هذا لا يكفي
خلال الأعوام القليلة الماضية، حضرت عشرات الاجتماعات، وعلى مختلف المستويات، نوقش خلالها الوضع الإعلامي الأردني بأشكاله كافة. في كل هذه الاجتماعات كان هناك اتفاق بالإجماع على أن الإعلام المحلي يحتاج إلى إعادة ترتيب وتأهيل ليكون قادرا على حمل رسالة الدولة من جانب، وتفعيل دوره الرقابي المهني من جانب آخر.
للأسف فإن تلك الاجتماعات لم تسفر عن مخرجات مهمة رغم أهمية الجوانب التي ناقشتها، وبدلا من ذلك جادت قريحة الحكومة بفكرة “إبداعية” تعيدنا إلى ما قبل العام 2003، عند إلغاء وزارة الإعلام، مقترحة كيانا جديدا بمسمى “حديث” هو وزارة التواصل الحكومي، وكأن أزمتنا الإعلامية قد اقتصرت على إيجاد جسم مرجعي للمؤسسات الإعلامية، دون إدراك مدى أهمية ضمان سلامة وصحة هذا الجسم!
لا أخفي حقيقة أنني مؤيد لإنشاء مظلة للإعلام الرسمي الأردني، تحت أي مسمى، سواء وزارة أو مجلس أعلى للإعلام، لسبب وحيد يكمن في أن الدولة بحاجة إلى ضبط إيقاع أوتارها المهترئة في هذا المجال، وتحديدا فيما يتعلق بالخطاب الرسمي، وهو الخطاب الذي فشل على مدار السنوات الأخيرة في تقديم رواية مقنعة للشارع، نظرا لتعدد المرجعيات وتشتتها، ولغياب الشفافية والمعلومة، جراء حالة الرعب غير المسبوقة التي يعيشها المسؤول.
لكن، ولكي تكون الحكومة صادقة في نواياها وتوجهاتها، عليها قبل اقتراح بناء هذا الجسم أن تلتفت لعدد من النقاط الواجب عليها مراعاتها بهذا الشأن. لا نحكم على النوايا بقدر ما نحكم على التجارب السابقة التي تؤكد أننا غصنا في وحل عميق، ومن الصعب جدا الخروج منه.
إن كان وجود وزارة التواصل الحكومي شكليا، فمن الأولى أن نوفر النفقات التي ستخصص لها، والجهد الذي سيبذل في تأسيسها، والآمال التي ستبنى عليها، فهذا المشروع لن يحقق غايته إن لم يصاحبه خطة لتطوير المؤسسات الإعلامية، عبر تأهيل وتدريب الكوادر الموجودة فيها فيما يتعلق بالإعلام الحديث وأدواته الذي يستهدف أكثر من 80 % من سكان البلد، إلى جانب رفدها بشباب وشابات قادرين على معرفة احتياجات الجيل الحالي وآلية الوصول إليه.
كما لا يمكن إغفال أهمية أن ندرك أن نجاح هذه الفكرة يتطلب، أيضا، إعطاء المسؤولين والوزراء جرعة زائدة من الشجاعة، وقدرة أكبر على تحمل النقد والابتعاد عن الحساسية المفرطة، وإقناعهم بأن الهروب من المواجهة بهدف حماية الكرسي ثمنه كبير على الدولة بشكل عام.
الأمر الآخر، هو أن إنجاح أي مشروع إعلامي يتطلب ضمان تدفق المعلومات للمؤسسات، بدلا من استيرادها من الخارج، وقد لمسنا في تعاملاتنا مع العديد من المسؤولين رفضهم تقديم المعلومات الكفيلة بشرح أي قضية أو تحصينها، بل إن الكثير من الأحداث أثبتت تعالي المسؤول على الصحفي الذي يقيم أداءه ويشخص عمل وزارته أو مؤسسته، ليتحول هذا الصحفي إلى عدو مبين غير مرغوب فيه.
أضف إلى ذلك أن ثمة قصورا واضحا في الخطاب الإعلامي، ولم يجرِ عليه أي تطور، كما أن عمل المؤسسات الإعلامية تكلس، ومهارات الصحفيين تدنت، خصوصا مع تشريعات تحد من الحرية المطلوبة في العمل الإعلامي، لم تمكنهم من التحرر من لعنة النصوص القانونية التي تؤطر عملهم، وتضعف قدرتهم على البحث والتقصي.
ما أود التأكيد عليه، أن إيجاد وزارة اتصال حكومي لا يكفي دون ضمان انتفاضة حقيقية في العمل الإعلامي الأردني، الذي يجب أن يكون عونا للدولة لا عبئا عليها. كيف يكون هذا، ننتظر لنرى ما تفكر فيه حكومة الدكتور بشر الخصاونة، فلعلها تمتلك العصا السحرية التي غابت عن أعين حكومات سبقتها!