّر الملجأ والحماية لتنظيم القاعدة الإرهابي, بما هو المسؤول عن هجمات الحادي عشر من أيلول 2001.
أبقت واشنطن على طالبان في سدة الحكم, بل أجبرتها الأخيرة الجلوس على طاولة مفاوضات ماراثونية, أسفرت عن توقيع اتفاقية «سلام» معها عُرفت بـ«اتفاقية الدوحة» شباط 2021, ذكّرتْ من أسعفته الذاكرة بما كانت عليه حال مفاوضات هنري كيسنجر مع المفاوض الفيتنامي العنيد/لي دوك تو في العاصمة الفرنسية باريس وأفضت بالتوقيع على اتفاقية باريس/كانون الثاني 1973 (حصلا في العام ذاته على جائزة نوبل للسلام) ما ترتب عليه رغم كل جولات المفاوضات, اجتياح قوات المقاومة الفيتنامية (الفيتكونغ) العاصمة سايغون التي غدا اسمها هوشي منه, تيمناً?باسم الزعيم الفيتنامي الأسطوري/هوشي منه. إعتُبرَ كثيرون مشهد هروب السفير الأميركي عبر طوافة من على سطح السفارة الأميركية في سايغون, وهو يُمسِك بـ «حبل» أسقطه الطيار لسعادته «صورة القرن», ما أشّر من ضمن أمور أخرى الى ان «قوة الحق تهزِم حق القوة», الذي تُصِرّ واشنطن على احتكاره وتريد فرض هيمنتها على شعوب المعمورة وأنظمتها في غمرة احتدام الحرب الباردة.. وخصوصاً بعدها.
ما علينا..
ما حدث يوم 15/ آب ليس انسحاباً أميركياً فوضوياً فحسب، وليس قراراً متسرّعاً اتخذته إدارة بايدن التي لم تكن قد تسلمت الحكم الاّ قبل سبعة أشهر من ذلك التاريخ، اشارة واضحة على افلاس الإمبراطورية الأميركية في حرب وُصِفت من قبل باراك أوباما بأنها «حرب الضرورة» فيما كانت الحرب الأميركية على العراق (في نظرِه) حرب خيار، بل دائماً في تجسيد لعقلية الغزو المتأصلة في التاريخ الأميركي, وتطبيقاً همجياً لنظرية «تفوّق العِرق الأبيض", وخصوصاً تجسيداً لمبدأ بوش الابن بأن «مَن ليس معنا فهو ضدنا» عبر شنّ الحروب الاستباقية.
كل ما تمّ تبريره أميركياً في شأن قرار بايدن «الانسحاب» من أفغانستان، لم يكن مُقنعاً لأحد، بل كان في واقع الحال هزيمة مُدوية ومُذلّة بعدما فشلت آلة الحرب الأميركية في قهر الأفغان, سواء الذين استظلّوا براية طالبان التي فاوضها الأميركيون واعترفوا بها ندّاً تفاوضياً ووقعوا معها اتفاقات مُلزمة، أم خصوصاً في الحركات/ المنظمات المسلّحة الأخرى ذات الانتماء القبائلي أو الطائفي أو العِرقي, ناهيك الإخفاق الأميركي في منع تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) من ايجاد موطئ قدم في بلاد الأفغان، حيث يقوم الآن بشن هجمات ?اغتيالات في العاصمة كابول مُستهدفاً قيادات طالبان.
وإذا ما أضفنا الى ذلك كله الهزيمة «الأميركية» الأخرى التي سبقت هزيمة أفغانستان, على أيدي الشعب العراقي ومقاومته الباسلة, التي أجهضت مشروع الشرق الأوسط الجديد، فإن استمرار دعمها المتواصل للكيان الصهيوني/العنصري, والاتكاء على مقولات العداء للسامية وحق اسرائيل في الدفاع عن النفس, وضخ المزيد من الأموال والأسلحة عالية التقنية لها, إضافة الى توفير مظلّة سياسية/ودبلوماسية لها تحول دون ادانتها في المنظمات الدولية وتدير الظهر بازدراء لقرارات الشرعية الدولية، إنما يزيد من الاعتقاد بأن واشنطن في عهودها الجمهورية كما ?لديمقراطية, لم تستخلص دروس التاريخ وعبرة وهي تواصل سياسة إشعال الحروب والأزمات في أرجاء المعمورة.
مشهد الخامس عشر من آب «الأفغاني».. لن يسقط بالتقادم, وسيكون هو كما الهزيمة الأميركية في العراق, برهاناً ساطعاً على أن للقوة وغطرسة الرجل الأبيض حدودهما, وأن إرادة الشعوب هي التي ستنتصر في النهاية.
kharroub@jpf.com.jo