سلسلة حوارات مع الله-حوار رقم-4 (لماذا خلق الله أكثر الجن والإنس كفارا وليسوا مؤمنين؟!)
مدار الساعة - إستمرارا للحوار مع الله رقم-3، فلنسأل الله سبحانه وتعالى، لماذا خلق الكافر والمؤمن وذكر الكافر قبل المؤمن؟! (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (التغابن: 2))، وخلق الكفار من الجن والإنس أكثر من المؤمنين؟! أقول: الكفر والعصيان كان بين الجن أولا ومن ثم بين بنو آدم ثانيا، وذلك بفعل إبليس وذريته الذين إستطاعوا ان يدخلوا على نفوسهم الضعيفة ويسيطرون عليها. فالنفوس الضعيفة هي العدو الأول لمخلوقات الله التي خلقها بعقل وغريزه. وضربنا أمثلة عليهم الجن أولا ولا ننسى أن إبليس ووالديه كانوا مع بقية الجن على الأرض. وأوضحنا في حوار سابق لنا، ان الملائكة قالت والدي إبليس مع بقية من قتلوا من الكافرين من الجن لأنهما كانا كافرين وكان إبليس صغيرا ورفعته الملائكة ومعه الصالحين من الجن للسماء وادخلهم الله جنته. إلا أن إبليس عندما كبر عاد لأصله كوالديه كافرا فعادى سيدنا آدم وزوجه في الجنة وادخل إلى نفسيها وأغواهما بالأكل من الشجرة التى نهاهما الله حتى من الإقتراب منها، وأغضبا ربهما وأهبطهما إلى الأرض ومعهم إبليس وذريته. في إعتقادي ان الجن لها نفوس مثل نفوس الإنس التى اوضحها الله لنا في القرآن الكريم بصريح العباره، فالنفوس ثلاثة أنواع، النوع الأول النفس الأمارة بالسوء (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (يوسف: 53)) وعددهم كثيرا جدا. وهذه النفس هي التي تأمر صاحبها بالشر والإساءة لغيره، وهذا ما حدث مع إبليس عندما أمرته نفسه ان لا يسجد لآدم ويعاديه وزوجه وذريتهما إلى يوم القيامة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا، قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ (الكهف: 50، الحجر: 36-40، الأعراف: 17)).
والنوع الثاني من النفوس هي النفس اللوامة (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة: 2))، وهذه النفس تلوم صاحبها على ما صدر منه من أعمال سيئة نحو الآخرين فيعود أصحاب هذه النفوس ويتأسفون ممن اساؤوا لهم ويطلبون منهم المسامحة وعدد أصحاب هذه النفوس قليل. والنوع الثالث من النفوس هي النفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر: 27))، وأصحاب هذه النفوس عددهم قليل جدا جدا واصحابها مؤمنون بالله حق الإيمان يتصرفون مع غيرهم بكل صدق وأمانة ويمشون وينامون وينهضون وياكلون ويشربون... إلخ وهم مطمئنون وواثقون بدخول جنة رب العالمين ( ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي (الفجر: 28-30)). فأسألك يا ربي لماذا لم تجعل أكثر مخلوقاتك من أصحاب النفوس المطمئنة؟! ويليهم بالعدد أصحاب النفوس اللوامة ويليهم أصحاب النفوس الأمارة بالسوء؟!. إلا ان جوابك لي كان واضحا جدا في الآيتين (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ، وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (الأعراف: 179، السجدة: 13))، فهذا يعني يا ربي انه كانت عندك النية المسبقة ان تخلق أكثر مخلوقاتك من الجن والإنس بنفوس إمارة بالسوء حتى تدخلهم النار؟!، وهل لم يكن هناك سعة في الجنة لكثيرا من أصحاب النفوس المطمئنة؟!. ولكن انا على يقين يا ربي أنك أرحم الراحمين ومن الممكن أن تغير ما كتبته لمخلوقاتك من الجن والإنس إن كانوا من أهل جنة أو من أهل نار بالدعاء الخالص لوجهك الكريم كما أوضحته لنا في الآية (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد: 39))، فسوف لا نكل ولا نمل من الدعاء لوجهك الكريم أنه إن كنت كتبتنا من أهل النار ان تمحه وتكتبنا في ام الكتاب عندك من اهل الجنة.