الوفاء والنكران

د. عبدالكريم محمد شطناوي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/05 الساعة 18:23

مفردتان متضادتان والضد يعرف بضده، وبضدها تتميز الأشياء، والضد يظهر حسنه الضد.

سبحان من خلق بحكمته الأضداد، وإلا لضاعت القيم وتاه الجمال، وتساوت الأشياء فالخير يتساوى مع الشر، والمحسن مع المسيئ، والخائن مع الأمين والحسن مع القبح والعدو مع الصديق.

وهما مفردتان تتردان على الشفاه للتعبير أو لوصف سلوك مرغوب أو مرفوض يصدر عن شخص، فعندما يصدر الوصف يتبادر للذهن ضد هذا الوصف كي يساعد في التعبير عنه أو لزيادة توضيحه لدى السامعين.

ولو تساءلنا عن مدلولي الوفاء والنكران وبحثنا عن ذلك فإننا نجد أن:

الوفاء: ما هو إلا أمانة،صدق ثبات على العهد،إخلاص،وهو صفة اجتماعية خلقية تتمثل في التفاني في قضية ما أو شيء ما بصدق خالص لتقديم خدمة أو نصيحة للآخرين.

والوفاء حفظ للجميل وهو خلق جليل ومن شيم الكبار الذين لا ينسون المعروف ولو طالت بهم الأعمار،فلا يزال الوفي أسيرا لصاحب الجميل يظهر له الود ويمطره بالثناء الجزيل، وكله تهيؤ لإسداء عمل جميل ردا له على صنيعه.

وهو صفة إنسانية جميلة فعندما يصلها الفرد فإنه يصل لإحدى مراحل بلوغ النفس لفضائلها.

وهو صدق في القول والفعل،

كما أنه يلزم من يتحلى به بقيم سامية ومثل عليا للإنسان.

ومن أهم الأخلاق التي حث عليها ديننا الحنيف الوفاء و حفظ المعروف ورد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان ومكافأة للمعروف لكل من له علينا فضل وعمل جليل،

قال تعالى (وأحسن كما أحسن الله إليك) وقال أيضا (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

وللوفاء وحفظ الجميل صور ومجالات عديدة تشمل جميع فئات المجتمع ومنها:

الوفاء للوالدين، وبين الأزواج، ومع الأقارب والأصدقاء، للوطن، ومع كل فرد يقدم خدمة من اجل إسعاد ومساعدة الآخرين بغض النظر عن اية علاقة قربى أو مصلحة خاصة.

إن الوفاء خلق الكرام،يسعد الفرد به في الدنيا وفي الآخرة، وبه يعيش المجتمع في أمن وأمان،وبه ينال الفرد رضاء الله تعالى ومحبة الناس.

وفي الوفاء سعادة للنفس البشرية، والوفي هو الإنسان الراقي في البشر، والوصول لدرجة الوفاء هو المكسب الحقيقي لبني الإنسان.

أما النكران فهو جحود وعدم اعتراف أو إقرار من شخص بمعروف أو عمل خير قدم له.

فالنكران يكون بعدم اعتراف الشخص لجميل قدم له بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف و الصنائع الجميلة التي أسديت إليه فهو منكر للجميل وجاحد للنعمة،قال تعالى(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها).

وعلينا الحذر من نكران الجميل فإن نكرانه ارتبط باللئيم فقد قال:

الشاعر المتنبي

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقد قيل في نكران الجميل كصفة مكروهة وغير محببة بأنه نوع من الخسة في النفس إذ أن النفوس الكريمة لا تعرف الجحود والنكران بل هي على الدوام وفية،معترفة بفضل أهل الفضل،وعندما لا يقر الفرد بما لقيه من جميل الفعل وحسن القول،فإنه منكر للجميل،جاحد للنعمة.

كما وصف ناكر الجميل باللئيم فهو يتجافى عن أصحاب عمل الخير وفعالهم الحسنة اتجاهه لأنه قد يظن أنهم قابلوه بذلك السلوك الحسن،من أجل مصالح خاصة لهم.

وقد قيل من لا يشكر الناس لا يشكر الله.

وخلاصة القول فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده،ولا يستغني الناس عن بعضهم فهم يحتاجون بعضهم، متكافلون متضامنون، يأخذون ويعطون، من أجل أن يحيوا حياة كريمة مستقرة.

وإن مقابلة الإحسان بالإحسان هو تغذية راجعة لكل من يقدم عملا نافعا،وهي بمثابة تعزيز لفعل الخير عند من يعمله،

خاصة وأنه وجد جميل ما عمله من خير قد رد عليه بوفاء وعرفان بالجميل،فيشجعه على المداومة في عمل الخير،كما أنه يشجع الناس الآخرين على فعله،وبذلك يعم عمل الإحسان والبر بين الناس.

بينما نكران الجميل فهو عمل محبط،يبعث الأسى في النفس من كل من يجحد وينكر فعل الخير،ويثير مشاعر الإشمئزاز والإستنكار لدى النفوس من كل من لا يقدر فعل الخير.

ومما يؤسف له أن الوفاء في هذا الزمان قد أضحى عملة نادرة على الرغم من أنه من أعظم الصفات الإنسانية،فهو من الأخلاق الكريمة الحميدة ومن فقد فيه الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته.

ولو تساءلنا عن الأثر النفسي لكل من الوفاء والنكران:

فالوفاء من منظور علم النفس نوع من أنواع السلوك الإيجابي يتفاوت من شخص لآخرحسب البيئة التي ينتمي إليها الشخص

وهو نمط محبوب لدى الناس،

يدل على أن صاحبه ملتزم بعهده وقادر على الإيفاء بوعده

ويمكن الإعتماد عليه،هوشخص لا يعرف الغدر أو الخيانة.

وأما نكران الجميل بمنظور علم النفس،هو نوع من السلوك وهو سلوك سلبي يتفاوت من شخص لآخر كالوفاء حسب البيئة ويعرف السلوك السلبي،

بأنه أحد أنماط السلوك التي تصدر عن بعض الأشخاص بشكل غير مباشر فتكشف خبايا نفوسهم ومشاعرهم بشكل واضح.

وصفة نكران الجميل إحدى الصفات السلبية المدمرة لصاحبها بل وتدل على المعاناة الداخلية وعدم سلامة الشخصية من الناحية النفسية.

وأن سماع كلمة الوفاء لها سحرها الخاص في النفس فتبعث الطمأنينة والراحة وتجعل العين تنهمل بدموع الفرح والسعادة.

بينما عند سماع كلمة نكران فإنها تبعث في النفس شعورا مقززا تقشعر له الأبدان وتثير في النفس شعور الأسى وعدم الراحة النفسية.

ما أجمله بل ما أجله من عمل، عندما يقوم كل واحد منا بعد انقضاء نهاره،فيستعرض مع نفسه،ما سعت إليه قدماه، ونطقت به شفتاه،وما جنته يداه،ليقيمها فيصحح غثها وينمي سمينها،فيصون نفسه من الوقوع في الزلل مرة ثانية، فيكسب حمد وثناء الناس، فتطمئن نفسه ويفوز بمرضاة الله تعالى:

(يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية ،فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). صدق الله العظيم.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/05 الساعة 18:23