هل يحد خفض صادرات النفط الخام الأمريكية من التضخم؟

مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/04 الساعة 15:27

مدار الساعة -تَعكِف الحكومة الأمريكية ومجموعة السبع على وضع سياسات للتعاطي معاً مع أسعار النفط العالية والتضخم، فضلاً عن سيطرة روسيا على أسواق الطاقة، ومع ذلك فالحظر المُقترح على تصدير النفط الخام الأمريكي لن يؤدي إلى الحد من التضخم، بل من الممكن أن يكون له تأثير مُعاكس يتمثل في زيادة أسعار البنزين الأمريكي فعلاً، بحسب ويليام ألان راينش، مستشار أول ورئيس كرسي شول في إدارة الأعمال الدولية.

وأوضح في تحليل له نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، بعنوان "السياسة الجغرافية للنفط والتضخم" أن الآثار المترتبة على الحد الأقصى للأسعار في مجموعة السبع ستعتمد على جهات فاعِلة محورية قليلة، ألا وهي روسيا والصين والهند، وفي نهاية المطاف قد تنخفض مستويات الأسعار لا بسبب التدخل الحكومي، وإنما بسبب المخاوف المتصاعدة من الكساد الاقتصادي.

تأثير وقف صادرات النفط على خفض التضخم

وبحسب التحليل، فإن الحد من صادرات النفط الخام الأمريكية أو حظرها لن يساعد على خفض التضخم، وإنما يمكن أن يفاقمه، فسعر البنزين والديزل في الولايات المتحدة يعوِّل على أسواق الطاقة العالمية، لا على السوق الأمريكية المحلية فقط.

وتُصَدِّر الولايات المتحدة في المتوسط 3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام، مما يعني أنه في حال انخفاض هذه الصادرات، سيكون هناك تراجع في المعروض في الأسواق العالمية، مما سيؤدي إلى زيادة أسعار النفط، وبعض خبراء صناعة النفط أقرّوا بأن أسعار خام غرب تكساس الوسيط – وهو معيار النفط الخام الأمريكي الرئيسي – ربما تنخفض في حال فرض حظر على الصادرات، ولكن تعكس أسعار المنتجات النفطية في الولايات المتحدة الأسعار العالمية، وإذا تراجعت صادرات النفط الخام من الولايات المتحدة، وتقلَّص العرض العالمي، فقد ترتفع الأسعار نتيجة لذلك.

ويتجاهل الحظر المفروض على صادرات النفط أيضاً أوجه الاختلاف بين أنواع النفط الخام، فالولايات المتحدة تُصدِّر في الغالب النفط الخام الخفيف الحلو، في حين أنّ مصافي تكرير ساحل الخليج مُحَسَّنَة بحيث تُعالج أنواعاً أثقل من النفط ذات محتوى أعلى من الكبريت. فضلاً عن ذلك، حتى لو كان هناك حظر على صادرات النفط الخام الأمريكية، فلن يكون هذا الحظر سارياً حالياً على المنتجات النفطية المكررة، ومن شأن فرض حظر على المنتجات المُكررة أن يفاقِم الندرة العالمية للمنتجات المُكررة، وسيؤدي على الأرجح إلى زيادة أسعار منتجات البنزين والديزل الأمريكية.

كما من شأن حظر صادرات النفط الخام أن يزيد من العجز التجاري الأمريكي، وسيغلق أي حظر على صادرات النفط الخام منفذاً تصديرياً في وجه مُصدري المنبع، ومن الممكن أن يؤدي بهم إلى تعطيل الإنتاج، والتراجع في إنتاج النفط الأمريكي الخام سيتسبب بذلك في انخفاض صافي الصادرات الأمريكية من النفط الخام والمنتجات البترولية، مما سيزيد العجز التجاري الأمريكي.

ومن المرجح أيضاً أن يجعل الإنتاج المُتراجع للنفط الأمريكي الخام الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على النفط الأجنبي على المدى البعيد لسد الحاجة إلى تعويض الإنتاج الأمريكي المفقود، غير أن الاعتماد المتزايد على النفط الأجنبي يمكن تعويضه في حال عوَّضت الطاقة المُتجددة النقص في إنتاج النفط الخام المحلي.

تأثيرات انخفاض الصادرات النفطية على الاتحاد الأوروبي

وأوضح التحليل أن انخفاض إمدادات النفط سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية، مما سيضر في الوقت ذاته مستوردي النفط الخام كالاتحاد الأوروبي، ويصبُّ في مصلحة روسيا، حيث تمثل عائدات النفط والغاز 45% من ميزانيتها الفدرالية عام 2021.

وبالتزامن مع بدء أوروبا فرض حظر جزئي على النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية، سيصبح الوصول إلى النفط الأمريكي أهم لأوروبا، وفي الأشهر التي انقضت منذ غزو أوكرانيا، بلغت الصادرات الأمريكية أعلى مستوى لها منذ رفع الحظر المفروض على صادرات النفط الخام الأمريكي.

ويُقدَّر أن الولايات المتحدة أرسلت 1.4 برميل من النفط يومياً إلى أوروبا خلال الربع الثاني من عام 2022، بزيادة قدرها 30% عن العام الماضي، وبذلك استحوذت أوروبا حالياً على نحو 42% من جميع صادرات النفط الخام الأمريكي، وفي تلك الأثناء، من المتوقع أن تتراجع إمدادات النفط من بحر الشمال، مما سيزيد أهمية الصادرات الأمريكية.

وأفاد رو خانا النائب في مجلس النواب الأمريكي (ديموقراطي - كاليفورنيا) المؤيد لتنفيذ الحظر على الصادرات أنّ أوروبا يمكن إعفاؤها، ولكن بما أنّ الصادرات إلى أوروبا تُشكِّل هذه النسبة الكبيرة من إجمالي الصادرات الأمريكية، فسيقلّص الإعفاء الأوروبي أي أثر منشود للحظر، فضلاً عن ذلك، فإن حلفاء أمريكيين بارزين، ككندا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وتايوان، مستوردون أساسيون للنفط الخام الأمريكي أيضاً، وستتأثر تلك الدول سلباً بحظر الصادرات، وهذه المناطق شهدت بالفعل تراجعًا في واردتها إذ تستنفد أوروبا كميات أكبر من النفط الخام الأمريكي.

تأثير الحد الأقصى المقترح لأسعار النفط لمجموعة السبع على أسواق النفط العالمية

وأشار التحليل إلى أن تأثير الحد الأقصى المُقترح لأسعار النفط لمجموعة السبع على الأسواق العالمية يعتمد إلى حدٍ كبير على ثلاث دول محوريّة: ألا وهي روسيا والصين والهند، والأثر المحتمل على أسواق النفط يعتمد إلى حدٍ كبير على النحو الذي ستستجيب به روسيا إلى هذا الحد الأقصى.

والأرجح، برأي التحليل، أنّ هذا الحد الأقصى سيتحدد في نطاق ما بين السعر المُخفَّض لمزيج الأورال والتكلفة الهامشية للتنقيب في روسيا، أي نحو 40 دولار للبرميل، والفكرة مفادها تحديد سقف أسعار عالٍ بما يكفي لتحفيز الإنتاج والصادرات المستمرة، على أن يكون منخفضاً بالقدر الكافي لتقليص العائدات الروسية، وإذا نُفِّذ سقف الأسعار بنجاح، فمن المرجح أن تنخفض أسعار النفط العالمية، وسيتراجع التضخم، ولكن قد ترفض روسيا أن تبيع نفطها بمستوى السعر المحدد في محاولة منها لفرض ضغوط ورفع الأسعار.

وخارج حدود روسيا، ستُحدِّد ردة فعل الصين والهند أيضاً لسقف الأسعار أثره، فالصين والهند من أكبر مستوردي النفط الخام في العالم، وقد زادتا استهلاك النفط الروسي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فاستفادتا من الخصم الكبير الذي تقدمه روسيا، وإذا لم توافق الهند والصين على سقف الأسعار المُقترح، فمن الأرجح أن يعرقل ذلك المقترح في مهده، وقد دارت بين مجموعة السبع والصين والهند مناقشات إيجابية، بحسب التقارير، فيما يتعلق بسقف الأسعار، إذ رُوِّجَ له بوصفه السبيل الوحيد للبلدين لشراء الغاز الروسي بخصمٍ أكبر حتى.

ولفت كاتب التحليل النظر إلى أنه من الممكن أن يؤدي تطبيق سقف للأسعار والتأسيس الفعَّال لاتحاد احتكاري لمشتريي النفط إلى تغيير مشهد أسواق النفط العالمية على المدى البعيد، إذ سيفضيان إلى ثِقَل موازن لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، والتحول المُتسارع للطاقة المُتجددة من شأنه أيضًا أن يزيد جدوى احتكار القلّة، وذلك بتقليص الطلب العالمي على الوقود الأحفوري بأنواعه.

مدى تطابق حظر صادرات النفط مع قواعد منظمة التجارة العالمية

ويرجح التحليل عدم توافق حظر الصادرات مع قواعد منظمة التجارة العالمية، فالمنظمة لا تُنظم مقدار الموارد التي ينتجها بلد ما، وإنما تُوضَع اللوائح وتصبح سارية المفعول فقط فور استخلاص المَورِد وإمكانية توفيره للتصدير، وعندما سمحت الولايات المتحدة أول مرة بتصدير النفط الخام عام 2015، ارتكز شق كبير من النقاش الذي ساقنا إلى قرار رفع الحظر حول مشروعية الحظر في المقام الأول.

لقد كانت إدارة الرئيس أوباما قلقة بشأن احتجاجات كوريا الجنوبية واعتراضات حلف الناتو على الحظر، ففي عام 2014، زعم أحد المحامين الذين مثّلوا الولايات المتحدة في تأسيس منظمة التجارة العالمية أن الحجج المؤيدة للحظر، استناداً إلى الأمن القومي والحاجة إلى الحيلولة دون وقوع نقص محلي في النفط، تعذَّرَ الدفاع عنها، وفي عام 2013، عندما كانت الولايات المتحدة تبحث احتمالية فرض حظر مثيل على صادرات الغاز الطبيعي المُسال، أفاد قاضي استئناف سابق في منظمة التجارة العالمية بأن قيود التصدير هذه ستخلُّ بمبادئ منظمة التجارة العالمية في حال طعن عليها أي بلد عضو في المنظمة.

ومع ذلك، فقد احتج عضو مجلس الشيوخ إِد ماركي (ديموقراطي - ماساتشوستس) المؤيد للإبقاء على الحظر آنذاك بأنه يتماشى مع الالتزامات الأمريكية تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، ورأى أن الاستثناءات التي نصّت عليها المادتان 20 و21 من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (غات) تسمح للولايات المتحدة بالحد من صادراتها من النفط الخام بصفتها مسألة تتعلق بالأمن القومي.

وسلَّط أيضاً الضوء على إدراج العديد من بلدان منظمة أوبك في منظمة التجارة العالمية، رغم أنّ تلك البلدان تفرض قيوداً على إنتاجها المحلي من النفط بغية التلاعب بالأسعار، مما يُعدُّ دليلاً آخرَ على أن حظر تصدير النفط الخام يتماشى مع التزامات منظمة التجارة العالمية، ولذلك، ففي حال فرضت الولايات المتحدة هذا الحظر على صادرات النفط الخام الأمريكي، فمن المرجح أن تُرفع بشأنه قضايا في منظمة التجارة العالمية لا تُعرف نتيجتها.

كيف تؤثر المخاوف من الكساد على السياسات النفطية المُقترحة

ويذهب التحليل إلى أن المخاوف المُتصاعدة من حدوث كساد قد تؤدي إلى تراجع سعر النفط بما يكفي لجعل حظر التصدير أو الحد الأقصى للأسعار محل نقاش، فقد تسببت فترات الكساد تاريخياً في تراجع سعر النفط، إذ يؤدي الطلب المتراجع سريعاً إلى أسعار أقل.

وعلى سبيل المثال، في يوليو(تموز) 2008، بلغَ سعر النفط الخام 145 دولاراً للبرميل الواحد، ولكن في ديسمبر(كانون الأول) 2008، تراجع سعره إلى 35 دولاراً للبرميل الواحد، وتفيد التقديرات بأنه خلال فترة الكساد يمكن أن يؤدي التراجع في الطلب بنسبة 10% إلى تراجع سعر النفط الخام إلى ما بين 35 دولاراً و50 دولاراً للبرميل الواحد.

وقد انخفض مؤشر خام برنت القياسي بالفعل بأكثر من 20 دولاراً للبرميل على مدار الشهر الماضي بالتزامن مع تصاعد المخاوف من الكساد، وإذا استمر هذا الاتجاه، فمن الممكن أن تنخفض أسعار النفط بما يكفي لأن تجعل سقف الأسعار عقيماً وغير ضروري، وبالمثل فإن حظر صادرات النفط الخام الأمريكية يمكن أن يكون غير ضروري إذا كان سعر النفط منخفضاً بالفعل، وعلى النقيض من ذلك، يمكن أن يضر هذا الحظر بالإنتاج الأمريكي في وقت ستحاول الولايات المتحدة فيه التشجيع على النمو.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/04 الساعة 15:27