عش الدبابير

د. هزاع عبد العزيز المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/01 الساعة 16:23

لاشك أن المجهود التي تبذله الأجهزة الرقابية في المحافظة على المال العام، أسهمت بشكل كبير في ضبط ووقف الهدر المالي غير المبرر للأموال العامة, والتي تقدر سنويا بالملايين، ولكن من المؤكد أيضا أن أبواب هدر المال العام لا تقتصر فقط عن ضبط الإجراءات الرقابية، بل هناك باب كبير مفتوح على مصراعيه ما زال يثقل كاهل الدولة يتمثل في التعويضات المالية الناجمة عن القضايا المرفوعة على مؤسسات ودوائر الدولة لدى المحاكم المختلفة، لاسيما منها المؤسسات الخدماتية، مثل قضايا: «الاستملاك، التنظيم العطل والضرر، القضايا العمالية, قضايا الاسترداد، منع المطالبة، أجر المثل, فوات المنفعة» ناهيك عن الفوائد المالية المترتبة عن التأخير في دفع تلك المبالغ وما يرافقها من حجز على ممتلكات تلك المؤسسات.

لقد قال لي بعض الأصدقاء ان الكتابة في هذا الموضوع أشبه بالدخول الى عش الدبابير, لذلك سوف اتحدث عن الموضوع بصفة عامة، مع التأكيد المطلق على نزاهة القضاء والقضاة, سواء تعلق الأمر بإدارة مجريات التقاضي او الأحكام الصادرة عنهم. أما الاشكالية, التي نحن بصدد الحديث عنها فهي تتعلق بالدور الذي يقوم به الخبراء في تقديراتهم الجزافية في القيم المالية لمستحقي التعويض, وما تشكله من عبء مالي غير مبرر تقدر سنويا بمئات الملايين والتي تستند في كثير من الاحيان الى اجتهادات شخصية ودون التقيد باحكام المادة (83) من قانون أصول المحاكمات المدنية. والملاحظ أن القضاة رغم محاولاتهم ضبط هذه العملية ومنع الخبراء من التمادي بتقديراتهم لعدم قناعتهم الشخصية بها، وقبولهم في كثير من الاحيان بإعادة طلب الخبرة من الخصوم (مؤسسات الدولة) إلا أن تلك التقارير تعطي على الاغلب نفس النتائج، فالخبراء ودون تعميم أصبحوا متعاونين فيما بينهم, متخصصين في قضايا الدولة, تجمعهم المنفعة المرتبطة بتفاهمات غير معلنة مع الخصوم.

الغريب أن الثقافة السائدة لدى هؤلاء الخبراء وحتى لدى الكثير من عامة الناس ان مؤسسات الدولة هي المعتدية والمغتصبة لحقوق المواطنين، وأنها تملك المال وقادرة على الدفع، فمفهوم (المصلحة العامة) و(المحافظة على المال العام) ليست موجودة عند الكثير منهم، فإن كنا مع شرعية أن يحصل صاحب الحق على حقه، ولكننا لسنا مع المغالات واعتبار المال العام بمثابة، (مغنم)، وأن الحصول عليه بهذه الطريقة يدخل في شبهة الحرام وان من اخذها لا يستحقها وحصل عليها بطريقة غير مشروعة وللاسف اصبحت الغاية عندهم تبرر الوسيلة.

وفي النهاية لا بد على الدولة من إعادة النظر في إجراءات إدارة ملفات الدعاوى القضائية, وتعديل التشريعات والأنظمة للوصول الى آليات عمل تحقق العدالة في التقديرات المالية دون المساس بحقوق أطراف النزاع، بما يحفظ المال العام من الهدر غير المبرر. ولا بد من إعطاء القاضي مزيداً من الصلاحيات القانونية لفرض رقابته على تقديرات الخبراء المالية, فالقاضي حتى يرتاح ضميره لا بد من مساعدته على المواءمة بين قناعته كإنسان وقناعته كقاضٍ, فكما يقال هو خبير الخبراء وقراره ملزم في جميع الأحوال.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/08/01 الساعة 16:23