'أم نمر الجرشية' تشغل ضيوف مهرجان جرش.
بساطة وعفوية أصبحت نادرة الوجود، وقناعة وأصرار على العيش الكريم، ورضى بما قسم الخالق، ونقاء قلب وفطنة، وروح جميلة وإبتسامة ساحرة كلها طيبة وشهامة، صفات إنسانية عربية أصيلة متجذرة إجتمعت كلها في بطلة قصتي "أم نمر الجرشية" التي تجلس في مربع صغير ليس فيه سوى جرة غاز ومقلاة زيت وطحين من بلدي تم عجنة بطريقة أصيلة.
بمجرد أن رأيتها شدتني وكأنها تملك بين يديها مركز الجاذبية للكون، وعلى الفور تركت كل ما بين يدي من أعمال وإتجهت فورا لمربعها الصغير وجلست أتبادل معها الحديث.
أم نمر التي تحمل إسم "فيروز" تنحدر من عائلة أصيلة ومتجذرة في محافظة جرش، أخذت على عاتقها العيش بطريقة ترضي الله وتحقق ذاتها برغم تقدمها في السن، فهي ما زالت تؤمن أن الإنسان خلق للعبادة والعمل، وأن العمل عبادة والتقاعس عنه فيه إثم والقيام به فيه كرامة من الله.
تجلس أم نمر في مساحة صغيرة خصصت لها من قبل إدارة مهرجان جرش لعرض ما لديها من منتج خاص تقوم بصناعته يسمى بـ خبز "الزلابيا"، الخبز الذي يصنع بعرق أصيل بعيدا عن ملوثات الرأسمالية والأزمات الإقتصادية والحروب العسكرية، ونكهته إبتسامتها التي تجعل الزائر والمكان برمته متلون كألوان قوس قزح.
تقول الجرشية، أنها مستمتعة بما تقوم به من عمل، وأن ما تقوم ببيعه يوميا في المهرجان جيد نسبيا ولكنه لا يفي ما عليها من إلتزامات عائلية وشخصية، إلا ان همها الرئيسي هو إسعاد الناس وإكرام الضيف والحفاظ على ما لدينا من تراث وثقافة أردنية أصيلة.
أول ما قالت لي أم نمر عندما إعترفت لها أنني صحفي وأعمل في صحيفة الأنباط، "أريد أن أقابل سيدنا" وتقصد الملك عبدالله الثاني حفظه الله، فقلت لها هذا أمر ليس بيدي ولكن نحن لدينا ملك متواضع جدا ولو رآك الأن لما توانى عن زيارتك.
ولفت إنتباهي امر طالبت فيه "الجرشية" وأعتقد انه حق لها ولكل مثيلاتها وهو أن يكون لديها مكان بسيط كما الذي تجلس فيه الآن ولكن دائم وليس فقط خلال فترة المهرجان، لـ الإستفادة من القروبات السياحية الخارجية والداخلية التي تزور محافظة جرش والمدينة الأثرية.
وصدقا ....
لم يكن حديثي معها حديث صحفي مع قصة وجدها، وإنما حديث الإبن مع والدته، فبكل حرف وإبتسامة كانت تنطق بها كنت أشاهد أوراق الماضي تتراشق وتستعاد أمام عيني عن ما كانت تصنع والدتي من خبز الشراك والزلابيا وخبز الطابون والتي تشبه وتتطابق صفاتها مع صفات ام نمر الجرشية المقاتلة في سبل العيش الكريم.