هل نكصت 'حماس' أم عاقبت 'الجهاد'؟
كان زعيم منظمة فتح الراحل ياسر عرفات يستهزئ بالإسرائيليين في مقولته: «خليهم يشربوا بحر غزة»، هذا بالطبع بعدما غادر غزة الى رام الله عقب اتفاقات السلام، ولكن ما ظهر مؤخرا من الصمت المستغرب لقيادات حركة حماس والتوجيهات لعدم الاشتراك في الجولة الحربية للعدو الصهيوني بما سُمّي «الفجر»، يشيّ بانقلاب حماسي على حركة الجهاد الأصغر منها، فيما تركز القصف البربري على أبرياء ناهزوا ستة وأربعين شهيدا، بينهم 15 طفلا وأربع نساء ومئات الجرحى وتدمير ألف وستمائة منزل، بذريعة معاقبة فصيل الجهاد الإسلامي، ليطال قادة بارزين كت?سير الجعبري وخالد منصور ورأفت الزاملي وسلامة عابد وزياد المدلل وسبعة آخرين، ولم تحرك حماس أصبعا واحدة.
حماس ليست قوة مقاومة فقط، بل هي أيضا حركة سياسية تتعاطى مع مجموعة من الظروف بناءً على مصالحها بما يشبه حكومة غير منتخبة تدير قطاع غزة مقابل حكومة رام الله التي صمتت هي الأخرى عن معاقبة «الجهاد» رغم التصريحات الكلامية التي لا تغير من الواقع شيئا، وفي تحييد حماس وصمت قادتها لأول مرة بعد هدوء دام أكثر من عام، فيما يبدو أن هناك الكثير من المياه جرت تحت جسر التطويع بوصفه حلاً من الحلول لأزمة شعب غزة، والتزاما بالتعهدات لعدد من الأطراف الأخرى، كمصر وقطر وغير دولة عربية، وفي الظاهر للبعض أن عدم تدخل حماس يعني خوف? أو تراجعا، ولكن الحقيقة على ما يبدو، إن لم نخطىء، فهو معاقبة حماس للجهاد بيد عدو مشترك، ما يشي باتساع رقعة الخلافات بينهما.
حماس هي التي تدير «جمهورية غزة» بالفعل، وهي تحتاج للأموال وتحتاج إلى العديد من اللوجستيات والمواد الأساسية والأغذية والأدوية والكثير من المواد الدفاعية أيضا، وخلال السنتين الماضيتين عقدت صفقات سياسية وتبريد أمني برعاية أطراف عربية لعدم التحرش بالطرف الاسرائيلي، مقابل السماح لإدخال كل ما يحتاجه السوق في غزة والبلدات الأخرى، وأكثر من ذلك زادت حكومة تل أبيب أعداد تصاريح الدخول للتجار والعمال للمستوطنات والبلدات اليهودية في الشمال، ومع هذا فإن حماس صمتت لتعلم أي منافس لها أنها هي الحاكم بأمره.
ومع ذلك نرى اليوم كم بات الخلاف على الزعامة واضحا ما أعطى تل أبيب إسفينا طويلاً دقته بين الحركتين، فالجهاد الإسلامي يوصف بأنه الطرف المتطرف والموالي لإيران، وزعيمه زياد نخالة كان بحضرة رؤساء إيران وكوادره تُقصف من العدو، فيما الدوريات السياسية والأمنية كانت مستنفرة بين ثلاث دول لعدم تصعيد المعركة غير المتكافئة مع تل أبيب، والجميع يعولون على تحييد حماس كي لا تدخل على خط النار، أو أي تحرك قد يودي بالتفاهمات السابقة، في المقابل ظهرت الجهاد على أنها الابن الشقي الذي تم استدراجه لساحة الملعب الملتهب، وبعد هذا ك?ه فالخاسر هو الشعب الأعزل والقابع في سجن مفتوح لا يبكي عليه أحد.
قبل العدوان الغاشم على غزة، كان هناك صمت خادع من قبل حكومة تل أبيب، وبعد بدء صافرة الهجوم اجتمع الأعداء، يائير لبيد ونتنياهو للتعاون المشترك لتقييم العملية والتفاهم على الأهداف لمصلحتهما، بينما الأشقاء تحت القصف تشرذموا وتباطأوا وترك أحدهم الآخر، وهذا ما سيظهر قريبا أن حماس هي من شربت من بحر غزة وراء جدار مانع للمعلومات المفضوحة للمحللين كيفما يشاءون.
الكلام العاطفي وثورة الغضب غير المفيد وتلبد السحب الإلكترونية التي يطلقها الجمهور العربي، مع تأكيدنا على صدق مشاعرهم، لن يفيد البشر في غزة، كما لا يفيد البشر في الضفة الغربية المستباحة، ولا يمنع قطعان المستوطنين والمتوحشين من المتطرفين اليهود من تدنيس ثالث الحرمين الشريفين في القدس الشريف، ولا يحمي الأطفال الذين تقتلهم صواريخ جيش الاحتلال، أو تقتل آباءهم وأمهاتهم، بل إن كل استهداف لأبناء غزة يزيد الغزّيين حقدا وكراهية ليس لإسرائيل وحدها بل بمن يدعمها أو يتعامل معها، ويظهرنا كعرب الجاهلية الأولى متفرقين بين?الفرس والروم.
Royal430@hotmail.com