في الخيمة رقم (3)..
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/28 الساعة 12:24
عاش محمود وكان في الحادي عشر من عمره أبان النكبة في منتصف عام 1948م في مخيّم الكرامة في خيمتين باليتين كالحتين, الخيمة الأولى ذات الرقم (37) والتي كانت بمثابة سكن له ولأسرته من بين الـ 750 خيمة في ذلك المخيّم في تلك الفترة, والخيمة الثانية ذات الرقم (3) والتي كانت بمثابة صف مدرسي يجلس فيها خمسة صفوف مجمّعة 1- 5 بواقع 21 طالباً وطالبة من ذلك المخيّم.
وقد وصف لنا محمود لاحقاً كل من الخيمتين وصفاً دقيقاً, جاء فيها:
الخيمة الأولى ذات الرقم (37) والتي كانت بمثابة سكن له ولأسرته: خيمتنا التي كنت اسكن فيها مع أسرتي المكونة من أربع بنات وانا بالإضافة إلى والديّ كانت ترابية اللون, فيها على الجوانب ثلاث رقع, كنا نفترش الأرض ونلتحف بثلاث بطانيات خضراء اللون, كان لدينا بابور كاز إنجليزي, وابريق شاي صيني, وثلاثة صحون المنيوم, وطنجرة نحاس تركية, وقنديل على الكاز معلّق على عامودها الاوسط, وخمس بكس خشب لوضع جميع الأثاث والملابس والاغراض.. كانت محاطة بالخيام الأخرى من جميع الجهات.
أما الخيمة الثانية ذات الرقم (3) فقد كانت بمثابة غرفة صفية: كان عدد التلاميذ فيها 21 طالباً وطالبة يشكلون بذلك خمسة صفوف مجمّعة 1- 5 كان جميعنا يجلس على التراب, وكان فيعا لوح اسود معلق على عمودها الاوسط, يستخدمه معلمنا الذي كان يدرسنا جميع المواد, وكان معلمنا لطيفاً طويل البال, طيب المزاج, كثير المزاح, وكانت البسمة لا تفارقه على الاطلاق رغم كل الظروف القاسية التي كان وكنا نمر بها جميعنا.
في احد الأيام كان موضوع الدرس في الخيمة رقم (3) والتي كانت بمثابة غرفة صفية حول درس القواعد (الفاعل), وفي ذلك الأثناء رفع محمود يده ليسأل المعلم سؤال هز فيه حبال الخيمة وسبورته المعلقة على عمود الخيمة من الداخل.. سؤال كان أكبر من عمر وصف محمود في ذلك الوقت وكان مفاده: من هو الفاعل يا أستاذ؟ أجاب المعلم وقتها قائلاً: الفاعل هو أسم مرفوع أُسند إلى فعل تام مبني للمعلوم ويدلّ على من قام بالفعل, وقف محمود صارخاً وبأعلى صوته قائلاً: لا يا أستاذ ليس هذا هو الفاعل, إنما الفاعل هو من وضعنا نتعلم على هذه الأرض في هذه الخيمة البالية الكالحة, والفاعل هو أيضا من وضع أهلنا (وأشاره في سبابته) في تلك الخيام المتزاحمة والمتهالكة.
دارت الأيام وكبر محمود وأصبح معلما للغة العربية وكتب يوما من الأيام مقالة بعنوان ( نائب الفاعل) جاء فيها:
مع أن نائب الفاعل يأتي بعد فعل مبني للمجهول ويحل محل الفاعل بعد حذفه, ومع أنه أيضاً يُرفع دائماً.. وقد يُجر بحرف جر زائد فيكون مجروراً لفظاً مرفوعاً محلاً, إلا أننا تعرفنا على الفاعل من خلال نائبه, ذلك الفاعل الذي خطط سراً لوطن لليهود في فلسطين, وجائنا نائبه فيما بعد تحت غطاء (هيئة الأمم المتحدة- وكالة الغوث) يتفقد مآسينا في الخيمة رقم 37, والخيمة رقم 3, نعم الفاعل بريطاني الهوية ونائبه أمريكي الهوية, وكلاهما بعيون زرقاء مدفونة.. وعودة إلى درس الفاعل في الخيمة رقم 3 عام 1948م هذا الدرس وبالإجماع أصبح محذوف محذوف.. فقد حل نائب الفاعل محل الفاعل بعد حذفه.
ولضيق الوقت أختصر شيء من مقالة الأستاذ محمود والتي ورد فيها أيضا عن واقع (الحال), و(التمييز), و(النعت), و( الضمير المنفصل)..
ومع هذا وذاك أردد معكم يا سادة يا كرام (وسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة يا منزرعين, بمنازلكم قلبي معكم وسلامي لكم, والمجد لأطفال آتين الليلة قد بلغوا العشرين لهم الشمس, لهم القدس والنصر وساحات فلسطين).
ختاماً ولتعلم الأجيال القادمة أنهم حاولوا طمس الحقيقة في الخيمة رقم (3).
التوقيع أبنكم البار الأستاذ محمود/ رأس الخيمة/ 1987م .
وقد وصف لنا محمود لاحقاً كل من الخيمتين وصفاً دقيقاً, جاء فيها:
الخيمة الأولى ذات الرقم (37) والتي كانت بمثابة سكن له ولأسرته: خيمتنا التي كنت اسكن فيها مع أسرتي المكونة من أربع بنات وانا بالإضافة إلى والديّ كانت ترابية اللون, فيها على الجوانب ثلاث رقع, كنا نفترش الأرض ونلتحف بثلاث بطانيات خضراء اللون, كان لدينا بابور كاز إنجليزي, وابريق شاي صيني, وثلاثة صحون المنيوم, وطنجرة نحاس تركية, وقنديل على الكاز معلّق على عامودها الاوسط, وخمس بكس خشب لوضع جميع الأثاث والملابس والاغراض.. كانت محاطة بالخيام الأخرى من جميع الجهات.
أما الخيمة الثانية ذات الرقم (3) فقد كانت بمثابة غرفة صفية: كان عدد التلاميذ فيها 21 طالباً وطالبة يشكلون بذلك خمسة صفوف مجمّعة 1- 5 كان جميعنا يجلس على التراب, وكان فيعا لوح اسود معلق على عمودها الاوسط, يستخدمه معلمنا الذي كان يدرسنا جميع المواد, وكان معلمنا لطيفاً طويل البال, طيب المزاج, كثير المزاح, وكانت البسمة لا تفارقه على الاطلاق رغم كل الظروف القاسية التي كان وكنا نمر بها جميعنا.
في احد الأيام كان موضوع الدرس في الخيمة رقم (3) والتي كانت بمثابة غرفة صفية حول درس القواعد (الفاعل), وفي ذلك الأثناء رفع محمود يده ليسأل المعلم سؤال هز فيه حبال الخيمة وسبورته المعلقة على عمود الخيمة من الداخل.. سؤال كان أكبر من عمر وصف محمود في ذلك الوقت وكان مفاده: من هو الفاعل يا أستاذ؟ أجاب المعلم وقتها قائلاً: الفاعل هو أسم مرفوع أُسند إلى فعل تام مبني للمعلوم ويدلّ على من قام بالفعل, وقف محمود صارخاً وبأعلى صوته قائلاً: لا يا أستاذ ليس هذا هو الفاعل, إنما الفاعل هو من وضعنا نتعلم على هذه الأرض في هذه الخيمة البالية الكالحة, والفاعل هو أيضا من وضع أهلنا (وأشاره في سبابته) في تلك الخيام المتزاحمة والمتهالكة.
دارت الأيام وكبر محمود وأصبح معلما للغة العربية وكتب يوما من الأيام مقالة بعنوان ( نائب الفاعل) جاء فيها:
مع أن نائب الفاعل يأتي بعد فعل مبني للمجهول ويحل محل الفاعل بعد حذفه, ومع أنه أيضاً يُرفع دائماً.. وقد يُجر بحرف جر زائد فيكون مجروراً لفظاً مرفوعاً محلاً, إلا أننا تعرفنا على الفاعل من خلال نائبه, ذلك الفاعل الذي خطط سراً لوطن لليهود في فلسطين, وجائنا نائبه فيما بعد تحت غطاء (هيئة الأمم المتحدة- وكالة الغوث) يتفقد مآسينا في الخيمة رقم 37, والخيمة رقم 3, نعم الفاعل بريطاني الهوية ونائبه أمريكي الهوية, وكلاهما بعيون زرقاء مدفونة.. وعودة إلى درس الفاعل في الخيمة رقم 3 عام 1948م هذا الدرس وبالإجماع أصبح محذوف محذوف.. فقد حل نائب الفاعل محل الفاعل بعد حذفه.
ولضيق الوقت أختصر شيء من مقالة الأستاذ محمود والتي ورد فيها أيضا عن واقع (الحال), و(التمييز), و(النعت), و( الضمير المنفصل)..
ومع هذا وذاك أردد معكم يا سادة يا كرام (وسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة يا منزرعين, بمنازلكم قلبي معكم وسلامي لكم, والمجد لأطفال آتين الليلة قد بلغوا العشرين لهم الشمس, لهم القدس والنصر وساحات فلسطين).
ختاماً ولتعلم الأجيال القادمة أنهم حاولوا طمس الحقيقة في الخيمة رقم (3).
التوقيع أبنكم البار الأستاذ محمود/ رأس الخيمة/ 1987م .
مدار الساعة ـ نشر في 2022/07/28 الساعة 12:24