أنْ تصبح أباً وتحاول وصف ما لا يمكن وصفه!
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/28 الساعة 12:36
مدار الساعة -أعتقد ولو على سبيل الدعابة أن العالم الألماني أينشتاين حين شعر بالزمكان، قبل إثباته عن طريق الأرقام، كان حين أصبح والداً وحمل طفلته لأول مرة بين يديه، حين شعر بالزمن كبُعد رابع، حين تمدد حتى توقف، فأصبح في فضاء يعمّه السكون، تتوقف فيه كل الأشياء عن الحركة.
نبقى نحن معشر الرجال، وخاصة في هذا المشرق التعيس، نعمل منذ ولادتنا على بناء شخصية تشبه واقعنا القاسي، نتدرب على قتل مشاعرنا، أو على الأقل نعمل على عزلها عبر الإخضاع، وهو الأمر الوحيد الذي يساعدنا فيه المجتمع بالمجان، لا، بل يقدم المساعدة، فتُلازمنا في الطفولة التدريبات التي تبدأ بأن الرجل لا يبكي، وأن البكاء للنساء، والدموع على وجه الرجل محرمة، حتى تنتهي عملية غسل الدماغ مع مرحلة المراهقة وصولاً لقاعدة أن المشاعر تعني الضعف، والضعيف في هذا الشرق يُسحق.
قبل ولادة ابنتي إيڤا كثيراً ما كنتُ أحلم بتلك اللحظة، عن اللقاء، عن شعوري وأنا أحملها بين يديَّ، عن تصرفي، عن اللحظة بكل مشاعرها، وبدأت معها تحضير نفسي وتدريبها على الطريقة الأمثل للّقاء، عن كيفية إخضاع مشاعري بأقصى قوة لإرادتي، لكن كل هذه التحضيرات والأفكار والأحلام تصبح شيئاً، والواقع شيء آخر.
عندما سمعتُ بكاءها بعد ولادتها بدأ قلبي بالخفقان، ومع كل صرخة كانت كمية الأدرينالين تضرب جسدي، كرياح تجتمع لتُشكّل إعصاراً، اللحظة الأولى قبل أن أحملها لا أستطيع تذكّرها، تشبه الحلم الجميل الذي تنساه بعد أن تفتح عينيك من نوم عميق.
حين حملتها بين يديّ برفقِ مَن يحمل أغلى كنوزه، شعرت بتلك العاصفة العظمية التي تشكلت وقد أخذت تضربني من الداخل، في هذه اللحظة تحديداً لا أستطيع وصف ذلك الشعور، حتى ولو كتبت مجلدات تلو المجلدات بشكل دقيق، تشعر أنه إعصار من الدرجة السادسة ممزوج بمجموعة هائلة من المشاعر التي تضرب ذلك الجدار العازل الذي بنيته لسنين، وانهار كأنه جدار من الورق، ولكن أحمد الله أن لذة ذلك الإحساس يبقى أثرُها، كما تترك الزلازل العظيمة أثرَها في الأرض.
أما عن الشعور الذي تملّكَني عندما وقعت عيني على عينيها فهي قصة وشيء من عالم آخر، شيء يَعجز كيوبيد (إله الحب عند اليونانيين القدماء) بذاته وخبرته عن وصفه، حين تعجز الكلمات عن التعبير، فتتعطل لغة الكلام، وتتحول العينان إلى مرآة الروح، إلى ذلك الجسر الوحيد الذي تُحاول التعبير عبره، تحاول نقل كمية الحب الضخمة، وكمية المشاعر التي تحاول قولها، فتفيض عيناك بدموع الفرح، ودموع الحب.
قبل ولادة إيڤا أزعجني جزء كبير من مجتمعنا، حين كان يسأل عن جنس المولود، وحين أجيب بأنها فتاة، فيُتبعون بدعاء أن يرزقنا الله الطفل الثاني ذكراً، وكأن هذا المرض النفسي الذي يعشيه سكان هذه المعمورة يأبون الخروج منه، يغلقون على أنفسهم بأفكار بالية، فكرة الوراثة والاسم والعائلة، وأمور أجدها ضريعاً لا يُسمن ولا يغني من جوع، فهنَّ المؤنسات الغاليات، ريحانة أشمُّها ورزقها على الله، أُمّ أبيها.
بعد هدوء عاصفة الولادة لا يمكن إلا أن تتوقف عند شخصيتين، تفرضان حضورهما بقوة، الأمومة، الزوجة التي أصبحت أماً، والأم التي أنجبتك، فإن كنا نحن معشر الرجال تكسحنا هذه المشاعر من هذه التجربة، فما بالكم بالأم التي حملت تسعة أشهر؟ والتي مرت بأصعب التجارب، وتحملت الألام التي تكاد لا تُحتمل، ومن بعد كل هذه المعمودية تراها تسأل عن مولودتها قبل أن تسأل عن وضعها الصحي.
عن تلك النظرة التي تقع بين الأم ومولودها وأنت تنظر، مدركاً أنها أعظم اللحظات التي يمكن أن تكون شاهداً عليها طوال حياتك، متمنياً هذا الشعور لكل من يتمنى أن يكون ذات يومٍ أباً.
نبقى نحن معشر الرجال، وخاصة في هذا المشرق التعيس، نعمل منذ ولادتنا على بناء شخصية تشبه واقعنا القاسي، نتدرب على قتل مشاعرنا، أو على الأقل نعمل على عزلها عبر الإخضاع، وهو الأمر الوحيد الذي يساعدنا فيه المجتمع بالمجان، لا، بل يقدم المساعدة، فتُلازمنا في الطفولة التدريبات التي تبدأ بأن الرجل لا يبكي، وأن البكاء للنساء، والدموع على وجه الرجل محرمة، حتى تنتهي عملية غسل الدماغ مع مرحلة المراهقة وصولاً لقاعدة أن المشاعر تعني الضعف، والضعيف في هذا الشرق يُسحق.
قبل ولادة ابنتي إيڤا كثيراً ما كنتُ أحلم بتلك اللحظة، عن اللقاء، عن شعوري وأنا أحملها بين يديَّ، عن تصرفي، عن اللحظة بكل مشاعرها، وبدأت معها تحضير نفسي وتدريبها على الطريقة الأمثل للّقاء، عن كيفية إخضاع مشاعري بأقصى قوة لإرادتي، لكن كل هذه التحضيرات والأفكار والأحلام تصبح شيئاً، والواقع شيء آخر.
عندما سمعتُ بكاءها بعد ولادتها بدأ قلبي بالخفقان، ومع كل صرخة كانت كمية الأدرينالين تضرب جسدي، كرياح تجتمع لتُشكّل إعصاراً، اللحظة الأولى قبل أن أحملها لا أستطيع تذكّرها، تشبه الحلم الجميل الذي تنساه بعد أن تفتح عينيك من نوم عميق.
حين حملتها بين يديّ برفقِ مَن يحمل أغلى كنوزه، شعرت بتلك العاصفة العظمية التي تشكلت وقد أخذت تضربني من الداخل، في هذه اللحظة تحديداً لا أستطيع وصف ذلك الشعور، حتى ولو كتبت مجلدات تلو المجلدات بشكل دقيق، تشعر أنه إعصار من الدرجة السادسة ممزوج بمجموعة هائلة من المشاعر التي تضرب ذلك الجدار العازل الذي بنيته لسنين، وانهار كأنه جدار من الورق، ولكن أحمد الله أن لذة ذلك الإحساس يبقى أثرُها، كما تترك الزلازل العظيمة أثرَها في الأرض.
أما عن الشعور الذي تملّكَني عندما وقعت عيني على عينيها فهي قصة وشيء من عالم آخر، شيء يَعجز كيوبيد (إله الحب عند اليونانيين القدماء) بذاته وخبرته عن وصفه، حين تعجز الكلمات عن التعبير، فتتعطل لغة الكلام، وتتحول العينان إلى مرآة الروح، إلى ذلك الجسر الوحيد الذي تُحاول التعبير عبره، تحاول نقل كمية الحب الضخمة، وكمية المشاعر التي تحاول قولها، فتفيض عيناك بدموع الفرح، ودموع الحب.
قبل ولادة إيڤا أزعجني جزء كبير من مجتمعنا، حين كان يسأل عن جنس المولود، وحين أجيب بأنها فتاة، فيُتبعون بدعاء أن يرزقنا الله الطفل الثاني ذكراً، وكأن هذا المرض النفسي الذي يعشيه سكان هذه المعمورة يأبون الخروج منه، يغلقون على أنفسهم بأفكار بالية، فكرة الوراثة والاسم والعائلة، وأمور أجدها ضريعاً لا يُسمن ولا يغني من جوع، فهنَّ المؤنسات الغاليات، ريحانة أشمُّها ورزقها على الله، أُمّ أبيها.
بعد هدوء عاصفة الولادة لا يمكن إلا أن تتوقف عند شخصيتين، تفرضان حضورهما بقوة، الأمومة، الزوجة التي أصبحت أماً، والأم التي أنجبتك، فإن كنا نحن معشر الرجال تكسحنا هذه المشاعر من هذه التجربة، فما بالكم بالأم التي حملت تسعة أشهر؟ والتي مرت بأصعب التجارب، وتحملت الألام التي تكاد لا تُحتمل، ومن بعد كل هذه المعمودية تراها تسأل عن مولودتها قبل أن تسأل عن وضعها الصحي.
عن تلك النظرة التي تقع بين الأم ومولودها وأنت تنظر، مدركاً أنها أعظم اللحظات التي يمكن أن تكون شاهداً عليها طوال حياتك، متمنياً هذا الشعور لكل من يتمنى أن يكون ذات يومٍ أباً.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/28 الساعة 12:36