إنقاذ الاقتصاد بحاجة إلى فريق اقتصادي ديناميكي رشيق
يعاني الإقتصاد الأردني من أزمة حقيقية نتيجة الظروف العالمية التي أثرت عليه سلباً من جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية, فالظرف الآن استثنائي وبحاجة إلى إنقاذ فوري، فالحل يكمن ببساطة باختيار فريق اقتصادي ديناميكي رشيق يفكر في الحلول ويطبقها خارج الصندوق, فإدارة مفاصل الدولة وخصوصاً الإقتصادية منها ليست بعمل موازنات حسب النماذج السابقة الجاهزة Templates والتي نقوم بتغيير الأرقام السابقة بداخلها والتي تتحكم من خلال الإلتزام بها بأداء الوزارات، ولا هي وضع سياسات واستراتيجيات مطاطة ومبهمة صالحة لكل العصور والأزمنة, نريد اقتصاديين بخبرة التحليل الإستراتيجي ولديهم ديناميكية عمل ميدانية وفكرية, فالعوامل الأربعة التي تؤثر على اقتصادنا والمقلقة لنا باختصار شديد هي: البطالة, الفقر, الضريبة, الاستثمار.
يجب التفكير بجميع هذه العوامل وربطها ببعض بعلاقة تحليلية ذات خوارزمية معينة وبحلول واقعية ستساعد على تعظيم ومضاعفة فوائد الإجراء المتخذ، والتقليل من السلبيات على العوامل الأخرى والبناء على القرارات في المستقبل، لأن القرار المتخذ إن لم يأخذ بعين الإعتبار جميع هذه العوامل على حدٍ سواء سيكون له تأثيرات جانبية تعطي نتائج عكسية سنعاني منها في المستقبل القريب, وهذا سبب ما عانينا منه سابقاً. إننا نسابق الزمن للنهوض بالإقتصاد، فلا مجال للترف أو لإضاعة الوقت أو عدم إتخاذ القرار بحجمه الصحيح بناء على هذه المتغيرات.
نريد الموازنة بين العوامل الأربعة السابقة بحلول مُثلى Optimized solutions تنعكس على المواطن ويلمس على أرض الواقع ما سيتحقق منها, ولإيضاح ذلك سأقوم بسرد بعض من الحلول في بعض المجالات حيث أن تطبيقها من قبل الفريق الإقتصادي الديناميكي سيؤدي إلى نتائج إيجابية ملموسة:
1) المديونية والإستثمار, هناك تباعد وتناقض بينهما, لكن إذا أوجدنا ما يجمع بينها بحلٍ توافقي يخدمهما معاً سنحقق الفائدة, إذ تبلغ مديونية الأردن 48.3 مليار دولار نهاية عام 2021، لتقليل هذه المديونية علينا مخاطبة الدول الدائنة والإقتراح عليها لاستبدال ديونها بمشاريع استثمارية كبرى في الأردن على مبدأ BOT, ومن الممكن أن تجتمع دولتين دائنتين على نفس المشروع كتشاركية حسب حصص الدين, وممكن إيداع مبلغ كحسن تنفيذ من المشروع الإستراتيجي لدى البنك المركزي الأردني لمدد زمنية ولدينا مشاريع كبرى مغرية لجميع هذه الدول مثل: مشروع ناقل البحرين, مشروع النقل البري للسكك الحديدية, مشروع الطاقة النظيفة, مشروع مصفاة بترول جديدة, مشروع العاصمة الإدارية الذكية ومدن ذكية أخرى في الشمال والجنوب, مشروع مطار لوجستي, مشروع مصانع السيارات الكهربائية, مشروع لصناعة الرقاقات الإلكترونية, مشروع التنقيب عن النفط والمعادن الأخرى.
إن التفكير بهذه الطريقة وربط عاملين أو أكثر من العوامل الأربعة ببعضهما سيؤدي إلى تعظيم النتائج الإيجابية من تقليل المديونية وتقليل البطالة وزيادة الإستثمار وبالتالي زيادة في نسبة النمو..
2) الضريبة والبطالة والإستثمار والفقر, هناك علاقات بين هذه العوامل يجب أن ندركها, فما كان سابقاً أن الزيادة في نسبة الضريبة بشتى أنواعها كانت للحصول على الأموال لدعم الموازنة, لكننا لم ندرك أثرها السلبي على البطالة والإستثمار والفقر, باختصار علينا أن نقلل الضريبة على المستثمرين أو إلغائها إذا قام مشروعهم الإستثماري أو التوسع به بتوظيف أعداد من أبناء الوطن, إن الضريبة بحد ذاتها أحد معوقات الإستثمار، وكذلك للتقليل من الفقر علينا النظر بنظام الضريبة ليتناسب مع دخل المواطن وبشكل تصاعدي, فالنتيجة وجوب تعديل الضريبة لتخدم الإستثمار والمواطن.
3) الإنفتاح على بعض الدول التي لنا تحفظ من التعامل معهم من خلال استقطاب استثماراتهم بشروطنا الخاصة, وهذا لا يتحقق إلا إذا تم التنسيق بين الفريق الإقتصادي الديناميكي مع صانعي قرار السياسة الخارجية.
4) أن يقوم الفريق الإقتصادي الديناميكي بالتفاعل مع المتغيرات السياسية الخارجية أثناء الأزمات من حروب وجائحات وكوارث, فعل سبيل المثال أن يتم شراءالنفط المخفض سعراً بنسبة تصل إلى 40% من بعض الدول المصدرة له أثناء الأزمات, وكذلك تأمين مصادر وسلاسل الإمداد البديلة للمنتجات الغذائية مع الإحتفاظ بالمخزون الإستراتيجي الكافي, ووضع خطة طوارىء تأخذ بعين الإعتبار جميع المتغيرات العالمية.
5) التحول الرقمي، ما زلنا نسير ببطء شديد لتحقيق كامل ل2640 خدمة حكومية رقمية حيث لم نحقق النصف منهم، لذلك يجب على الفور وضع خطة بديلة بتحديد الأولويات لبقية الخدمات, والتركيز على أهم 100 خدمة حكومية رئيسية من شأنها تحسين أداء الإستثمار وتسهيل الإجراءات على المواطن لتتحقق مع نهاية عام 2022.
6) حوسبة احتياجات المحافظات من مشاريع خدمية وأخرى إستثمارية وربطها بالموازنات لتكون مؤشرات حقيقية لخدمة غالبية مواطني المحافظات, فتكون الأولوية للتنفيذ ورصد المبالغ لهذه المشاريع حسب النتائج المحوسبة التي حصلت عدد أكبر من المطالبات بغض النظر عن صفة المشروع ونوعه, والتحقق من ذلك بالجولات الميدانية, ولتكن موازنة عام 2023 المقترحة القادمة بناء على ذلك.
7) تطوير البنية التحتية للأماكن السياحية الأثرية والدينية والعلاجية والإسراع في تصميم منصات ومواقع إلكترونية لها يتم مشاهدتها من الخارج لتشتمل على الوصف الكامل لها من نبذة تاريخية ورابط الخريطة للوصول إليها وخدمات الموقع والمطاعم والمتاجر السياحية القريبة منها، والإسراع بإصدار بطاقة السائح الفضية والذهبية حسب قيمتها بالتعاون مع البنوك الأردنية ليتم إستخدامها في التنقل وفي المطاعم والتسوق إضافة إلى الدخول للموقع من قبل السائح وذلك لإستقطاب مزيد من السياح ورفع نسبتهم للعام القادم 50%.
8) تشكيل فريق من الفنيين المختصين يكون واجبهم التفتيش والرقابة لتحقيق معايير الجودة والسلامة العامة على الوزارات والدوائر الحكومية والشركات الحكومية والهيئآت المستقلة التي تقدم خدمات عامة عن طريق زيارات مبرمجة أو فجائية لجميع المواقع في العاصمة والمحافظات, وأخذ الملاحظات والشكاوي والمقترحات مباشرة من الموظفين والمسؤولين والتوصية الفورية بشأنها بعد تقييمها والتأكد من تنفيذها وإصلاح الأخطاء لضمان إستمرارية العمل بكفاءة وجودة وأمان.
9) مراجعة الميزان التجاري من صادرات وواردات مع الدول التي نتعامل معها، بحيث يكون متوازن ووضع حد للسلع المستوردة من الخارج وإخضاعها لمراقبة حثيثة حتى لو تضمن ذلك تشريعات تمنع استيرادها ولكن بشروط وذلك لتمكين الصناعة المحلية, والتركيز على إستيراد المواد الخام التي تدخل في الصناعات الغذائية والزراعية والتكنولوجية والطبية والملبوسات ومستلزمات البناء وغيرها، وذلك ليتم التصنيع داخل البلد ليساهم في تشغيل العاطلين عن العمل, والسماح باستيراد المواد الخام من الخارج من قبل المصانع واستيفاء الرسوم على المنتج عند تصنيعه بما يضمن السعر المناسب للمنتج, وإستهداف قيمة للصادرات الأردنية ب 6 مليار دينار بنهاية عام 2022.
10) استحداث محاكم إقتصادية تنظر بقضايا الإستثمار والمستثمرين, المالكين والمستأجرين، القضايا العمالية, وقضايا الشركات وذلك لسرعة التقاضي والتخصص الذي من شأنه حماية وحفظ الحقوق خصوصاً للمستثمرين، لأن جميع هذه القضايا هي مالية, وسرعة التقاضي تؤدي في بعض القضايا الإفراج عن أموال من شأنها الدفع بعجلة الإقتصاد وتشجيع الإستثمار والتوسع به.
11) إعادة تأهيل أصحاب المهن الخدماتية الفنية وتصنيفهم لتقديم أفضل الخدمات للمواطن وبأسعار تناسب الخدمة المقدمة له.
12) التوجه لزراعة المحاصيل الزراعية الغذائية لتقليل فاتورة الإستيراد الخارجي والإعتماد على الذات في إنتاجها, وإدخال التكنولوجيا الحديثة في زراعتها لزيادة الإنتاجية, وإستخدام البذور المحسنة التي نطورها لمقاومة الجفاف والآفات المرضية.
13) التواصل مع أفراد جالياتنا في الخارج, وخصوصاً مع الذين أسسوا شركات ناجحة عن طريق تأسيس رابطة تخدم الأهداف الإقتصادية للبلد وعمل مؤتمر سنوي في الأردن خاص للمغتربين الأردنيين.
14) الإشتراط على الإحزاب أن يكون لديها برامج إقتصادية وتضم نخب من ذوي الخبرات في هذا المجال عند تأسيسها.
15) التركيز على استقطاب المبدعين من طلابنا أو من يعملون في السوق المحلي في مراحل مبكرة وذلك بإنشاء مراكز للتميّز المتخصص بعمل مركز رئيسي لكل تخصص وربطه مع الجامعات أو مراكز التدريب أو الشركات أو المصانع ذات التخصص من خلال مشاركتهم العملية وتبادلهم للأفكار وللنتائج التي يحصلون عليها من خلال هذه المراكز والبناء عليها للخروج بأفكار إبداعية تُترجَم على أرض الواقع بانشاء شركات جديدة أو صناعات جديدة أو إضافة نوعية على صناعاتنا المحلية بامتياز تكنولوجي.
16) الإسراع بتنفيذ شبكة اتصالات الجيل الخامس لما له من تطبيقات جمة على جميع القطاعات الصناعية والإقتصادية والتعليمية والمصرفية من خلال إستخدام الذكاء الإصطناعي AI والروبوتات والواقع المعزز AR والواقع الإفتراضي VR وسلاسل الكتل Block chain وإنترنت الأشياء IoT وغيرها.
17) تحديث التخصات الجامعية وإضافة الجديد منها ليواكب التطورات العالمية المتسارعة في مجال التكنولوجيا وخصوصاً تخصصات تحليل البيانات,مهندس الروبوتات, مبرمج التطبيقات, كتابة محتوى الويب, الأمن السيبيراني, حماية البيانات, عالم الإوبئة, تحسين محركات البحث, مدرب الرياضة الإلكتروني وأخيراً تصميم واجهة المستخدم.
18) أي قرار يخص الإقتصاد الأردني يجب أن يؤخَذ بمشاركة القطاع الخاص من سن قوانين جديدة أو تعديل القديم منها أو إصدار أي تعليمات أو فرض ضرائب جديدة وذلك لضمان إيجابية القرار.
إن تحقيق تلك الحلول بحاجة إلى فريق إقتصادي مدَعّم بالمستشارين الرياديين للعمل بروح الفريق الواحد وأن يتمتعوا بالكفاءة والخبرة اللازمة, فلا مجال لإضاعة الوقت أو الإنتظار, وقد أشار جلالة الملك المعظم في حديثه لجريدة الرأي مؤخراً بأن التجارب التي أمامنا أظهرت أنه دون قطاع عام كفؤ ورشيق، لا يمكن المضي قدماً في تحقيق الطموحات.