الخوالدة يكتب: نحو حكومة 'مهمة'
يمر الوطن حاليا بتحديات عميقة متنوعة تتطلب حلولا عاجلة لا آجلة، فمرور الوقت ليس في صالحنا على الاطلاق. ومع كل يوم يمر تتعاظم فيه التحديات وتتشعب وتتجذر، فتتعقد الحالة ويستعصي معها العلاج.
ولهذا، فالحاجة ملحة لإجراء اصلاحات اقتصادية مالية ادارية اليوم قبل غدا، فلا رفاهية في الوقت ولا هامش متاح للمناورة والظرف لا يحتمل أي تأجيل أو تأخير.
لنذهب فورا إلى التنفيذ، فالأمر لم يعد يحتمل الانشغال بتطوير المزيد من الاستراتيجيات طويلة المدى وما ينبثق عنها من خطط تنفيذية والتي تترك في معظمها دون تنفيذ.
ولهذا، ارى أن واقع الحال يتطلب وجود حكومة ذات مهمة محددة “حكومة مهمة" تعكف على تنفيذ محاور هذه المهمة وما تتضمن هذه المحاور من إجراءات بأقصى سرعة ممكنة فكلما مر الوقت ازدادت الامور صعوبة وتعقيدا. سواء أكانت الحكومة الحالية أو حكومة جديدة، الأمر يحتاج لانتقاء عالِ المستوى ودقيق لأعضاء الحكومة ممن لديهم معرفة عميقة وباع كبير في الإصلاح مع القدرة الفائقة على التنفيذ ومنتهى الحنكة والحكمة في التعامل مع المعطيات.
وهذا يعني التوجه الى مفهوم حكومة "المهمة" بمعنى أن يعطى لها مهمة الإصلاح الشامل الفوري والمستدام وتباشر على الفور بتحليل أبرز المؤشرات الكلية الوطنية وواقعها ومستهدفاتها لعدة سنوات قادمة ومن ثم الإسراع في اتخاذ القرارات والإجراءات التنفيذية لمعالجة وتصويب واقع الحال على مستوى جميع المحاور بالتوازي وأول بأول ضمن برنامج مكثف ورفع تقارير متابعة موضوعية نصف سنوىة عن التقدم في الانجاز لجلالة الملك ونشرها لاطلاع الكافة في ذات الوقت.
هنا يكون الحكم على مدى كفاءة وفعالية الحكومات موضوعيا بعيدا عن الانطباعات والشكليات والمجاملات.
في مثل هذه الظروف، لا مجال لإضاعة الوقت في اعداد الاستراتيجيات والخطط التي تصفط على الرفوف أو توضع بالادراج وكأن الأمر ينتهي مجرد اعدادها. وبالتالي ندور في حلقات مفرغة بين الكثير من الأوراق دون انجاز.
علينا استثمار الوقت بأكمله في الانجاز الفعلي فكفانا تنظيرا والغرق في طباعة الوثائق التي تتضمن العديد من الاوراق شكلها جميل ومحتواها جيد ولكنها تعاني من نقص في التنفيذ.
هذه المهمة تحتاج إلى كفاءات ذات قدرات عالية المستوى جسورة على الانجاز ومواجهة التحديات وعدم الالتفات للمقاومات والترفع عن محاولات التشويه والتشويش.
حتى لو لم تشكل حكومة "مهمة"، على الحكومة الحالية أو غيرها أن تدرك أنها حكومة "مهمة" وعليها انجاز هذه المهمة دون مماطلة أو إبطاء.
ولكي اربط الفكرة بالتطبيق، اقترح على حكومة "المهمة" جملة من الاصلاحات الفورية ذات الأثر الإيجابي الشمولي وعلى رأس ذلك استعادة الثقة بالمؤسسات والقائمين عليها، فالثقة أكثر ما يؤثر على الاقتصاد، وهي:
1. كل من يتقاضى راتبا من عمله يزيد عن ٤٠٠٠ دينار شهريا مهما اختلفت المسميات من راتب أو مخصصات أو عضويات مجالس ادارة أو مكافآت أو بدلات أو غيره، يقتطع المبلغ الذي يزيد عن ٤٠٠٠ دينار ويحول الى الخزينة العامة وهذا يسري على جميع الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة والمؤسسات الرسمية والبلديات وما ماثلها.
2. كل من يتقاضى راتبا تقاعديا أو أكثر من الضمان الاجتماعي والتقاعد المدني والعسكري والنقابات يزيد مجموعه عن ٤٠٠٠ دينار شهريا، يقتطع المبلغ الذي يزيد عن ٤٠٠٠ دينار ويحول الى الخزينة العامة.
3. إذا عاد متقاعد إلى العمل العام (بأي شكل كان)، يقتطع ما يزيد عن ٤٠٠٠ دينار شهريا مما يتقاضاه من راتب تقاعدي وراتب حالي ومكافآت وغيرها من امتيازات مهما اختلفت المسميات من راتب أو مخصصات أو عضويات مجالس ادارة أو مكافآت أو بدلات أو غيره ويحول إلى الخزينة العامة.
4. يمثل مبلغ ٤٠٠٠ دينار شهريا سقف لأي رواتب وامتيازات لكل الفئات في المستقبل.
5. يلغى النص الذي يعطي مجالس ادارة الشركات المملوكة للحكومة والضمان الاجتماعي صلاحية تحديد مكافأتها وامتيازاتها، فلا يعقل ذلك بل لابد من تحديدها من مرجعية أعلى واقتطاع أي مبالغ تزيد عن ٤٠٠٠ دينار شهريا مهما اختلفت البنود والمسميات الى الخزينة العامة. وهذا ينطبق على الشركات المملوكة بشكل كامل أو جزئي وبنسبة ٢٥٪ فأكثر.
6. وقف اشتراك الوافدين بالضمان الاجتماعي، لأن الغالبية العظمى منهم عمالة ينطبق عليها مفهوم "المهن الخطرة" والتقاعد المبكر وهذا مكلف على الضمان ويمتد صرف الرواتب التقاعدية لهذه الفئات العديد من السنوات وقد تتجاوز ٤٠ عاما. علاوة على أنها تنفق خارج البلاد وبالتالي لا يستفيد منها الاقتصاد.
7. وقف العمل بجميع التأمينات والصناديق في الضمان الاجتماعي باستثناء تقاعد الشيخوخة، ففيها اقحام للضمان في امور عديدة وارهاق له وتشتيت لأموال الضمان على المدى الطويل.
8. وقف العمل بجميع انواع التقاعد وصناديق التقاعد باستثناء الضمان الاجتماعي وهذا يشمل الوقف التام للخضوع للتقاعد المدني لجميع الفئات بما فيها الوزراء وكذلك وقف العمل بصناديق التقاعد في النقابات للحد من استخدامها لاغراض انتخابية خصوصا وهي قيد الافلاس ولما لذلك من آثار اجتماعية ووطنية، والابقاء على صناديق الاستثمار التي تحتمل الربح والخسارة ونجاحها يعتمد على الانجاز.
9. وقف العمل بكافة اشكال مكافآت نهاية الخدمة ما دام الشخص يخضع لتقاعد الضمان.
10. تنفيذ جميع عمليات دمج المؤسسات مرة واحدة ومباشرة في قانون اعادة هيكلة مؤسسات ودوائر حكومية. وهذا حدث في عام ٢٠١٤ حيث تم الغاء ١٤ مؤسسة مرة واحدة من خلال ذلك القانون. وهذا افضل من ترحيل ذلك إلى ما بعد عدة سنوات.
11. وقف منح أي استثناءات أو إعفاءات من الضرائب ووقف العمل بالضريبة الصفرية "نسبة الصفر" حيث ان ضررها أكثر من فائدتها، مع تقييم وتقنين الاستثناءات والإعفاءات الممنوحة حاليا لمختلف الجهات.
12. وقف تعيين المتقاعدين من الوزراء والفئات العليا من في مجالس ادارة الشركات المملوكة للحكومة والضمان الاجتماعي بنسبة ٢٥٪ فأكثر. ومقابل ذلك استقطاب كفاءات ذات اختصاص وقدرات وهي متوفرة وأن تعمل وفق مؤشرات لتحقيقها.
13. تخفيض اعداد اعضاء مجالس الإدارات والأمناء والمفوضين بحيث لا يزيد عن ٤ أعضاء بالإضافة للرئيس.
14. وقف العمل بتخصيص سيارات حكومية لجميع الفئات بما فيها الوزراء وكذلك وقف تخصيص سيارات على حساب الشركات المملوكة للحكومة والضمان لأي كان بما فيهم رؤساء مجالس الإدارات. الكل يستخدم سياراته الشخصية ووقودها وصيانتها على حسابه الخاص.
15. طرح عطاء تأمين صحي يشترك فيه ائتلاف مستشفيات وذلك لضبط تكلفة فاتورة المعالجات الطبية والوقف التام للعلاج خارج الوطن على حساب الدولة لمختلف الفئات ومهما كانت الاسباب.
16. عمل النواب والاعيان ومجالس المحافظات عمل تطوعي بالكامل دون مقابل، فلا رواتب ولا مخصصات ولا مكافآت.
17. وقف جميع اشكال الاعطيات مهما كان شكلها ونوعها ومصدرها لمختلف الفئات، فهذا ينهش من حيث لا ندري من رصيد الثقة المتآكل أصلا، واقتصار العمل في هذا المجال على صندوق المعونة الوطنية لمستحقيها مباشرة ووفق ضوابط وسقوف.
18. وضع سقف لأي ضرائب أو رسوم على المنتجات والخدمات بحيث لا تتجاوز بأي حال من الاحوال ٢٥٪ من قيمة هذه المنتجات والخدمات وذلك للمحافظة على جاذبيتها وتنافسيتها وعدم قتل الاقتصاد.
19. الغاء اي بنود لأي نفقات في بند النفقات الرأسمالية مثل الرواتب والمكافآت والأثاث وغيرها واقتصار انفاقها فقط على الجهات الخارجية (خارج المؤسسة) المنفذة للمشاريع الرأسمالية ووفق معايير واستحقاق وانجاز.
20. التحول الرقمي الكامل لخدمات قطاع الاستثمار والأعمال، خصوصا تلك التي تشترك في تقديمها أكثر من جهة حكومية.
21. اصدار تقرير سنوي لدرجة وترتيب الأردن في أبرز المؤشرات الدولية، ونشره والعمل على تحسينها باستمرار.
22. إعادة التوازن للهيكل التنظيمي والوظيفي والموازنات بحيث يكون ٧٠٪ منها للمهام الأساسية التي وجدت المؤسسة من أجل تحقيقها و ٣٠٪ للمهام المساندة التي تمكن المؤسسة من تنفيذ مهامها وتحقيق أهدافها. والابتعاد عن انفاق الموازنات على الشكليات والبنود عديمة الجدوى التي لا تنفع الناس.
23. عدم تولي مجالس المحافظات أي ادوار أو مهام تنفيذية نهائيا وذلك تفاديا للتداخل في المهام، فهذا دور الدوائر الحكومية والبلديات.
24. تحديد عدد محدود من المؤشرات الوطنية يغطي جميع الابعاد تتابع بشكل دائم من أعلى المستويات وتلتزم الحكومة بنشر تقرير أداء نصف سنوي بمستوى الانجاز وفق هذه المؤشرات واذا لم يتجاوز مستوى الانجاز ٧٠٪ من المستهدفات، تكون الحكومة مستقيلة تلقائيا وهذا ينطبق على قيادات الدوائر والمؤسسات.
25. تخفيض عدد النواب إلى ٨٠ نائب وعدد الاعيان الى ٤٠ عين كحد اقصى وعدد اعضاء مجالس المحافظات إلى ٦٠ عضو.
26. توجيه الدعم الخارجي بالكامل للخزينة العامة لدعم الموازنة العامة دون شروط أو اشتراطات غير مجدية ووقف توجيهه لمشاريع معينة أو أن يكون مشروط (بخلاف مؤشرات أداء وطنية وهادفة وموضوعية) أو منظمات مجتمع مدني.
27. التمويل الذاتي الكامل للاحزاب والمنتديات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ووقف تلقيها لأي دعم مالي من أي جهة كانت بما فيها الحكومة والمؤسسات الدولية الداعمة مهما اختلفت المسميات والغايات.
28. ضبط المعلولية والجسيم وفق ادق وانزه المعايير وفوق كل هذا "مخافة الله" وعدم جواز عودة الحاصلين على معلولية أو جسيم إلى العمل بما في ذلك عضوية مجالس الادارة والأمناء والمفوضيات.
29. تفعيل المساءلة ليس فقط على الفساد بل على ضعف الأداء على كافة المستويات مع الاحالة لمن يلزم إلى القضاء.
30. تقع مسؤولية كشف ورفع ونشر أي مخالفات مهما كان نوعها أو اسمها فورا وخلال ٣ شهور من حدوثها بحد أقصى على ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ووحدة مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والجهات الرقابية المتخصصة والقطاعية حسب مقتضى الحال. وخلاف ذلك، تخضع هذه الجهات للمساءلة عن هذا التقصير.
هذه اقتراحي بخصوص الظرف الحالي وحكومة "المهمة" وأمثلة على إجراءات فورية لا تحتمل التأخير، لأن تأخيرها يترك آثارا سلبية من الناحية الاقتصادية والمالية والادارية وقبل كل هذا الاجتماعية والأمنية وهي صمام الأمان.
قد لا تكون هذه الإجراءات كافية، ولكنها تشكل بلا أدنى شك خطوة بل خطوات في الاتجاه الصحيح.